بُشرى جديدة لمرضى السرطان.. حينما يكون شريان الحياة في أحد الفيروسات
هذا النوع الجديد من علاج السرطان، يستخدم فيروسًا شائعًا لإصابة الخلايا الضارة وتدميرها، مشيرين إلى أن التجارب البشرية المبكرة تُبشر بالخير.

ترجمات - السياق
يبدو أن فيروس الهربس المُعدَّل وراثيًا بات الأمل الجديد للتغلب على السرطان؛ وذلك بعد أن اكتشف علماء بريطانيون، أن الأورام في المرضى الميؤوس من شفائهم قد تم استئصالها أو تقليصها باستخدام العلاج الجديد الرائد، حسب تقرير لشبكة بي بي سي البريطانية.
وأوضح العلماء أن هذا النوع الجديد من علاج السرطان، يستخدم فيروسًا شائعًا لإصابة الخلايا الضارة وتدميرها، مشيرين إلى أن التجارب البشرية المبكرة "تُبشر بالخير".
وبينّت الشبكة، أن إحدى التجارب المبكرة بمعهد أبحاث السرطان (ICR) في لندن كشفت أن نسخة معدلة من فيروس الهربس البسيط أظهرت علامات على الفعالية في ربع مرضى السرطان في نهاية العمر.
وبينّت "بي بي سي" أنه خلال التجارب ثبت أن سرطان أحد المرضى اختفى، بينما رأى مرضى آخرون تقلصت أورامهم.
وأوضحت أن الدواء تم استخلاصه من أحد الأشكال الضعيفة لفيروس قرحة البرد- الهربس البسيط- وقد تمَّ تعديله لقتل الأورام، إذ تعمل العدوى– التي تسبب أيضًا تقرحات الفم والقروح التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي– على السرطان عن طريق إنتاج جزيئات لتحفيز استجابة الجهاز المناعي وإصابة السرطان وتدميره.
ورغم أنَّ التجارب الدوائية -التي يديرها معهد أبحاث السرطان التابع لصندوق هيئة الخدمات الصحية الوطنية "NHS" بالمملكة المتحدة- ستحتاج لدراسات أكبر وأطول، إلا أنَّ العلماء بينوا أن الحقن قد يوفر في النهاية شريان حياة لمزيد من الأشخاص المصابين بالسرطانات المتقدمة.
تشخيص
وأشارت بي بي سي إلى أنه تم اختبار الدواء الجديد على 39 مريضًا يعانون من السرطان بما في ذلك الأشخاص الذين يعانون من أورام الجلد والمريء والرأس والعنق. وحسب الشبكة، فقد وصف أحد المرضى -من غرب لندن- التجارب بأنها "معجزة حقيقية" بعد أن تمكن من العودة إلى العمل كعامل بناء. ونقلت بي بي سي، عن كريستوف ووكوزسكي-عامل بناء يبلغ من العمر 39 عامًا من غرب لندن- وهو أحد المرضى الذين شاركوا في المرحلة الأولى من تجربة السلامة الجارية، قوله: إنه تمَّ تشخيص إصابته في عام 2017 بسرطان الغدد اللعابية بالقرب من الفم، مشيرًا إلى أنه على الرغم من الجراحة والعلاجات الأخرى في ذلك الوقت، إلا أن السرطان استمرَّ في النمو.
كان قد تم تشخيص ووكوزسكي بسرطان المخاطي البشري، وهو نوع من سرطان الغدد اللعابية، في مايو 2017 وبعد عدة عمليات جراحية، قيل له إنه لا توجد خيارات علاج متبقية.
وقال المريض: "قيل لي حينها إنه لا توجد خيارات متبقية بالنسبة لي، ومن ثمّ كنت أتلقى رعاية ما قبل الاحتضار"، متابعًا: "كان الأمر مدمرًا نفسيًا بالنسبة لي، لذلك كان من المذهل جدًا أن أُمنح فرصة أخرى للحياة من خلال الانضمام إلى التجارب الأخيرة".
واستطرد ووكوزسكي قائلا: "كنت أتلقى حقنًا كل أسبوعين لمدة خمسة أسابيع مما قضى تمامًا على السرطان الذي أعانيه"، مضيفًا: "أعيش منذ نحو عامين خاليًا تمامًا من السرطان.. فما حدثت معجزة حقيقية، ولا توجد كلمة أخرى لوصفها".
وتابع: "لقد تمكنت من العمل كعامل بناء مرة أخرى وقضاء بعض الوقت مع عائلتي.. ولا يوجد شيء لا يمكنني القيام به حاليًا، فقد منحتني التجارب شريان حياة جديدًا".
وتعلق الشبكة البريطانية، على ذلك بالقول: "يبدو أن دورة قصيرة من العلاج الفيروسي - وهو نسخة معدلة خصيصًا من فيروس الهربس الذي يُسبب عادة قروح البرد - قد تخلص من السرطان".
