ما سيناريوهات عودة تنظيم داعش ودولته؟

يرى الدكتور مروان شحادة الخبير الأردني في شؤون الجماعات الإرهابية في تصريحات لمنصة السباق، أن التخوفات الأمريكية من عودة داعش مرة أخرى في -محلها-.

ما سيناريوهات عودة تنظيم داعش ودولته؟

السياق

أفرجت السلطات الأمنية الأمريكية عن تقرير سري، تناول سيناريوهات عودة تنظيم داعش الإرهابي إلى الواجهة مرة أخرى وبناء دولته المزعومة.

التقرير الذي تم كتابته في 2020، ووُضِع تحت بند "سري للغاية"، زعم أن الأمر لن يقتصر فقط على تنظيم داعش، بل ستشهد عدة دول صعود التيارات المتطرفة لسدة الحكم.

ولفت إلى أن تنظيم داعش يعمل ببطء لبناء بعض قدراته الأساسية في العراق وسوريا "مستوى التجنيد والحصول على مصادر التمويل"، وشن هجمات على قوات الأمن بشكل متزايد في أفغانستان أيضًا.

وحذر التقرير من انسحاب الولايات المتحدة وشركاؤها من المناطق التي ينشط فيها داعش، حيث تعتمد عليهم الحكومات المحلية في ملء الفراغات الأمنية، وهو ما يمكن اعتباره تمهيدًا للأرض لعودة داعش مرة أخرى.

على ضوء ما سبق، تبدو هناك ضرورة للبحث في مدى إمكانية عودة داعش على الأرض مرة أخرى، خصوصا مع تصاعد العديد من الأزمات الدولية ذات التأثير الإقليمي، والمرتبطة بحالة الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والفقر، ونقص سلاسل الغذاء حول العالم.

عودة مشروطة

إبراهيم عرفات الباحث في العلاقات الدولية أكد لمنصة "السياق"، أن ما جاء في التقرير الذي تم كتابته في مايو 2020، ورفعت عنه السرية مؤخرا، ليس مفاجأ.

وأشار عرفات إلى أن تنظيم داعش يمكن أن يعود للواجهة في أي وقت، خصوصا أن الحرب التي شنها التحالف الدولي انتهت إلى تقويض قدراته فقط دون القضاء عليه تماما، وهو ما يتجسد في العمليات الإرهابية التي ينفذها بين الحين والآخر في العراق وسوريا، فضلا عن عمليات التجنيد الإلكتروني تتم بشكل متسارع، وتشير إلى مخطط "العودة القريبة".

وأوضح أن الحرب التي خاضها التحالف الدولي لمحاربة داعش منذ سبتمبر 2014، اعتمد على "الحد من خطر التنظيم" وليس القضاء عليه تماما، وهو ما بدا واضحا في خريطة الغارات الجوية التي استهدفت تثبيت حدود دولته المزعومة وعدم تمدده، دون استهداف "الرأس" في الرقة السورية.

ولفت عرفات إلى أن عودة تنظيم داعش للمشهد السياسي والأمني في منطقة الشرق الأوسط، قائمة ولكن بشروط، تتمثل أبرزها في إضعاف الحكومات المركزية والجيوش عبر عدم التدخل للمساعدة في تسوية الأزمات السياسية من ناحية، واستمرار فرض حظر التسليح بمستوياته المختلفة من ناحية أخرى.

واعتبر الباحث في العلاقات الدولية، أن مسألة "عولمة الجماعات الإرهابية المسلحة"، أو استخدام الجماعات الإرهابية في إدارة الصراعات الدولية، أثبتت فشلها بل وباتت أحد مسببات تهديد الأمن والاستقرار الدوليين.

لذا، تبدو هناك ضرورة لتوافر إرادة سياسية لإعادة تشكيل النظام الدولي وفق أسس مغايرة عن تلك التي تم اعتمادها في العقد الأخير من القرن العشرين، والتخلي عن مسألة اعتبار الجماعات المتطرفة العابرة للقطرية، أحد عناصره، بحسب عرفات.

تخوف في محله

من جانبه، يرى الدكتور مروان شحادة الخبير الأردني في شؤون الجماعات الإرهابية في تصريحات لمنصة "السباق"، أن التخوفات الأمريكية من عودة داعش مرة أخرى "في محلها".

وأشار شحادة إلى أنه منذ سقوط تنظيم داعش في الموصل والرقة عامي ٢٠١٧ و٢٠١٨، بدأ في إعادة ترتيب صفوفه، بحيث انتقل من العمل العلني إلى العمل السري، وبدأ بتنفيذ عدة عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية وفي العراق.

