واشنطن بوست: 5 مشكلات وراء أزمة غلاء المعيشة العالمية

حذذرت واشنطن بوست، من أن زيادات أسعار الفائدة ستضرب البلدان المثقلة بالديون، ما يجعل من الصعب عليها تخفيف التضخم

واشنطن بوست: 5 مشكلات وراء أزمة غلاء المعيشة العالمية

ترجمات - السياق

وسط زيادات قياسية في الأسعار، وفي ظل توقعات بوصول معدل التضخم العالمي السنوي إلى 6.7% هذا العام، تئن جميع الدول تحت وطأة تكلفة المعيشة الآخذة في الارتفاع.

تلك الموجات القياسية من ارتفاعات الأسعار، كان لها أسبابها في بعض البلدان، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وزيادة الضرائب في بريطانيا، إلا أن هناك مجموعة من القضايا تخطت الحدود وأدت إلى تعطل النظام الاقتصادي العالمي الحديث، ودفعت بالتضخم إلى جميع أنحاء العالم، بينها المشكلات الهائلة للأمراض والحرب والطقس.

وقالت صحيفة واشنطن بوست إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، يجعل الوجبات الأساسية بعيدة المنال، محذرة من أن زيادات أسعار الفائدة ستضرب البلدان المثقلة بالديون، ما يجعل من الصعب عليها تخفيف التضخم.

وأشارت إلى أن التضخم السنوي في بريطانيا سجل في أبريل الماضي أعلى مستوى له في 40 عامًا، عند 9%، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، مؤكدة أن ارتفاعات مماثلة ابتليت بها الدول الغنية الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث كان معدل التضخم السنوي الشهر الماضي 8.3%.

لكن ارتفاع التكاليف لا يمثل مشكلة فقط في الأجزاء الأكثر ثراءً من العالم، فالدول النامية غربي آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي تشعر بالضيق، حتى إن أفقر البلدان تعاني ارتفاع الأسعار.

وعزت الصحيفة الأمريكية، الارتفاعات القياسية في الأسعار، التي أدت إلى غلاء المعيشة في معظم البلدان، إلى 5 مشكلات هي:

 

جائحة كورونا

يؤرخ الاقتصاديون بداية الاضطرابات التضخمية العالمية اليوم لفيروس كورونا، الذي كان انتشاره صدمة اقتصادية، مع إغلاق الحدود والشركات والمصانع.

لكن من نواحٍ عدة، لم يبدأ التضخم الظهور إلا عندما بدأ العالم التعافي من تلك الصدمة، وكان جزء من ذلك نتيجة لما يسميها الاقتصاديون «التأثيرات الأساسية»، لأن الأسعار كانت ثابتة أو منخفضة خلال أسوأ فترات الوباء، بحسب «واشنطن بوست».

ومع انخفاض الطلب والقيود المفروضة على السفر، انقلبت سلاسل التوريد رأساً على عقب، فإذا واجهت شركة تصنيع سيارات في كوريا الجنوبية نقصًا في أشباه الموصلات، سوف تنقل التكاليف الإضافية لشراء هذه الرقائق إلى المستهلك، وعندما خرجت البلدان من الإغلاق، غالبًا ما كانت هناك زيادة في الطلب أدت إلى ارتفاع الأسعار -لا سيما الخدمات- مثل السياحة.

 

الحرب في أوكرانيا

أدى الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي إلى حالة جديدة من عدم اليقين في الاقتصاد العالمي، بعد أن أثرت الحرب بشكل خاص في الطاقة والغذاء، وهما القطاعان الرئيسان اللذان يرتفع فيهما التضخم.

ومع وجود روسيا، المصدر الرئيس للطاقة، تحت العقوبات وتعهد الحكومات في أمريكا الشمالية وأوروبا، بالتخلي عن الفحم والنفط الروسي، ارتفعت أسعار الطاقة للعديد من الأسر، كما أثرت التكاليف في السائقين، خاصة بعد أن تجاوز جالون البنزين 4 دولارات في الولايات المتحدة -للمرة الأولى على الإطلاق- هذا الشهر.

في الوقت نفسه، غالبًا ما يشار إلى أوكرانيا ومنطقة البحر الأسود الأوسع نطاقًا باسم «سلة خبز» أوروبا بسبب إنتاجها من القمح والذرة والسلع الزراعية.

ومع انقلاب جزء كبير من هذه التجارة بسبب الحرب، ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية، لتقترب من مستويات قياسية، بحسب «واشنطن بوست»، التي قالت إن هناك العديد من الآثار غير المباشرة، بينها ارتفاع أسعار الذرة، بسبب الضغط على استخدام الإيثانول.

وتقول الصحيفة الأمريكية إن العديد من أسوأ آثار أسعار المواد الغذائية محسوسة في البلدان التي تعاني انعدام الأمن الغذائي، فاليمن -على سبيل المثال- تعتمد على أوكرانيا أو روسيا في 46% من وارداتها من القمح.

