ماذا يجب على الغرب أن يتعلمه من الاحتجاجات في إيران؟
من السابق لأوانه معرفة إذا ما كانت هذه الاحتجاجات ستغير سياسة إيران أو إذا ما كانت مجرد صدع آخر في صرح النظام الحاكم.

ترجمات - السياق
مع استمرار المظاهرات في إيران للأسبوع الثالث على التوالي، رأت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أنَّه يجب على الغرب أن يتعلم من هذه الاحتجاجات، وأن يُغيّر من سياساته تجاه طهران، خصوصًا فيما يتعلق بمحاولة واشنطن إحياء الاتفاقية النووية لعام 2015.
وقالت الصحيفة في تحليل لـ كريم سغادبور -زميل أقدم بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي-: إن مقتل الفتاة الإيرانية مهسا أميني -البالغة من العمر 22 عامًا والتي قيل إنها تعرَّضت للضرب المبرح بعد أن احتجزتها شرطة الآداب بدعوى عدم ارتداء الحجاب بالشكل اللائق- أدى إلى اندلاع احتجاجات في جميع أنحاء إيران بقيادة الأحفاد ضد الأجداد الذي حكموا البلاد لأكثر من أربعة عقود.
وأشار إلى أنّه من السابق لأوانه معرفة إذا ما كانت هذه الاحتجاجات ستغير سياسة إيران أو إذا ما كانت مجرد صدع آخر في صرح النظام الحاكم الذي وصفه بالمتعفن، معتبرًا أنه مع ذلك يمكن استخلاص نتيجة مفادها بأن حادثة مقتل أميني يجب أن تغير وبشكل دائم كيفية تفاعل العالم الخارجي مع المسؤولين الإيرانيين، وخصوصًا السياسة المتبعة من قِبل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
ليست الأولى
ويرى سغادبور أن حالة "أميني" ليست بمعزل عن بقية الإيرانيات، ناقلًا عن جماعات حقوق الإنسان تأكيدهم أنه يتم كل عام توقيف ملايين النساء الإيرانيات ومضايقتهن بسبب "الحجاب غير اللائق"، كما تقضي بعض النساء أحكامًا بالسجن بسبب رفض ارتداء الحجاب.
واعتبر الكاتب أن "الحجاب الإجباري" هو أحد الركائز الأيديولوجية الثلاثة المتبقية للثيوقراطية الإيرانية، إلى جانب شعاري "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل"، حسب وصفه.
وأشار إلى أنَّ سبب كره النظام الإيراني لمثل هؤلاء الإيرانيات، كـ"أميني" وغيرها، يعود إلى أن المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، يتصوَّر أن المساومة على الركائز الأيديولوجية للنظام- بما في ذلك الحجاب- لن تؤدي إلا إلى تسريع انهياره.
واستشهد بما قاله خامنئي سابقًا: "إذا أردنا منع مجتمعنا من الانغماس في الفساد والاضطراب، يجب أن نبقي النساء محجبات".
ويبيّن الكاتب، أن مثل هذه التصريحات إنما هي نتاج نفس العقلية التي تلوم ضحايا الاعتداء الجنسي على الإناث لارتدائهن ملابس غير محتشمة، مشيرًا إلى أن "مثل هذه الآراء الرجعية، لا تستحق أي احترام، سواء تم تبنِّيها في تكساس أو طوكيو أو طهران".
وأمام ذلك، انتقد سغادبور قبول مراسلة شبكة (سي بي إس) الأمريكية ليزلي ستال ارتداء الحجاب عندما أجرت مقابلة مؤخرًا مع الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي -إذ أثار شكوكًا كالعادة خلال اللقاء حول الهولوكوست، ونفى دوره الموثق جيدًا كقاضٍ حكم على آلاف المعارضين بالإعدام في صيف عام 1988- حيث صرَّحت بعد المقابلة: "قيل لي كيف أرتدي ملابسي، وأن لا أجلس قبله وأن لا أقاطعه".