وأشارت إلى أن الحُقن، التي تُعطى مباشرة في الورم، تهاجم السرطان بطريقتين، إما عن طريق غزو الخلايا السرطانية وجعلها تنفجر، أو عن طريق تنشيط جهاز المناعة.
وأمام ذلك، كشفت الشبكة، أن نحو 40 مريضًا جربوا العلاج الجديد كجزء من التجربة، مشيرة إلى أنه بينما أُعطي البعض حقنة الفيروس، التي تسمى RP2، تلقى آخرون عقارًا آخر للسرطان- يسمى نيفولوماب -.
النتائج
ونقلت الشبكة البريطانية، عن قائد الدراسة البروفيسور كيفين هارينغتون، أستاذ علاجات السرطان البيولوجية في معهد أبحاث السرطان بلندن، قوله: "تظهر دراستنا أن فيروسًا معدلًا وراثيًا يقتل السرطان يمكن أن يوجه ضربة واحدة إلى اثنين من الأورام، ويدمر الخلايا السرطانية بشكل مباشر ".
ووصف استجابات العلاج التي شوهدت بأنها كانت "مثيرة للإعجاب حقًا"، إذ إنها استهدفت مجموعة من السرطانات المتقدمة، بما في ذلك سرطان المريء ونوع نادر من سرطان العين.
وقال: "من النادر رؤية مثل هذه المعدلات الجيدة للاستجابة في التجارب السريرية في المراحل المبكرة، حيث إن هدفها الأساسي هو اختبار سلامة العلاج، وهي تشمل مرضى مصابين بسرطانات متقدمة للغاية توقفت العلاجات الحالية عن مفعولها".
وتابع: "تشير نتائج تجربتنا الأولية إلى أن شكلًا معدلًا وراثيًا من فيروس الهربس يمكن أن يصبح خيارًا علاجيًا جديدًا لبعض المرضى الذين يعانون من سرطانات متقدمة، بما في ذلك أولئك الذين لم يستجيبوا لأشكال أخرى من العلاج المناعي"، مستدركًا: "أنا حريص على معرفة ما إذا كنا سنستمر في رؤية الفوائد لأننا نعالج أعدادًا متزايدة من المرضى".
مفعول مزدوج
وبينّت "بي بي سي" أنه تم تصميم فيروس RP2 المعدل وراثيًا، والذي يتم حقنه مباشرة في الأورام، ليكون له مفعول مزدوج ضد الأورام.
وأشارت إلى أن هذا المفعول يتكاثر داخل الخلايا السرطانية ليقوم بتفجيرها من الداخل، كما أنه يمنع بروتينًا يعرف باسم "CTLA-4"، يطلق المكابح على جهاز المناعة ويزيد من قدرته على قتل الخلايا السرطانية.
وحسب الشبكة، فقد استفاد ثلاثة من أصل تسعة مرضى -بما فيهم ووكوزسكي- عولجوا من الهربس من حالة مريض واحد بسرطان الغدد اللعابية رأى أن ورمه يختفي تمامًا ويبقى خاليًا من السرطان بعد 15 شهرًا من بدء العلاج، كما استفاد من العلاج سبعة من كل 30 مريضًا تلقوا كلا من RP2 والعلاج المناعي نيفولوماب.
وكشفت النتائج التي تم إعلانها في مؤتمر طبي بالعاصمة الفرنسية باريس، مؤخرًا، أنَّ المجموعة التي ضمت أربعة من كل تسعة مرضى مصابين بسرطان الجلد، واثنان من كل ثمانية مرضى مصابين بسرطان الجلد العنبي، وواحد من كل ثلاثة مرضى مصابين بسرطان الرأس والعنق، رأوا أن نمو السرطان لديهم توقف أو يتقلص.
وفي ذلك، يقول البروفيسور كريستيان هيلين، الرئيس التنفيذي لمعهد أبحاث السرطان في لندن للشبكة البريطانية: "تُعدّ الفيروسات أحد أقدم أعداء البشرية، كما رأينا جميعًا خلال الوباء، لكن بحثنا الجديد يشير إلى أنه يمكننا استغلال بعض الميزات التي تجعلهم يتحدون الأعداء لإصابة الخلايا السرطانية وقتلها".
وشدَّد على أن الدراسة رغم أنها محدودة، إلا أن النتائج الأولية واعدة، مضيفًا: "آمل بشدة أنه مع توسع هذا البحث، نرى المرضى يواصلون الاستفادة في العلاج والشفاء التام".
يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها العلماء فيروسًا لمحاربة السرطان، فقد وافقت هيئة الخدمات الصحية الوطنية "NHS" على علاج قائم على فيروسات البرد، يسمى T-Vec ، لسرطان الجلد المتقدم قبل بضع سنوات.
وقالت الدكتورة ماريان بيكر، من مركز أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، إن النتائج المشجعة قد تُغيِّر مسار علاج السرطان، مضيفة: "يظهر هذا العلاج الفيروسي الجديد واعدًا في تجربة مبكرة على نطاق صغير.. لكننا نحتاج الآن إلى مزيد من الدراسات لمعرفة مدى نجاحه".