مرحلة جديدة في الحرب الإلكترونية بين تل أبيب وطهران... والمدنيون في مرمى الأهداف

بينما أصيب مذيع معروف في تل أبيب بالذعر بسبب التفاصيل الحميمة لحياته الجنسية، وتلك الخاصة بمئات الآلاف من الآخرين الذين سُرقوا من إل جي بي تي كيو. وقال ثلاثة من كبار المسؤولين الإسرائيليين، إن البيانات الشخصية المسربة من موقع المواعدة الإسرائيلي كارثية، لأنها لا تحتوي على أسماء المشتركين وعناوينهم فحسب، بل على تفاصيل حياتهم الجنسية، ومعلومات عن مرضى الإيدز بينهم.

مرحلة جديدة في الحرب الإلكترونية بين تل أبيب وطهران... والمدنيون في مرمى الأهداف
ارتفاعًا في نسق الحرب السيبرانية بين إيران وإسرائيل

ترجمات - السياق

كشفت صحيفة نيويورك تايمز، أن الأشهر الأخيرة، شهدت ارتفاعًا في نسق الحرب السيبرانية بين إيران وإسرائيل، لتشمل ملايين المدنيين في البلدين.

وقالت «نيويورك تايمز»، في تقرير، إن المدنيين في البلدين، وجدوا أنفسهم ضحايا لحرب دائرة بين الحكومتين، مشيرة إلى أن تل أبيب وطهران دخلتا سنوات في حرب سرية، عن طريق البر والبحر والجو والكمبيوتر، لكن الأهداف عادة ما تكون عسكرية أو ذات صلة بالحكومة، إلا أن الحرب الإلكترونية اتسعت لتستهدف المدنيين على نطاق واسع.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى هجوم سيبراني، استهدف في أكتوبر الماضي، نظام توزيع الوقود في إيران، ما أدى إلى شل نحو 4300 محطة وقود، مؤكدة أن استعادة خدمات تلك المحطات، استغرق 12 يوماً من العمل المتواصل.

وعن آثار تلك الهجمات، قالت «نيويورك تايمز»، إن طبيب أسنان في إيران تجول حينها في الأنحاء ساعات بحثًا عن البنزين، وانتظر في طوابير طويلة في أربع محطات وقود ليخرج فارغًا، بينما أصيب مذيع معروف في تل أبيب بالذعر بسبب التفاصيل الحميمة لحياته الجنسية، وتلك الخاصة بمئات الآلاف من الآخرين الذين سُرقوا من إل جي بي تي كيو.

تقييمات استخباراتية

ونقلت «نيويورك تايمز»، عن مسؤولين عسكريين أمريكيين، قولهما، إن «تقييمات استخباراتية أمريكية سرية، نسبت هذا الهجوم إلى تل أبيب»، مشيرة إلى أنه جاء بعد أيام من تعرُّض إسرائيل لهجمات سيبرانية، شملت منشآت طبية كبرى وموقعاً إسرائيلياً خاصاً بمواعدة المثليين، نسبها مسؤولون إسرائيليون لإيران.

وبينما بدأ البلدان تصعيدًا في المواجهات السيبرانية بينهما، حذرت السلطات الأمريكية من محاولات إيرانية، لاختراق شبكات الكمبيوتر في المستشفيات والبنية التحتية الحيوية الأخرى في الولايات المتحدة، مرجحة تزايد مثل هذه الهجمات مع تعقد الجهود الدبلوماسية بشأن الاتفاق النووي الإيراني، بحسب «نيويورك تايمز».

الصحيفة قالت إن توسع الهجمات السيبرانية لتشمل الأهداف المدنية، على غرار الهجوم الذي استهدف خطوط سكك الحديد الإيرانية في يوليو الماضي، إضافة إلى شن طهران هجومًا فاشلًا على شبكة المياه الإسرائيلية العام الماضي، تعد رسائل من حكومة كل منهما إلى الأخرى.

وأكدت «نيويورك تايمز»، أن الهجمات السيبرانية الأخيرة، هي الأولى التي تلحق أضراراً بأعداد كبيرة من المدنيين، مشيرة إلى أنها نجحت في إحداث حالة من الفوضى والغضب والخوف على نطاق واسع.

حملة قمع وحشية

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن اختراق نظام توزيع الوقود الإيراني في 26 أكتوبر الماضي، تزامن مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية للاحتجاجات المناهضة للحكومة، التي اندلعت بسبب زيادة مفاجئة في أسعار البنزين، وردت الأخيرة عليها بـ«حملة قمع وحشية» أدت إلى مقتل 300 شخص، وفق منظمة العفو الدولية.

وأشارت «نيويورك تايمز»، إلى أن الهجوم الإلكتروني الأخير كان يهدف إلى إثارة موجة مماثلة من الاضطرابات المناهضة للحكومة، مؤكدة أن مضخات الغاز توقفت فجأة عن العمل، بينما تلقى العملاء رسالة تطالبهم بتقديم شكوى إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، مع عرض رقم هاتف مكتبه.

 المتسللون سيطروا كذلك على اللوحات الإعلانية في مدن مثل طهران وأصفهان، واستبدلوا بالإعلانات رسالة مكتوبًا عليها: «أين البنزين يا خامنئي؟»، بحسب الصحيفة الأمريكية التي قالت إن أحاديث انتشرت حينها بأن الحكومة دبرت هذه الأزمة لرفع أسعار الوقود.

