بعد 56 عامًا.. تبرئة اثنين من المدانين بقتل الأمريكي مالكوم إكس
أطلق مكتب المدعي العام مراجعة للقضية، أوائل عام 2020، بعد أن أثار فيلم وثائقي لنتفليكس بعنوان (من قتل إكس؟) أسئلة خطيرة عن براءة عبدالعزيز وإسلام.

ترجمات – السياق
قال مكتب المدعي العام لمقاطعة مانهاتن الأمريكية، إن رجلين قضيا عقوداً في السجن بتهمة قتل المناضل الأمريكي من أجل الحقوق المدنية مالكوم إكس عام 1965، ستتم تبرئتهما والتخلص من إدانتهما، بحسب "واشنطن بوست".
ونقلت الصحيفة، في تقرير، عن مكتب المدعي العام في مانهاتن سايروس فانس، أنه سيعقد مؤتمرًا صحفيًا، لإعلان تبرئة محمد عبدالعزيز وخليل إسلام، اللذين عرفا حينها باسم نورمان بتلر وتوماس جونسون.
وأشارت "واشنطن بوست"، إلى أن تبرئة محمد عبد العزيز، 83 عامًا، وخليل إسلام، الذي توفي عام 2009، تأتي بعد 56 عامًا من مقتل زعيم الحقوق المدنية على مسرح قاعة أودوبون في واشنطن.
يذكر أنه تم الإفراج المشروط عن إسلام عام 1987 وتوفي عام 2009، ولا يزال عزيز الذي أفرج عنه بشروط عام 1985، على قيد الحياة.
واعترف مجاهد حليم، الذي أطلِق سراحه بشروط عام 2010 بالمشاركة في القتل، لكنه أكد أن الاثنين الآخرين لم يفعلا ذلك.
وأوضحت "واشنطن بوست"، أن القرار سيغلق قضية أثارت شكوكاً بين العلماء والناس العاديين، وألهمت نظريات المؤامرة بشأن المسؤولية المحتملة لتطبيق القانون، لا سيما قسم شرطة نيويورك.
وذاع صيت مالكوم إكس، كمدافع عن حقوق الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية من العنصرية، وأحد رموز حركة "أمة الإسلام"، الذي أقنع عددًا كبيرًا جدًا من الأمريكيين بالانضمام إلى هذه الحركة، بمن فيهم الملاكم الشهير كاسيوس كلاي، الذي غيَّـر اسمه إلى محمد علي، بعد اعتناقه الإسلام عام 1964، وفي 21 فبراير 1965، اغتيل مالكوم إكس، بطلقات نارية فور صعوده منصة قاعة مؤتمرات في مدينة نيويورك، إذ كان يبلغ وقتها من العمر 39 عامًا.
وأكد المدعي العام، في تصريحات للصحيفة، أن مكتب التحقيقات الفيدرالي والشرطة الأمريكية، حجبا أدلة كان من المحتمل أن تؤدي إلى تبرئة الرجلين.
وأطلق مكتب المدعي العام مراجعة للقضية، أوائل عام 2020، بعد أن أثار فيلم وثائقي لـ"نتفليكس" بعنوان (من قتل إكس؟) أسئلة خطيرة عن براءة عبدالعزيز وإسلام.
الطريق إلى البراءة
وعن كيفية الوصول إلى براءة الرجلين، أوضحت "واشنطن بوست"، أن البداية كانت عبر تسجيل للناشط عبدالرحمن محمد من خلال الفيلم الوثائقي (من قتل إكس؟)، أكد فيه أن محمد عبدالعزيز وخليل إسلام، لم يكنا في قاعة أودوبون أثناء عملية اغتيال مالكولم إكس.
وأشارت إلى أن محمد اشترك مع الصحفي المتوفى ليس باين، في عمل مجموعة تحقيقات، انتهت لتأكيد أن عبدالعزيز وإسلام، بريئان من قتل مالكوم إكس، وهو ما دفع مكتب المدعي العام سايروس فانس، إلى فتح الملف مجددًا، ومن ثم إعلان براءة المتهمين.
بينما وصف عبدالعزيز إدانته بأنها "نتيجة عملية فاسدة في جوهرها" حتى اليوم، وقال في بيان: "لست بحاجة إلى هذه المحكمة، ولا هؤلاء المدعين، ولا قطعة من الورق، لتخبرني بأنني بريء"، لكنه أضاف أنه سعيد لأن عائلته وأصدقاءه ومحاميه سيرون "الحقيقة التي عرفناها جميعًا، ومعترف بها رسميًا".
