من يقف وراء تفجير خطي نورد ستريم.. روسيا أم أمريكا؟

ألمح مسؤولون أمريكيون وخبراء مختصون آخرون، إلى احتمال تورط أوكرانيا أو إحدى دول البلطيق في الحادث.

من يقف وراء تفجير خطي نورد ستريم.. روسيا أم أمريكا؟

ترجمات - السياق

سلّطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، الضوء على عمليات تسرب الغاز التي رُصدت في خطي أنابيب "نورد ستريم"، واللذين يربطان روسيا بألمانيا، متسائلة (هل هو عمل تخريبي.. وإن كان كذلك، فهل وراءه موسكو أم واشنطن؟)

ورأت أن الهجوم على خطوط الغاز تحت بحر البلطيق يفضح ضعف أوروبا المتوترة بالفعل، فيما ألمح بعض المسؤولين الأوروبيين إلى وقوف موسكو وراء الحادث، رغم ضعف الأدلة.

وأشارت الصحيفة، إلى أنه بعد مرور ثلاثة أيام من وقوع انفجارين تحت بحر البلطيق استهدفا خطوط أنابيب غاز طبيعي عملاقة قادمة من روسيا إلى ألمانيا، زاد الإجماع على أنه كان عملًا تخريبيًا، حيث وصفه الاتحاد الأوروبي والعديد من الحكومات الأوروبية بأنه هجوم متعمد، وطالبوا بإجراء تحقيق.

كانت قد وقعت ثلاثة تسريبات منفصلة من خطي أنابيب "نورد ستريم 1 و 2" المملوكين لروسيا، حيث تشتبه دول أوروبية في وقوع "أعمال تخريبية متعمدة"، بينما حذرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية منذ أسابيع من "هجمات محتملة تحت بحر البلطيق".

 

نقص مؤلم

ونقلت نيويورك تايمز، عن خبراء مختصين قولهم: إن الأمر قد يستغرق شهورًا لتقييم وإصلاح الأضرار التي لحقت بخط أنابيب نورد ستريم 1و 2، مشيرين إلى أن عمليات "التخريب" هذه تخدم موسكو في مواجهة الغرب، إذ زاد الهجوم على الخطوط من مخاوف شديدة بالفعل من نقص مؤلم في الطاقة في أوروبا خلال الشتاء.

لكن- تضيف الصحيفة الأمريكية متسائلة- يبقى اللغز الرئيس: مَن فعلها؟

وللإجابة على هذا التساؤل، قال جوزيب بوريل فونتيل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، في بيان: "تشير جميع المعلومات المتاحة إلى أن تلك التسريبات جاءت نتيجة عمل متعمد". مضيفًا: "سندعم أي تحقيق يهدف إلى الحصول على توضيح كامل لما حدث ولماذا".

من جانبه، وصف جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جو بايدن، الحادث بأنه "تخريب واضح ومتعمد".

ورغم وجود القليل من الأدلة حول الفاعل، إلا أن مسؤولين أمريكيين قالوا للصحيفة الأمريكية: إن الغاز المتفجر المتدفق من الأنابيب المكسورة يجعل الاقتراب من الاختراق أمرًا خطيرًا للغاية، في إشارة إلى إمكانية استهداف خطي الأنابيب عن بُعد.

وبينّت الصحيفة، أنه رغم امتناع الولايات المتحدة ومعظم حلفائها الأوروبيين عن تسمية أي مشتبه بهم علنًا، إلا أن بعض المسؤولين ألمحوا إلى أن المستفيد الوحيد جراء ذلك هو روسيا، وذلك على الرغم من أن خط الأنابيب ينقل غازها إلى أوروبا.

وفيما ألقت بولندا وأوكرانيا باللوم علانيةً على روسيا، وجهت الأخيرة أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة، وهو ما استدعى أن تصدر كِلا البلدين (واشنطن وموسكو) بيانًا ينفيان فيه أي صلة لهما بالحادث.

من جانب آخر، ألمح مسؤولون أمريكيون وخبراء مختصون آخرون، إلى احتمال تورط أوكرانيا أو إحدى دول البلطيق في الحادث، مشيرين إلى أن هذه الدول قد تكون لديها مصلحة وراء ذلك، أو إرسال رسالة مفادها أن توابع الحرب ستطال الجميع.

وأشارت الصحيفة إلى أنه مع بدء الحرب، منعت ألمانيا نورد ستريم 2 من الدخول إلى الخدمة، وأوقفت روسيا لاحقًا التدفق عبر نورد ستريم 1، مما أدى إلى محاولة محمومة في أوروبا لتأمين وقود كافٍ لتدفئة المنازل وتوليد الكهرباء والطاقة قبل حلول الشتاء.

 

أصبع بوتين

وحسب نيويورك تايمز، فقد حذر بعض المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين، الأربعاء، من أنه سيكون من السابق لأوانه استنتاج أن روسيا كانت وراء الهجمات الواضحة على نورد ستريم، وأشاروا إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يُودّ دائمًا أن يُظهر نفسه أنه يضع أصبعه على صمام الغاز والتحكم به، لكن ممارسة هذه القوة قد تعني تخريب خطوط الأنابيب، -التي مالكها الرئيس شركة الطاقة الروسية، غازبروم- وإخراجها عن العمل تمامًا، في إشارة إلى استبعاد وقوف موسكو وراء الحادث.

لكن آخرين -حسب الصحيفة- أشاروا إلى أن أحد خطي أنابيب نورد ستريم 2 لم يتضرر، مما يترك لبوتين إمكانية استخدامه كعامل ضغط ضد أوروبا خلال الشتاء.