ورغم أن الهدف من ذلك الهجوم السيبراني كان إحداث بلبلة، فإنه لم يسفر عن تظاهرات جديدة، إذ سارعت الحكومة الإيرانية إلى احتواء الأزمة وإخماد نيران الغضب.

حل الأزمة

وعقدت حينها وزارة النفط والمجلس الوطني للفضاء الإلكتروني اجتماعات طارئة، انتهت إلى إصدار وزير النفط جواد عوجي اعتذاراً علنياً نادراً عبر التلفزيون الحكومي، تعهد خلاله بتقديم 10 لترات إضافية من الوقود المدعوم لجميع مالكي السيارات.

وتقول «نيويورك تايمز»، إنه في محاولة لإعادة تشغيل المضخات، كان على وزارة النفط الإيرانية، إرسال خبراء تقنيين إلى كل محطة وقود في البلاد، مشيرة إلى أنه بعد إعادة تشغيل المضخات، لم تتمكن معظمها إلا من بيع الوقود غير المدعوم فقط، الذي يبلغ سعره ضعف سعر الوقود المدعوم.

حل الأزمة استغرق نحو أسبوعين لاستعادة شبكة الدعم، التي خصصت لكل سيارة 60 لتراً شهرياً بنصف السعر، بحسب الصحيفة التي قالت إن هناك قلقًا إيرانيًا من نجاح تل أبيب في الوصول إلى معلومات «حساسة».

وقال أحد المسؤولين البارزين في وزارة النفط الإيرانية المطلعين على التحقيقات، لـ«نيويورك تايمز» مشترطًا عدم كشف هويته، إن «المسؤولين قلقون من سيطرة المتسللين على خزانات الوقود التابعة للوزارة»، مشيرًا إلى احتمال تمكن المخترقين من الوصول إلى بيانات عن مبيعات النفط الدولية، التي تعد من أسرار الدولة، ويمكن أن تفضح كيفية تهرب إيران من العقوبات الدولية.

بيانات حساسة

وعن كيفية الوصول إلى تلك البيانات الحساسة، خاصة أن خوادم الحاسب الآلي التابعة للوزارة الإيرانية تعمل من دون اتصال بالإنترنت، قالت الصحيفة الأمريكية، إن هناك شكوكاً بين المسؤولين الإيرانيين في أن إسرائيل ربما حصلت على مساعدة من الداخل في عملية الاختراق.

إلا أنه بعد أربعة أيام من توقف مضخات إيران عن العمل، ردت إيران باختراق قاعدة بيانات موقع المواعدة الإسرائيلي «أتراف»، والملفات الطبية في معهد ماشون مور الطبي، وهي شبكة من العيادات الخاصة في إسرائيل، ونشر متسللوها الملفات المسروقة، بما في ذلك المعلومات الشخصية لنحو 1.5 مليون إسرائيلي، أي 16% من سكان البلاد، على قناة على تطبيق المراسلة «تيلجرام».

لترد الحكومة الإسرائيلية بمطالبة التطبيق بحجب القناة، وهو ما حدث بالفعل، إلا أن المتسللين الذي أطلق عليهم «بلاك شادو»، أعادوا نشر المواد على قناة جديدة بشكل فوري، واستمروا في ذلك كل مرة يحظرون فيها.

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن المتسللين الذين ينسبون إلى إيران، نشروا ملفات مسروقة من شركة التأمين الإسرائيلية «Shirbit»، التي اختُـرقت في ديسمبر الماضي، إضافة إلى بيانات موظفي وزارة الدفاع الإسرائيلية المؤمن عليهم.

حدث كارثي

وقال ثلاثة من كبار المسؤولين الإسرائيليين، طلبوا عدم كشف هوياتهم، إن «بلاك شادو إما جزء من الحكومة الإيرانية، وإما متسللون مستقلون يعملون لحساب الحكومة»، مؤكدين أن البيانات الشخصية المسربة من موقع المواعدة الإسرائيلي كارثية، لأنها لا تحتوي على أسماء المشتركين وعناوينهم فحسب، بل على تفاصيل حياتهم الجنسية، ومعلومات عن مرضى الإيدز بينهم.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه سرعان ما اشتكى العديد من مشتركي «أتراف» من اختراق حساباتهم على تطبيقات «إنستغرام» و«فيسبوك» و«جيميل».

وعن إعلان جهة رسمية مسؤوليتها عن الهجمات السيبرانية، قالت «نيويورك تايمز»: لا إيران ولا إسرائيل أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات الإلكترونية، بينما لم تلق أي دولة باللوم على الأخرى بشكل علني أيضاً.

وقالت الصحيفة الأمريكية، إن المسؤولين الإسرائيليين رفضوا توجيه اتهامات علنية لطهران، بينما ألقى مسؤولون إيرانيون باللوم في هجوم محطة الوقود على دولة أجنبية، لكنهم تجنبوا تسمية هذه الدولة.

ونقلت «نيويورك تايمز» عن خبراء قولهم، إن «هذه الهجمات الإلكترونية على أهداف مدنية، يمكن أن تكون بداية لمرحلة جديدة من الصراع، فكل جانب يلوم الآخر على التصعيد»، مشيرة إلى أنه لو «كانت هناك إرادة لوقفه، من الصعب أن نرى كيف يمكن إدخال هذا المارد في قمقمه مرة أخرى».