انتخابات لبنان... هزيمة قاسية لحزب الله والمستقلون يحققون مفاجأة

كان حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، المدعوم من طهران، يحتفظ مع حلفائه بقرابة سبعين مقعداً من إجمالي 128 في البرلمان المنتهية ولايته.

انتخابات لبنان... هزيمة قاسية لحزب الله والمستقلون يحققون مفاجأة

السياق

مفاجآت حملتها نتائج الانتخابات النيابية في لبنان، إذ وجَّه الناخبون ضربة قاصمة لحزب الله، رغم عمليات الترهيب التي اتبعتها الأخيرة، خلال الأيام الماضية.

وخسر حزب الله وحلفاؤه الأكثرية في البرلمان اللبناني الجديد، وفق ما أظهرت النتائج النهائية للانتخابات، التي أعلن وزير الداخلية بسام المولوي الدفعة الأخيرة منها الثلاثاء.

كان حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، المدعوم من طهران، يحتفظ مع حلفائه بقرابة سبعين مقعداً من إجمالي 128 في البرلمان المنتهية ولايته.

وتظهر نتائج الانتخابات أن البرلمان سيضمّ كتلاً متنافسة لا تحظى أيّ منها منفردة بأكثرية مطلقة، ما يجعله عرضة أكثر للانقسامات، وفق محللين.

وأظهرت النتائج احتفاظ حزب الله وحليفته أمل، الحركة الشيعية التي يتزعّمها رئيس البرلمان المنتهية ولايته نبيه برّي، بالمقاعد المخصّصة للطائفة الشيعية (27 مقعداً)، بينما خسر حلفاؤهم مقاعد في دوائر عدّة.

وبلغ حجم كتلة "حزب الله" 15 نائباً، وحركة أمل 17 نائباً، والقوات اللبنانية 18 نائباً، والتيار الوطني الحر 18 نائباً، والحزب التقدمي الاشتراكي (وليد جنبلاط)، 9 نواب، وقوائم المجتمع المدني 14 نائبا.

 وبهذا يكون "حزب الله" وحلفاؤه الأساسيون -حركة "أمل" و"التيار الوطني الحر" وتيار المردة- قد نالوا نحو 58 مقعدا.

الانتخابات هي الأولى بعد انهيار اقتصادي صنَّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، وبعد احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد السلطة، وانفجار مروّع في 4 أغسطس 2020 بمرفأ بيروت، أودى بحياة أكثر من مئتي شخص ودمّر أحياء من العاصمة.

وفازت لوائح المعارضة المنبثقة من التظاهرات الاحتجاجية ضد السلطة السياسية، التي شهدها لبنان قبل أكثر من عامين، بـ13 مقعداً على الأقل في البرلمان الجديد، وفق ما أظهرته النتائج النهائية.

12 من الفائزين من الوجوه الجديدة ولم يسبق لهم أن تولوا أي مناصب سياسية، ومن شأن هؤلاء أن يشكلوا -مع نواب آخرين- كتلة في البرلمان، تكرّس نهجاً مختلفاً في العمل البرلماني، في بلد يقوم نظامه السياسي على محاصصة طائفية وتغليب منطق الصفقات.

 

الحكم أو القتل

وعقب ظهور مؤشرات للنتائج الأولية، أصدرت الكتلة النيابية لحزب الله بيانًا يتضمن تهديدًا وتحذيرًا مما سمته "سقوط لبنان في الهاوية"، وإشعال فتيل حرب أهلية، حال رفض انضمام الحزب لـ"حكومة توافقية".

وهنا يرفع الحزب السلاح في وجه القوى السياسية الأخرى، لفرض حضوره بالقوة، في أي تشكيل حكومي مستقبلي، إذ قال البيان: "عليكم التعاون معنا وإلّا فإن مصيركم العزلة"، انطلاقًا من مبدأ "إما أن نحكمكم وإما أن نقتلكم".

