الليرة التركية تنحدر لأدنى مستوى.. والبنك المركزي يتدخل لإنقاذه من الانهيار

فقدت العملة نحو 45% من قيمتها حتى الآن هذا العام و28.3% في نوفمبر وحده، ما أدى إلى تآكل مدخرات ومكاسب الأتراك بسرعة، وارتفاع ميزانيات الأسرة

الليرة التركية تنحدر لأدنى مستوى.. والبنك المركزي يتدخل لإنقاذه من الانهيار
تدخل البنك المركزي التركي، في أسواق الصرف الأجنبي، وقرر بيع الاحتياطيات الأجنبية.

السياق

تعليقات الرئيس رجب طيب أردوغان، في الدفاع عن سياساته الاقتصادية غير التقليدية، هوت بالليرة التركية إلى أدنى مستوياتها، ما دفع البنك المركزي إلى التحرك لدعم العملة المنهارة.

وفي أول خطوة من نوعها في سبع سنوات، تدخل البنك المركزي التركي، في أسواق الصرف الأجنبي، وقرر بيع الاحتياطيات الأجنبية.

خطوة البنك المركزي التركي، تأذن بعودة أنقرة إلى سياسة التدخل في أسواق العملات المثيرة للجدل، في محاولة لتثبيت الليرة المتراجعة، رغم التزام سابق بعدم القيام بذلك، ومحدودية احتياطيات النقد الأجنبي.

إلا أن البنك المركزي التركي قال في بيان صحفي إن «التطورات غير الصحية في الأسعار» دفعت إلى اتخاذ قرار بيع العملة الصعبة مثل الدولار الأمريكي، في محاولة لدعم الليرة.

تأتي هذه الخطوة، بعد أن هوت الليرة إلى مستوى قياسي بلغ 13.87 ليرة تركية مقابل الدولار الأمريكي، بانخفاض قدره 46% مقارنة بما كانت عليه عام 2020، إلا أنها في تعاملات لندن قلصت بعض مكاسبها لتستقر عند 13.2 ليرة تركية للدولار.

سياسة مثيرة للجدل

يمثل تدخل تركيا استئنافًا لسياسة مثيرة للجدل إلى حد كبير، شهدت حرق البلاد لمليارات الدولارات من احتياطياتها من العملات الأجنبية عامي 2019 و2020، في محاولة مشؤومة لمنع الليرة من فقدان قيمتها، مع خفض البنك المركزي أسعار الفائدة.

وبحسب صحيفة فايننشال تايمز، فإن صافي احتياطيات البلاد، باستثناء الأموال المقترضة من خلال ما تسمى ترتيبات المقايضة مع البنوك المحلية والبنوك المركزية الأخرى، يقدر بـ46.8 مليار دولار.

وقال بنك وول ستريت، إن إجمالي الاحتياطيات بلغ 128.4 مليار دولار بالأسبوع المنتهي في 19 نوفمبر.

وكان محافظ البنك المركزي، صهاب كافجي أوغلو، قال في أكتوبر، إن البنك لا يخطط للعودة إلى التدخلات في العملة، الأمر الذي أثار انتقادات شديدة من أحزاب المعارضة التركية وكذلك المستثمرين الدوليين.

لكن الليرة تراجعت خلال سلسلة متتالية من الانخفاضات القياسية، حيث خفض البنك أسعار الفائدة بشكل متكرر، ورغم التضخم الذي بلغ نحو 20%، فإن الرئيس رجب طيب أردوغان أشار إلى أن هناك المزيد من التخفيضات.

مؤامرات خارجية

بدوره، عزا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تراجع الليرة التركية، إلى ما سمّاها "المؤامرات الخارجية" وليس الوضع الاقتصادي.

وقال أردوغان إن تركيا تسلك طريقًا محفوفًا بالمخاطر لكنه صائب حيال الاقتصاد، يقوم على خفض معدلات الفائدة رغم تدهور العملة الوطنية بشكل حاد.

شهر تاريخي

وبحسب «رويترز»، فإن الليرة تراجعت لتتوج شهرًا تاريخيًا من البيع، بعد أن أيد الرئيس رجب طيب أردوغان مرة أخرى، تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة، رغم الانتقادات واسعة النطاق.

وتسبب انخفاض الليرة في ضغوط اقتصادية على الأتراك، الذين يعانون ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والأدوية والسلع الأساسية الأخرى.

وفقدت العملة نحو 45% من قيمتها حتى الآن هذا العام و28.3% في نوفمبر وحده، ما أدى إلى تآكل مدخرات ومكاسب الأتراك بسرعة، وارتفاع ميزانيات الأسرة.