وحثَّ -خلال الفيلم الوثائقي (من قتل إكس؟)- نظام العدالة الجنائية على "تحمُّل المسؤولية عن الضرر الذي لا يقاس، الذي سببته له هذه المحاكمة"، مشيرًا إلى أنه بسبب القضية خسر رؤية أطفاله، رغم مطالبته بالبراءة لعقود هو وإسلام.
وقال ديفيد شانيز المحامي الخاص في فريق عبدالعزيز في بيان: "هؤلاء الرجال الأبرياء عانوا عقودًا طويلة في السجن بسبب جريمة لم يرتكبوها، لقد سُلبوا حريتهم في مقتبل العمر ووسموا بقتل زعيم بارز في مجال الحقوق المدنية وهم أبرياء".
وبعد إثبات البراءة، أكد عبدالرحمن محمد أنه تحدث إلى عبدالعزيز عبر الهاتف عندما علم بالخبر، وقال محمد: "إنه نصر حلو ومر في الوقت ذاته"، مشيرًا إلى أنه لا يستطيع أن يشعر بالسعادة حيال ذلك، لأن كل ما تفعله الحكومة هو ما كان ينبغي عليهم فعله منذ سنوات، لكنه لا يزال ممتنًا لحدوث ذلك، ولأنه قادر على مشاهدته.
قصص متباينة
وعن بداية عملية القتل والقضية، أوضحت "واشنطن بوست"، أنه في صباح 21 فبراير 1965، قُتل مالكولم إكس، وسط العديد من الروايات المتباينة.
وبيَّنت أنه في الوقت الذي اعترف مجاهد عبدالحليم -الذي أُطلق سراحه عام 2010 بعد أن أمضى 45 عامًا في السجن- بالمشاركة في عملية اغتيال مالكولم إكس، شدّد على براءة محمد عبدالعزيز وخليل إسلام، وأثناء محاكمته عام 1966، أكد عبدالحليم أن عبدالعزيز وإسلام لم يكنا متورطين في مقتل مالكولم إكس، حيث قال: "كنت هناك وأعلم ما حدث وأعرف الذين كانوا هناك".
وحسب الصحيفة، بعد مرور 12 عامًا، حدد عبدالحليم الذين قال إنهم كانوا هناك، وفي إفادة خطية أعدت لمحامي الحقوق المدنية وليام كونستلر، وصف عبدالحليم الرجال الأربعة، الذين قال إنهم تآمروا معه لتنفيذ عملية الاغتيال.
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أنه رغم حصول كونستلر بعد ذلك على مستندات مكتب التحقيقات الفيدرالي، التي لم يكشف عنها، فإن القضاء رفض اقتراحًا بتبرئة عبدالعزيز وإسلام عام 1978، بدعوى أن المعلومات التي قدَّمها عبدالحليم ضد الأربعة الذين ساعدوه في قتل مالكوم إكس، ليست كافية.
ورأى كثيرون أن المدبرين للاعتداء ينتمون إلي مسجد نيوارك، الذي شهد انطلاقة منظمة أمة الإسلام، التي انشق عنها مالكوم، وفي الفيلم الوثائقي، قال صديق مقرب لأحد أعضاء مسجد نيوارك يدعى وليام برادلي، أن برادلي، المعروف أيضًا بالمصطفى شباز، هو الذي أطلق الرصاص الذي قتل مالكولم إكس، وهو الكلام ذاته الذي سبق أن أكده عبد الحليم، إلا أن برادلي ظل ينفي ذلك حتى وفاته عام 2018، أثناء تصوير الفيلم الوثائقي.
نظرية المؤامرة
ولم تستبعد "واشنطن بوست" نظرية المؤامرة في عملية الاغتيال، وقالت: إن شرطة نيويورك، تسللت من خلال وحدة استخباراتها السرية المعروفة بـ BOSSI إلى المنظمة التي بدأها مالكولم إكس بعد مغادرة (أمة الإسلام) عام 1964، مشيرة إلى أن التسلل جاء عبر ضابط سري يدعى جين روبرتس، وهو رجل أسود، وكان أحد الحراس الشخصيين لمالكولم في قاعة أودوبون بنيويورك، إذ حاول من دون جدوى إنعاشه، بينما كان ينزف على خشبة المسرح.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه خلال الفيلم الوثائقي، قال روبرتس، الذي توفي عام 2008، إنه لم يتحدث إلى المدعي العام، ولم يشهد أمام المحلفين، الذين أدانوا عبدالعزيز وإسلام.
