قوة سيبيريا2... روسيا تشهر الورقة الأخيرة في وجه أوروبا وتلجأ إلى الصين

قوة سيبيريا2... قصة مشروع روسي ينعش منغوليا ويريح الصين ويؤرق أوروبا

قوة سيبيريا2... روسيا تشهر الورقة الأخيرة في وجه أوروبا وتلجأ إلى الصين

السياق

مع اندلاع الأزمة الأوكرانية قبل 7 أشهر وعلى وقع التطورات المتلاحقة على الأرض، كانت هناك حرب من نوع آخر بين روسيا والدول الغربية.

تلك الحرب استخدم فيها الطرفان أسلحتهما لـ«إنهاك الآخر»، فبينما أمطرت أوروبا والغرب روسيا بالعقوبات، وأمدت أوكرانيا بأحدث المعدات، أشهرت موسكو سلاح الغاز في وجه القارة العجوز، ما ألهب ميزانية البلدان الأوروبية وأرهق اقتصاداتها.

إلا أنه يبدو أن تلك الحرب ستستمر فترة ما، خاصة بعد لجوء الطرفين للتصعيد، فروسيا التي أذاقت أوروبا عقوبة الحرمان من الغاز الفترة الماضية، بدأت التفكير في الاستغناء عن خط «نورد ستريم2» الذي كان موجهًا إلى أوروبا، بعد أن قللت القارة العجوز وارداتها من الغاز الروسي، بينما تسعى للاستغناء عنه نهائيًا.

وأمام الفائض المتوقع من الغاز الروسي، الذي لا بديل له لأوروبا، بحسب تصريحات أوليج أكسيوتين نائب الرئيس التنفيذي لعملاق الطاقة الروسي جازبروم الخميس، فإن موسكو تفكر في مشروع قديم، تود إحياءه، بعد أن عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعًا مع نظيريه الصيني والمنغولي الخميس، لمناقشة مشروع بنية تحتية رئيس جديد يدعى «قوة سيبيريا2»، لإيصال الغاز إلى الصين عبر منغوليا.

 

بديل نورد ستريم2

من جانبه، قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك –الخميس- إن مشروع «قوة سيبيريا2»، الذي ناقشته موسكو وبكين منذ سنوات، سيحل محل نورد ستريم2.

و«نوردستريم2» طريق مقترح لجلب الغاز الروسي إلى أوروبا، خاصة ألمانيا، تم الانتهاء من بنائه في سبتمبر 2021، إلا أنه جرى تعليقه بعد العملية الروسية لأوكرانيا، قبل أشهر.

وفي حديثه بالتلفزيون الروسي، سُئل نوفاك عما إذا كان خط الأنابيب الآسيوي يمكن أن يحل محل نظيره الأوروبي، في إطار استراتيجية الطاقة الروسية، فأجاب: «نعم».

وأشار الوزير إلى أن روسيا والصين ستوقعان قريباً صفقة لتسليم 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا عبر خط أنابيب باور سيبيريا2 المقترح، ويمثل هذا الحجم تقريبًا السعة القصوى لـ«نورد ستريم1».

 

خط قوة سيبيريا2

تمد روسيا الصين بالغاز عبر خط أنابيب واحد يعرف بـ «قوة سيبيريا1»، إلا أنه بعد الأزمة الأخيرة فكرت روسيا في إعادة إحياء مشروع خط ثان، كانت اقترحته قبل سنوات، يعرف بـ«قوة سيبيريا2».

من المتوقع أن يبدأ بناء خط الغاز الثاني، الذي يربط بين روسيا والصين في غضون عامين، وهو مشروع ضخم سيضع منغوليا في المنتصف، حيث تم تصميم الأنبوب للمرور عبر أراضيها المرتفعة.

وتريد موسكو أن يحل مشروع «قوة سيبيريا2» محل خط أنابيب «نورد ستريم2» الذي تم تعليقه، وهو مشروع كانت تدعمه ألمانيا منذ فترة طويلة، لكن الولايات المتحدة كانت تنظر إليه نظرة قاتمة، بسبب مخاوف من الاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية.

واقترحت روسيا المسار قبل سنوات، لكن الخطة أصبحت ملحة، بعد أن باتت موسكو تتطلع إلى بكين، لتحل محل أوروبا كعميل رئيس للغاز.