كانت عمليات البيع الشهرية، من أكبر عمليات بيع العملة على الإطلاق، وانضمت إلى صفوف الأزمات في 2018 و2001 و1994 لاقتصاد السوق الناشئ الكبير.

ويواجه أردوغان، منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، تراجعًا في استطلاعات الرأي والتصويت بحلول منتصف عام 2023، بينما تظهر استطلاعات الرأي، أن أردوغان سيخسر المواجهة مع خصومه الرئاسيين على الأرجح.

وتحت ضغط من أردوغان، خفض البنك المركزي أسعار الفائدة بـ 400 نقطة أساس إلى 15% منذ سبتمبر، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يتراجع مرة أخرى في ديسمبر، مع اقتراب التضخم من 20%، فإن المعدلات الحقيقية سلبية للغاية.

انتخابات مبكرة

ورداً على ذلك، دعت المعارضة إلى إجراء انتخابات مبكرة، في ظل المخاوف من تلقي البنك المركزي ضربة أخرى، بعدما قيل إن مسؤولاً رفيع المستوى ترك منصبه.

وقال بريان جاكوبسن، كبير محللي الاستثمار والحلول متعددة الأصول في شركة Allspring Global Investments: «إنها تجربة خطيرة يحاول أردوغان إجراءها ويحاول السوق تحذيره من العواقب».

وأضاف: «الواردات من المرجح أن ترتفع في الأسعار مع انخفاض الليرة، ما يجعل التضخم أسوأ»، مشيرًا إلى أن مقايضات التخلف عن السداد تحدد أسعارها لخطر أكبر بالتخلف عن السداد.

وقفزت مقايضات التخلف عن سداد الائتمان في تركيا لمدة خمس سنوات، وهي تكلفة التأمين ضد التخلف عن السداد السيادي، بـ 6 نقاط أساس من قرب يوم الاثنين إلى 510 نقاط أساس، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر 2020.

واتسعت الفروق إلى سندات الخزانة الأمريكية ذات الملاذ الآمن إلى 564 نقطة أساس، وهو أيضًا الأوسع في عام، بينما شدد أردوغان ومسؤولون حكوميون، على أنه في حين قد يكون هناك ألم في الأسعار لبعض الوقت، يجب أن يعزز التحفيز النقدي الصادرات والائتمان والوظائف والنمو الاقتصادي.

خطة أردوغان

يقول الاقتصاديون إن انخفاض قيمة العملة والتضخم المتسارع -الذي من المتوقع أن يصل إلى 30% العام المقبل بسبب انخفاض قيمة العملة في جزء كبير منه- سوف يعرقل خطة أردوغان، مشيرين إلى أن البنوك المركزية الأخرى تعمل على رفع أسعار الفائدة أو الاستعداد لذلك.

وقال مصدر بالبنك المركزي، إن المدير التنفيذي لإدارة الأسواق بالبنك، دوروك كوتشوك ساراتش، ترك منصبه وحل محله نائبه هاكان إر.

وقال مصرفي، طلب عدم ذكر اسمه، إن رحيل كوكوكساراك كان دليلًا آخر على «تآكل وتدمير» المؤسسة بعد الإصلاح الشامل للقيادة هذا العام، وسنوات من التأثير السياسي.

وأقال أردوغان ثلاثة من أعضاء لجنة السياسة النقدية في أكتوبر. ولم يعين الحاكم Sahap Kavcioglu في هذا المنصب إلا في مارس، بعد أن أقال الرئيس أسلافه الثلاثة في آخر عامين بسبب خلافات سياسية.

ارتفاع التضخم

وستصدر بيانات التضخم لشهر نوفمبر يوم الجمعة، بينما توقع استطلاع أجرته "رويترز" أنه سيرتفع إلى 20.7% سنويًا، وهو أعلى مستوى في ثلاث سنوات.

وقالت شركة التصنيف الائتماني موديز: «تحت تأثير سياسي وليس محكمًا بما يكفي لخفض التضخم بشكل كبير واستقرار العملة واستعادة ثقة المستثمرين».

وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن طوابير الأتراك شوهدت خارج مخازن الخبز ومحطات الوقود، مشيرة إلى أن المزارعين المتخلفين عن سداد القروض، يصطفون وسط مظاهرات تفرقة تشهدها شوارع العاصمة اسطنبول.

وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن «علامات الضائقة الاقتصادية في تركيا واضحة، مع استمرار الليرة في انزلاقها المذهل»، مشيرة إلى أن احتجاجات متفرقة اندلعت في جميع أنحاء تركيا، بينما دعت أحزاب المعارضة إلى سلسلة من التجمعات، للمطالبة بتغيير الحكومة.