وأوضحت، أن الفيلم الوثائقي تضمن أيضًا سجلات مؤرخة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، تشير إلى وعي الوكالة بالمشتبه بهم المحتملين.
ومع ذلك، في النهاية، تشير الأدلة إلى أن الاغتيال كان على الأرجح من أعضاء أمة الإسلام، الذين كانوا غاضبين، إلى جانب زعيمهم إيليا محمد، بشأن الظروف المحيطة بخلافات مالكولم إكس العلنية مع التنظيم.
وقاد إيليا محمد المنظمة، ودعا إلى فصل السود والبيض، بينما رفض استراتيجية اللاعنف التي تبنتها حركة الحقوق المدنية، التي تزعمها مالكوم إكس، وما زاد حدة الخلافات بين الرجلين، أن مالكولم إكس اتهم إيليا بأنه يقيم علاقات جنسية خارج إطار الزواج، وأنجب بالفعل ثمانية أطفال مع ست مراهقات.
وأمام هذه الخلافات، أطيح مالكوم إكس من منظمة الأمة، ثم ما لبث أن كشف أنه يتعرَّض لتهديدات بالقتل، بل قال للصحفيين في ذلك الوقت: "أعيش كرجل ميت بالفعل".
القتل والتحقيق
وتروي "واشنطن بوست" اللحظات الأخيرة في حياة مالكوم إكس، مشيرة إلى أنه أمر فريقه الأمني، بعدم حمل الأسلحة وعدم تفتيش الأشخاص عند باب قاعة أودوبون، ما سهل على قاتليه التسلل.
لكن بعد مرور سنوات، بدأ عبدالرحمن محمد، أحد المعجبين بمالكولم إكس، بحثه عندما كان طالبًا في جامعة هوارد في ثمانينيات القرن الماضي، وقال إنه يشتبه في أن الحكومة انتظرت عقودًا لإعادة النظر في القضية، لأن ذلك قد يلفت الانتباه إلى تكتيكات المراقبة وغيرها من سلوكيات مكتب التحقيقات الفيدرالي وشرطة نيويورك، أثناء محاولتهما إسقاط مالكولم.
وذكرت "واشنطن بوست" أن المدعين في مقاطعة نيويورك، أنكروا أنهم شاهدوا وثائق مكتب التحقيقات الفيدرالي أثناء المحاكمة، وهو ما يثبت تورط مكتب التحقيقات الفيدرالي بسجن متهمين بريئين عشرين سنة، والتستر على القاتل.
وتأكيدًا لذلك، قال عبدالعزيز إنه كان في منزله بسبب إصابة في ساقه، وهو ما أكده الطبيب الذي أشرف على علاجه قبل ساعات من اغتيال مالكولم إكس، حيث قال عبدالعزيز في شهادته في المسلسل الوثائقي "من قتل مالكولم إكس؟": "يوم مقتل مالكولم إكس، الذي كان صباح أحد أيام الأحد، كنت مستلقيا على الأريكة وقدمي إلى الأعلى، وسمعت الخبر عبر الإذاعة".
تاريخ مالكوم
كان مالكولم إكس خطيبًا مفوها وموهوبًا، ويعد إلى جانب مارتن لوثر كينغ جونيور من أكثر الأمريكيين الأفارقة تأثيرًا في التاريخ.
وُلد مالكولم ليتل في 19 مايو 1925 في أوماها، بولاية نبراسكا، وقفز إلى الصدارة الوطنية أواخر الخمسينيات من القرن الماضي لأمة الإسلام، وهي جماعة مسلمة أمريكية إفريقية، تعارض الاندماج مع البيض.
أفرزت الحشود والجدل المحيط بمالكولم، نقطة جذب إعلامية خلال التوترات العِرقية التي تصاعدت أوائل الستينيات.
وعقب أدائه فريضة الحج، لقب نفسه بالحاج مالك شاباز.
ورغم أنه كان مدافعًا مسلمًا يتمتع بشخصية كاريزمية وصريحة عن حقوق السود، فإن منتقديه قالوا إنه يدعو إلى العنصرية والعنف.
وفي 21 فبراير 1965 اغتيل، بينما كان يستعد لإلقاء كلمة أمام المئات من أنصاره.
وأدين ثلاثة رجال، محمد عبدالعزيز ومجاهد عبدالحليم وخليل إسلام، وهم أعضاء في حركة أمة الإسلام السياسية والدينية، بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الأولى في مارس ، وحُكم على ثلاثتهم، بالسجن المؤبد، وتوفي أحدهم منذ ذلك الحين، بينما أفرِج عن الاثنين الآخرين.