وتعليقًا على هذا الأمر، قال الكاتب: "يجب ألا تكون قواعد التعامل الرجعية والتي عفا عليها الزمن مقبولة بعد الآن".
وأضاف: "في المقابل، حصلت مؤخرًا، رئيسة المراسلين الدوليين لشبكة سي إن إن، كريستيان أمانبور -الصحفية البريطانية من أصل إيراني- على مقابلة مع رئيسي في نيويورك، لكن عندما رفضت ارتداء الحجاب، لم يحضر"، مشيرًا إلى أن موقف أمانبور كان الرد الصحيح على اشتراط ارتداء الحجاب.
وتابع: "الآن يجب على الآخرين أن يحذوا حذو أمانبور"، مشددًا على أن التاريخ أثبت أن إيران تتنازل فقط عندما تواجه جبهة دولية موحدة، ومن ثمّ "يجب على الحكومات الأجنبية ووكالات الأنباء الدولية والمنظمات غير الحكومية الكفّ عن إضفاء الشرعية على التمييز بين الجنسين في الجمهورية الإيرانية".
مضاعفة القمع
وأشار سغادبور إلى أنّه رغم خضوع طهران في بعض الأحيان للضغوط الخارجية، إلا أن رد فعل الجمهورية الإسلامية كان على مدار تاريخها الممتد 43 عامًا هو مضاعفة القمع ضد النساء والمعارضين.
وشدد على أنه رغم أن هذه الوحشية كانت المنهج الرئيس الذي اتبعته الحكومة الإيرانية طوال هذه السنوات، إلا أن هناك تصدعات متزايدة داخل المؤسسة الحاكمة، خصوصًا مع استعداد البلاد لانتقال قيادي محتمل بسبب تراجع صحة خامنئي البالغ من العمر 83 عامًا.
ورأى أنه بينما تبدو قوات الأمن التابعة للجمهورية الإسلامية -الحرس الثوري-، مسيطرة في الوقت الحالي، إلا أنَّ هناك مؤشرات على ضعف النظام في إيران اليوم أكثر بكثير مما كانت عليه بعض الدول العربية في أعقاب 2011
وأمام هذا الضعف -حسب الكاتب- "يجب أن تدفع الاضطرابات الناجمة عن مقتل أميني، إدارة بايدن إلى إعادة تقييم إستراتيجيتها تجاه إيران"، مشيرًا إلى أنه "حتى الآن، كان التركيز الوحيد لسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران هو محاولة غير مثمرة لإحياء الاتفاقية النووية لعام 2015، التي انسحب منها الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018"، متابعًا: "هذا يدل على قصر نظر الإدارة الأمريكية الحالية".
واستطرد الكاتب: "طالما أنَّ قادة الجمهورية الإيرانية، يحكمون بلادهم بناءً على هويتهم القائمة على معارضة الولايات المتحدة، فلن تتمكن واشنطن أبدًا من التوصل إلى تسوية مع طهران"، مشددًا على أنه "بدلًا من الاستجابة لأعراض أيديولوجية إيران، يجب على واشنطن والغرب التركيز على السبب الجذري، أي النظام نفسه".
ورأى أن ظهور حكومة إيرانية تضع المصالح الوطنية للبلاد على أيديولوجيتها الثورية قد يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة الجيوسياسية للولايات المتحدة.
وأشار إلى أنَّ طهران تتمتع بنفوذ هائل في أربع عواصم عربية- دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء- وقدمت مساعدات مالية وعسكرية للمناهضين للولايات المتحدة في كاراكاس وبيونغ يانغ، حتى إن الجيش الروسي استخدم طائرات كاميكازي الإيرانية في حربه ضد أوكرانيا مؤخرًا، فضلًا عن أن الأسلحة الإيرانية تغذّي حروب إفريقيا.
وخلص الكاتب في تحليله إلى القول: "ربما لا يأتي انتقال إيران من الثيوقراطية إلى الديمقراطية بسهولة، سلميًا أو قريبًا، لكنه أهم مفتاح للتغيير بالشرق الأوسط".