فيما قال العديد من المسؤولين والمحللين الغربيين، إن التخريب سيتناسب بدقة مع إستراتيجية بوتين الأوسع نطاقًا لروسيا لشن حرب على جبهات متعددة، باستخدام الأدوات الاقتصادية والسياسية، وكذلك الأسلحة لتقويض حلفاء أوكرانيا وإضعاف عزيمتهم ووحدتهم.

وأشاروا إلى أن بوتين أراد أن يوضح لأوروبا المتوترة بالفعل مدى ضعف بِنْيَتها التحتية الحيوية، بما في ذلك خطوط الأنابيب الأخرى وكابلات الطاقة والاتصالات السلكية واللاسلكية تحت البحر.

وقالت ماري-أغنيس ستراك-زيمرمان، رئيسة لجنة الدفاع في البرلمان الألماني: "هذه حرب هجينة كلاسيكية"، وأكدت أنه ليس لديها دليل حتى الآن على أن روسيا كانت وراء الهجوم لكنها تعتقد أنه الجاني "الأكثر منطقية".

وأضافت: "بوتين سيستخدم كل الإجراءات المتاحة له لإرباك الأوروبيين، من الغذاء إلى اللاجئين إلى الطاقة".

وردًّا على هذه الاتهامات، قال ديمتري س. بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين: إن اتهام روسيا "غبي وسخيف"، مشيرًا إلى أن موردي الغاز الطبيعي الأمريكيين يجنون "أرباحًا ضخمة" من زيادة المبيعات إلى أوروبا، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة هي المسؤولة.

فيما قالت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، في نفي نادر مسجل: إنه من السخف أن تلمح روسيا إلى أن أمريكا يمكن أن تكون مسؤولة عن التسرب من خط أنابيب الغاز نورد ستريم.

وقالت واتسون: "نعلم جميعًا أن روسيا تنشر معلومات مضللة منذ وقت طويل، وهي تقوم بذلك مجددًا هنا".

وردًا على تصريحات واتسون، أعادت العديد من وسائل الإعلام الروسية تشغيل مقاطع من تعهد بايدن في 7 فبراير الماضي بأنه إذا غزت روسيا أوكرانيا، "فلن يكون هناك نورد ستريم 2"، وهو التصريح الذي فسره مسؤولون أمريكيون بأنه كان يقصد اتخاذ إجراء دبلوماسي واقتصادي، وأشاروا إلى أن بايدن قد ثبت صحته عندما أوقفت ألمانيا المشروع.

ومن جانبه، أثار وزير الخارجية البولندي السابق، رادوسلاف سيكورسكي، تفاعلًا واسعًا بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عقب تغريدة نشرها حول 3 تسريبات للغاز في خطي أنابيب غاز روسيا، نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2، ما فتح باب التساؤلات حول وقوف واشنطن وراء الحادث.

وقال سيكورسكي -وهو من أشد المنتقدين لموسكو- في تغريدته: "شكرًا لكِ أمريكا"، مضيفًا: "على فكرة، ليس هناك نقص في قدرة خط الأنابيب لنقل الغاز من روسيا إلى غرب أوروبا، بما في ذلك ألمانيا.. كان المنطق الوحيد لنورد ستريم هو أن يكون بوتين قادرًا على ابتزاز أو شن حرب على شرق أوروبا مع الإفلات من العقاب".

 

لحظة حرجة

ورأت نيويورك تايمز، أن خطوط الأنابيب تضررت في لحظة حرجة من الحرب التي استمرت سبعة أشهر، حيث تحرز كييف تقدمًا غير متوقع في ساحة المعركة، وهو ما اضطر بوتين لأن يأمر بضرورة تجنيد مئات الآلاف من الشباب، فيما تحدت موسكو داعمي أوكرانيا الغربيين بتهديدات مستترة بالانتقام النووي، فضلًا عن أنها على وشك ضم أجزاء كبيرة من أوكرانيا.

وأشارت الصحيفة إلى أنه "يبدو من غير المنطقي أن الكرملين قد يلحق الضرر بأصوله التي تقدر بمليارات الدولارات، لكن هناك قيمة بالنسبة لموسكو في تأجيج الخوف الأوروبي، الذي يرفع الأسعار في سوق الغاز".

ويقول محللون: إنه على المدى القصير، ليس من الواضح ما الذي سيخسره بوتين، بعد أن قطع بالفعل شحنات الغاز إلى الدول الأوروبية في الأشهر الأخيرة.

إلا أن أوروبا -حسب الصحيفة- خلال الأشهر الأخيرة، خفضت استهلاكها من الغاز، ووجدت موردين بديلين، وعززت مخزونها، وإن كان بسعر باهظ.

وبينما سارع بعض المسؤولين الأوروبيين إلى التكهن بشأن تورط روسي، كان المسؤولون الأمريكيون أكثر حذرًا، مشيرين إلى نقص الأدلة المتاحة.

وبيّنت الصحيفة الأمريكية، أنه على الرغم من كل انتقاداتهم القاسية لبوتين وحكومته، إلا أن المسؤولين الأمريكيين أشاروا إلى أنه ليس بالضرورة أن أي هجوم يتم إلقاء اللوم فيه على روسيا، وأفادوا بأنه كان هناك افتراض واسع النطاق في واشنطن بأن روسيا تقف وراء هجوم إلكتروني كبير استهدف ألبانيا في يوليو الماضي، لتقويض الدولة الحليفة للناتو، إلا أن التحقيقات خلصت إلى أن الجاني هو إيران.