هذا الخطاب التهديدي يطرح تساؤلا عن مستقبل لبنان، عقب خسارة حزب الله للأغلبية البرلمانية، وتراجع فرصه بالتأثير في القرار السياسي، لا سيما مع رفضه لهذا الوضع مبكرًا، حتى قبل الإعلان النهائي للنتائج.

 

كلمة الشعب

نبيل نجم الدين، الكاتب والمحلل المتخصص في الشؤون العربية يقول لـ"السياق"، إن نتائج الانتخابات تشير إلى نجاح الشعب اللبناني، وتأتي تعويضا لخسائره المتتالية بسبب حزب الله وحلفائه.

وأوضح أن خسارة حزب الله، والأحزاب المتعاونة معه الأغلبية، تعني رفض الشعب اللبناني لسيطرته السياسية، والاختطاف الذي يمارسه على المشهد السياسي.

ولاستشراف المستقبل السياسي في لبنان، في ضوء نتائج الانتخابات، يرى نجم الدين أنه يمكن معرفة ملامحه في نقاط عدة، الأولى، تتمثل في تراجع سيطرة حزب الله على البرلمان اللبناني، ما سينعكس على المشهد، بالقدرة على إصدار تشريعات لصالح الشعب والمواطن، بعيدًا عن أجندته.

النقطة الثانية، بحسب المحلل السياسي المتخصص في الشؤون العربية، تتمثل في الانعكاسات الإقليمية لهذه الهزيمة، التي وصفها بـ"المروعة" لحزب الله، إذ يعمل الأخير على أن يكون القرار اللبناني "ملونًا بلون علم إيران"، لافتًا إلى أن تقدم القوات اللبنانية وتراجع حزب الله، سيعيدان تشكيل المشهد السياسي في لبنان.

النقطة الثالثة والأخيرة، عبر عنها نجم الدين بأن تقدم القوات اللبنانية والتيار المدني في لبنان، قد يؤدي إلى حدوث بعض التوترات من جانب حزب الله، وهو ما كشف عنه مبكرًا بيان كتلته النيابية.

 

استمرار السيطرة

على النقيض، يرى عاصم عبدالرحمن الكاتب والمحلل السياسي اللبناني في حديثه لـ"السياق"، أن خسارة حزب الله الأغلبية النيابية لن تفقده السيطرة في البرلمان.

وقال عبدالرحمن إن الأكثرية النيابية حاجة ضرورية لحزب الله وحلفائه في البرلمان، كي يقرروا الاستحقاقات الدستورية والقانونية والإدارية كافة، لكن تراجع الأغلبية النيابية للحزب، لن يفقده الدور المسيطر في البرلمان، بل سيجعله في موقع أضعف بقليل عما كان عليه.

ويرى المحلل السياسي اللبناني، أنه في حال تكتل القوى السياسية الأخرى أمام حزب الله وحلفائه، يمكن فرض الكثير من القرارات والتعيينات والاستحقاقات، كالتعيينات الإدارية وتشكيل الحكومات وانتخاب رئيس الجمهورية في أكتوبر المقبل.

لكنه عاد وأكد أن بإمكان حزب الله ممارسة التعطيل، من خلال ما يمتلكه من كتل نيابية مع حلفائه، وهو ما حدث، حين عطل انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية عام 2014، حتى يتمكن من المجيء بميشال عون رئيساً للبلاد عام 2016، ناهيك عن تعطيل تشكيل الحكومات لفرض وزراء معينين.

وبحسب عبدالرحمن، فإنه مع تعدد الكتل النيابية التي ستدخل برلمان 2022، ليس هناك رهان على دخول لبنان مرحلة جديدة، مؤكدًا أن الوضع الراهن يتطلب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو ما يستدعي اتخاذ إجراءات قاسية، من فرض ضرائب وإقرار إصلاحات ملحة، في معظم إدارات الدولة والوزارات الخدماتية وغيرها.

ونوه المحلل السياسي اللبناني إلى أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، قد يأتي على رأس تسوية دولية ما بشأن لبنان، وعدَّه محورًا لنقل لبنان إلى مرحلة التعافي الاقتصادي والهدوء السياسي وتطوير النظام القائم.