وقال خبراء الصناعة إن المفاوضات ستكون معقدة، لأسباب ليس أقلها أنه من غير المتوقع أن تحتاج الصين إلى إمدادات غاز إضافية إلا بعد عام 2030.

وسينقل خط الأنابيب المقترح الغاز من احتياطات شبه جزيرة يامال الضخمة غربي سيبيريا -المصدر الرئيس لإمدادات الغاز إلى أوروبا - إلى الصين، أكبر مستهلك للطاقة في العالم ومستهلك متزايد للغاز.

وسيكون خط الأنابيب الجديد قادرًا على نقل 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا من روسيا إلى الصين، ما يمثل دفعة من سعة 38 مليار متر مكعب لخط أنابيب «قوة سيبيريا1» الذي بدأ عملياته في ديسمبر 2019، وثلث ما تبيعه روسيا عادةً إلى أوروبا.

كان بيع النفط والغاز إلى أوروبا أحد المصادر الرئيسة لعائدات العملة الأجنبية الروسية، منذ أن اكتشف علماء الجيولوجيا السوفييت النفط والغاز في مستنقعات سيبيريا، في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية.

والآن يبيع بوتين المزيد للصين، أكبر مستهلك للطاقة في العالم وأكبر مشترٍ للنفط من روسيا، بحسب وكالة رويترز، التي قالت إن الصين استوردت 17% زيادة من الخام الروسي بين أبريل ويوليو المنصرمين مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

كما أنها اشترت أكثر من 50% من الغاز الطبيعي المسال و6% أكثر من الفحم من روسيا خلال الفترة نفسها، بينما ارتفعت واردات الكهرباء من روسيا بشكل رئيس عبر خط نقل عريض يربط شمال شرق الصين والشرق الأقصى لروسيا بنسبة 39%.

وبلغت مشتريات الصين من النفط والغاز والفحم والكهرباء من روسيا 43.68 مليار دولار حتى الآن هذا العام.

 

دراسات جدوى

كان رئيس وزراء منغوليا لوفسانامسراي أويون إردين، قد قال إن دراسة الجدوى لخط أنابيب الغاز «قوة سيبيريا2»، الذي سيربط حقول الغاز السيبيرية بالصين عبر منغوليا، اكتملت وأن البناء سيبدأ عام 2024، وفقًا لتقرير "فاينانشيال تايمز".

وذكرت صحيفة موسكو تايمز أن خط الأنابيب الذي سينقل الغاز المتجه إلى أوروبا من حقول غرب سيبيريا إلى الصين لأول مرة، من المتوقع أن يبدأ العمل عام 2030.

وبالمقارنة، تصدر روسيا حاليًا نحو 35 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا إلى ألمانيا، بينما قال مسؤولون تنفيذيون بصناعة الطاقة في تقرير لـ "موسكو تايمز" إنهم يتوقعون تسريع الجدول الزمني لبناء خط الأنابيب مع تدهور علاقات موسكو بالغرب.

في الوقت نفسه، أشارت المواقع الإخبارية الصينية إلى أن الإصرار على أن خط أنابيب الغاز الجديد يمر عبر منغوليا كان «فكرة غريبة» لروسيا.

ويعتقد بعض المعلقين الصينيين أن هذه الخطوة تهدف إلى منع منغوليا من الميل إلى الولايات المتحدة، بينما قال آخرون إنها تتخذ احتياطات ضد نفوذ الصين المتزايد على منطقة الشرق الأقصى، حيث تتنافس القوتان المتحالفتان الآن على السلطة.

وقال لوفسانامسراي لـ «فاينانشيال تايمز»، إن المسار الأخير لـ«قوة سيبيريا2»، لا يزال «قيد التداول»، مع طريقين بديلين، أحدهما يدخل الصين من الشرق الأقصى الروسي وطريق غربي آخر متصل بمنطقة شينجيانغ بشمالي غرب الصين، الذي تم النظر فيه.

 

لمحة تاريخية

بعد شهرين من العملية العسكرية الروسية لشبه جزيرة القرم عام 2014، وقَّعت شركة غازبروم الروسية وشركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) عقدًا وطنيًا لتوريد الغاز مدته 30 عامًا بقيمة هائلة بلغت 400 مليار دولار أمريكي، بعد أن فرضت الدول الأوروبية عقوبات على روسيا بسبب «الغزو».