 

الصين تتباطأ

لسنوات، كانت الصين عاملاً رئيساً للنمو الاقتصادي العالمي، لكن المشكلات الاقتصادية للبلاد والخروج المطول من سياسة «الوباء الصفري» تسهم في مشكلة التضخم العالمي.

وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، حذرت من أن عمليات الإغلاق بسبب كورونا في شنغهاي والمدن الصينية الأخرى، من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم ضغوط سلسلة التوريد العالمية ومخاوف التضخم، مشيرة إلى انخفاض حركة الشحن في ميناء شنغهاي، حيث لم يتمكن العمال من تحميل وتفريغ السفن بوتيرتها المعتادة.

الشهر الماضي، أشار تشاد بي باون ويلين وانج من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إلى أنه حتى قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا، كانت الصين قد مارست ضغوطًا على الأسعار العالمية، من خلال فرض قيود التصدير على السلع الدولية الرئيسة، بما في ذلك الأسمدة والصلب.

واتخذت الصين هذه الإجراءات، وسط مخاوف من ارتفاع الأسعار في الداخل، لكن البلد منتج كبير ومستهلك للسلع الدولية، لدرجة أنه كانت هناك تأثيرات كبيرة في السوق العالمية.

وكتب باون ووانغ أن الصين كانت في كثير من الأحيان «تختار السياسة التي تحل مشكلة محلية، من خلال تمرير تكلفتها إلى الناس في مكان آخر»، مشيرًا إلى أن الافتقار إلى منظمة التجارة العالمية العاملة، والعلاقة بين الولايات المتحدة والصين، جعلا الأمور أسوأ.

 

تغيُّـر المناخ

يُنظر بشكل متزايد إلى الأحداث المناخية التي لا يمكن التنبؤ بها، مثل حالات الجفاف التي تلحق الضرر بالمحاصيل والعواصف التي تقلب طرق التجارة، على أنها عامل رئيس في ارتفاع تكلفة المعيشة، فلقد أدى تغيُّر المناخ إلى زيادة احتمال ارتفاع درجات الحرارة الشديدة في الهند 100 مرة.

واستجابت الحكومة الهندية لموجة حر قياسية، أدت إلى ضغوط على الملايين من خلال حظر صادرات القمح، ما دفع رئيس الوزراء ناريندرا مودي، إلى التصريح بأن البلاد التي تمثل ما يقرب من ثلث إمدادات القمح في العالم، وتعهدت بالمساعدة في إطعام العالم، حظرت الصادرات، بعد ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير متوقع في موجة الحر التي قال العلماء إنها تفاقمت بسبب تغيُّـر المناخ العالمي.

الهند أحدث دولة تضررت من الطقس القاسي الذي دمر المحاصيل، بينما عانت البرازيل، وهي مصدر رئيس آخر للأغذية، الجفاف العام الماضي الذي أصاب صناعتها الزراعية، ودفع بمعدل التضخم إلى أكثر من 12% في أبريل.

 أسعار المواد الغذائية لم تكن فقط هي المتأثرة، بل إن الخشب بات أكثر تكلفة، بعد الفيضانات والحرائق في كولومبيا البريطانية، ما أدى إلى آثار غير مباشرة في الإسكان والبناء.

وفي الوقت نفسه، فإن الجهود المبذولة للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر تضع مزيدًا من الضغط على أسعار السلع، مثل الليثيوم المستخدم في البطاريات، والنحاس في الأسلاك وشرائح الكمبيوتر.

ويقول العديد من الخبراء إن هذا «التضخم الأخضر» يجب أن يكون مؤقتًا، مشيرين إلى أن الاقتصاد الأخضر سيكون -نهاية المطاف- أقل عرضة لصدمات الطاقة، لكن النفقات قصيرة الأجل للتحركات يمكن أن تعرقل التحرك نحو ذلك الاقتصاد.

 

التضخم يقود التضخم

يجادل بعض الاقتصاديين بأن التضخم نفسه يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التضخم، إذا بدأ العمال والشركات توقع ذلك، والمطالبة برواتب أعلى أو تحديد أسعار أعلى للسلع، ما يؤكد في الواقع نبوءة تحقق ذاتها.

لكن هناك طرقًا أخرى يمكن أن يؤدي بها التضخم في بلد ما إلى تضخم في بلد آخر، كما حدث في الولايات المتحدة بعد أن رفعت أسعار الفائدة، ما جعل عملات العديد من البلدان أقل قيمة بكثير مما كانت عليه قبل عام أو عامين.

ففي تركيا انخفضت قيمة الليرة، ما يعني أن الواردات تكلف مبالغ ضخمة (التضخم السنوي في تركيا يقترب من 70%)، كما ستضرب زيادات أسعار الفائدة البلدان المثقلة بالديون، ما يجعل من الصعب عليها تخفيف التضخم.

وحذر صندوق النقد الدولي -الشهر الماضي- من أن البلدان في الأسواق الناشئة، التي اقترضت بكثافة لتمويل تدابير الإغاثة من الوباء، كانت معرضة لخطر «حلقة الهلاك» التي قد تؤدي -في أسوأ حالاتها- إلى تخلف الحكومات عن السداد.