وأوضح أن هذه العلميات تهدد أمن واستقرار هذين البلدين، وأن التنظيم مازال يحتفظ في بنيته التنظيمية وإدارته للفروع المنتشرة في العالم.

واتفق الدكتور مروان مع التقرير في أن فروع التنظيم أصبحت أقوى من القيادة المركزية، واستدل على رؤيته بما يحدث في إفريقيا، إذ يتوسع ويتمدد التنظيم وأصبح يسيطر على حوالي ٣٪ من مساحة إفريقيا وله نشاط في هذه المناطق.

وأيضًا ما زال التنظيم قائمًا في أفغانستان، بحسب شحادة، وربما يكون التهديد الأكبر لحركة طالبان والمجتمع الدولي، لأنه كما هو معروف قبل مدة قصيرة نحو ثلاثة أسابيع، قام تنظيم داعش خراسان بشن هجوم على مقر السفارة الروسية.

وهنا، يرى الخبير الأردني في شؤون الجماعات الإرهابية، أن داعش خراسان من الفروع الكبيرة النشطة، وصار معروفا إعلاميا حتى إنه يصدر نشرات باسم " خراسان مجازين" أو مجلة خراسان، وكذلك يقوم بعدة عمليات طالت العديد من العلماء والدعاة وقيادات حركة طالبان، حتى العلماء الذين يهاجمونهم من السلفيين لم ينجوا من هجماتهم، وكذلك الشيعة.

لذلك، والحديث لشحادة، فإن التقرير الأمريكي ربما محق في جانب أن التنظيم أعاد تشكيل صفوفه، ومازال يشكل تهديدا أمنيا في المناطق التي ينتشر بها، ولكن لم يستبعد أن يكون وراء هذا التقرير محاولة توفير مصادر تمويل لعمليات عسكرية تسعى الولايات المتحدة لتنفيذها، بعد انسحابها من العديد من الدول.

صعود جديد

الدكتور خالد عباس الخبير بمرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب والتطرف يقول لـ"السياق": إنه مع التطورات التي شهدها ويشهدها العالم مؤخرًا على الصعيد السياسي والاقتصادي، بدأت هناك مؤشرات تلوح في الأفق تنذر باحتمالية صعود جديد للتنظيمات المتطرفة (القاعدة وداعش على وجه الخصوص).

ولفت عباس إلى أن التقارير الصادرة عن مرصد الأزهر تشير إلى أن تنظيم القاعدة يحاول معاودة الظهور بقوة من خلال الأذرع التابعة له في أماكن أخرى.

وشدد على أن العامل المشترك في هذه التقارير سواء الخاصة بالقاعدة أو داعش هي "إفريقيا"، إذ استغلا الوضع الأمني المتدهور وحالة عدم الاستقرار السياسي والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها دول إفريقية عديدة خصوصًا في منطقة القرن الإفريقي وغرب إفريقيا.

ونوه الخبير بمرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب والتطرف، إلى أن البيانات الاستخباراتية للدول الأعضاء في مجلس الأمن أفادت بأن تنظيم القاعدة أصبح أكثر قدرة على التواصل مع أذرعها خارج أفغانستان وأنها تفضل ذراعها الإفريقي "حركة الشباب الصومالية" بقيادة "أحمد ديري أبو عبيدة"، ويبدو أن العامل الاقتصادي هو المحرك الأكبر لهذا التفضيل.

كذلك لا يمكن إغفال الدور المتعاظم لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين والتي يقودها "إياد أغ غالي" والتي أعلنت مبايعتها للقاعدة في 2017، بحسب عباس.

أما تنظيم داعش الإرهابي، فيرى الخبير بمرصد الأزهر أن وجهته تحولت إلى إفريقيا، حيث ينشط بشكل ملحوظ، وازدادت عناصره بشكل كبير في منطقة الساحل فقط بـ5000 مقاتل.

وتشير تقارير مرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب والتطرف، إلى أن منطقة الساحل تمثل بؤرة خطيرة للجماعات المتطرفة الأخطر والأسرع نموًا، بحسب عباس.

وأوضح أن تنظيم داعش يحاول تكثيف عملياته الإرهابية وتوسيع رقعتها في العديد من البلدان الإفريقية، مستغلا الوضع الأمني غير المستقر هناك، وهو ما يستوجب على الأجهزة الأمنية اتخاذ كل الحيطة والتدابير لمنع تسلل هذه العناصر.

وحذر الخبير في مرصد الأزهر من تمدد تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، خاصة الموالية لتنظيمات دولية كالقاعدة وداعش، والوصول إلى منطقة الساحل الأطلسي، لفرض السيطرة على طرق التجارة والقيام بأعمال قرصنة والتي من شأنها فتح باب تمويل للتنظيمات، وتسهيل عمليات التهريب.