لكن شركة غازبروم الروسية العملاقة للطاقة أبلغت عملاءها الأوروبيين بأنها لا تستطيع ضمان إمدادات الغاز في المستقبل بسبب ظروف «غير عادية».

وفي مواجهة أزمة الطاقة والتباطؤ الاقتصادي، تحول الاتحاد الأوروبي -بشكل متزايد- إلى الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، تلقت أوروبا -لأول مرة- غازًا طبيعيًا مسالًا تشحنه الولايات المتحدة أكثر من الغاز الروسي.

وذكرت تقارير إعلامية أن الاتحاد الأوروبي يعتزم التخلص من الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027.

وبدأ أول خط أنابيب للغاز بين روسيا والصين، المعروف بقوة سيبيريا، عملياته في ديسمبر 2019.

ويربط خط الأنابيب البالغ طوله 3000 كيلومتر حقل الغاز كوفيكتا في سيبيريا الروسية ببكين عبر هيهي، أو النهر الأسود، شمالي شرق الصين.

وقالت «سبوتنيك» في 15 يوليو نقلاً عن شركة غازبروم إن صادرات الغاز الروسي إلى الصين -عبر قوة سيبيريا- استمرت في الزيادة، مسجلة ارتفاعًا بنسبة 63.4% في الأشهر الستة الأولى من هذا العام.

عام 2019، وقَّعت روسيا ومنغوليا أيضًا مذكرة تفاهم لدراسة جدوى بناء خط أنابيب غاز جديد بين الصين وروسيا، يُعرف بـ «قوة سيبيريا2».

وقالت مذكرة التفاهم إن خط أنابيب الغاز الجديد البالغ طوله 2600 كيلومتر سيبدأ العمل عام 2030.

عام 2020، زودت روسيا الصين بـ 4.1 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب «بور أوف سيبيريا». ومع ذلك، من المتوقع أن يرتفع إلى 38 مليار متر مكعب بحلول عام 2023، بشكل كبير في وقت تنوِّع فيه دول أوروبية عدة إمدادات الوقود الروسية، في رد عقابي لحربها على أوكرانيا.

ذلك الأمر يدفع روسيا إلى النظر للشرق بدلاً من الغرب، بحثًا عن عملاء وقودها، بما في ذلك الصين والهند، ولم يوقع أي منهما على العقوبات الأمريكية والأوروبية ضد روسيا.

في 15 يونيو، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين -في محادثة هاتفية- إن البلدين سيدفعان لتنمية مطردة وطويلة الأجل للتعاون الثنائي العملي، ما يعني المزيد من مبيعات النفط والغاز الروسي إلى الصين.

وأكدت وسائل الإعلام الصينية، أنه رغم أن مشاركة منغوليا ستزيد تكاليف البناء ونقل الطاقة للمشروع، فإنها ستساعد روسيا في تكوين علاقات اقتصادية أقوى مع منغوليا، وتمنع البلاد من الميل نحو أمريكا.

وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تهدف إلى جذب منغوليا بالاستثمارات، بينما كانت روسيا تسعى لمواجهة هذه العروض، مؤكدة أن الصين ستقبل مرور خط الأنابيب عبر منغوليا، حيث إن الفوائد الاقتصادية التي تتمتع بها الأطراف الثلاثة ستعوض التكاليف الإضافية المتكبدة في بناء خط الأنابيب.

أوائل فبراير، أثارت وسائل إعلام صينية مخاوف بشأن مشاركة منغوليا في خط أنابيب الغاز بين الصين وروسيا، مشيرة إلى أنه قبل عام 2014، اقترحت الصين شراء الغاز الروسي على قدم المساواة مع السعر الذي كانت تدفعه في ذلك الوقت لمنتجي آسيا الوسطى، لكن روسيا طالبت بسعر أعلى يقترب من السعر الذي تدفعه الدول الأوروبية، إلا أنه بعد أن فرض الغرب عقوبات عليها، أعلنت موسكو استعدادها للتوصل إلى اتفاق.

وستزود قوة سيبيريا2، اقتصاد الصين المتعطش للطاقة عبر منغوليا من غرب روسيا.

ومن المقرر أن تبدأ أعمال البناء عام 2024، وهو خليفة خط أنابيب باور سيبيريا 1 الذي تديره شركة غازبروم، والذي يمتد من شرقي سيبيريا إلى شمالي الصين.