سبائك ذهبية ومئات الملايين... كيف خدع شخصان عشرات المصريين واستوليا على مدخراتهم؟

مدخرات عشرات المصريين في مهب الريح... كيف تمكن شخصان من الاستيلاء على مليارات الجنيهات؟

سبائك ذهبية ومئات الملايين... كيف خدع شخصان عشرات المصريين واستوليا على مدخراتهم؟

السياق

أيام «عصيبة» عاشها سكان إحدى محافظات جنوب مصر، بعد انكشاف قصة خداعهم على أيدي بعض الذين استولوا على مئات الملايين من الجنيهات، إضافة إلى حلى ذهبية وماشية، بزعم توظيفها.

الأموال الطائلة دفعها المواطنون لهؤلاء الذين أغروهم بهامش الربح السريع، مقابل إيداع تلك النقود بحوزتهم، إلا أن النهاية كانت «مأساوية» لمعظم الأطراف.

المواطنون فقدوا مدخراتهم وألقي القبض على بعض هؤلاء «النصابين»، بينما استشهد ضباط شرطة أثناء ملاحقة الهاربين، إضافة إلى أعمال عنف وشغب، في المناطق التي حدثت فيها وقائع النصب.

 

من أين بدأت القصة؟

بدأت القصة منتصف مارس الماضي، بعد أن أعلن أحد الأشخاص في قرية البصيلية بمركز إدفو بمدينة أسوان، جنوبي مصر، يدعى مصطفى البنك عن مبالغ مضاعفة، لمن يودع لديه مدخراته، بعد فترة حددها بـ21 يومًا.

وبحسب شهود عيان، فإن مصطفى البنك انتهج طريقة جديدة للإيقاع بضحاياه، فالرجل الذي كان يعمل سائقًا لإحدى المركبات الصغيرة لم يكن يحصل على أموال نقدية من المواطنين، بل كان يشتري منهم «مواشيهم»، بشرط ترك المبلغ، ثمن تلك الحيوانات، 21 يومًا، ليحصلوا عليه مضاعفًا من الأرباح التي سيشغِّل أموالهم فيها.

وفي محاولة من «البنك»، لإغراء ضحاياه، التزم برد الأموال مضاعفة لأول مجموعة أعطته الحيوانات التي تود بيعها، إلى أن ذاع صيته في المحافظة كلها، وبدأ الأهالي يتوافدون عليه من كل حدب وصوب، بل أخذوا يستعطفونه ليقبل شراء تلك «المواشي».

وبحسب مصطفى الأسواني، الصحفي المصري وأحد أهالي قرية البصيلية (محل واقعة النصب)، فإن مصطفى البنك بدأ توفير فرص عمل لأقاربه معه، كمندوبين عنه لجمع المواشي والأموال من القرى التي تريد بيعها له، على أن يكونوا مسؤولين عن رد الأموال بالأرباح المضاعفة بعد 21 يومًا.

طريقة مصطفى البنك في إيقاع ضحاياه، التي كان ينفق فيها ببذخ على كل من حوله، دفعت مئات الشباب العاطلين عن العمل للسعي إلى العمل معه، بل إن آخرين منهم، بدأ يتبع أسلوب الرجل، ويعمل لصالحه، إلى أن قُتل أحدهم الأسبوع الماضي، بعد أن عجز عن رد الأموال لضحاياه.

 

الأهالي غاضبون

قتل الرجل (أحد مقلدي مصطفى البنك)، جعل القصة تأخذ منحى آخر، خاصة أنها تزامنت مع تأخر مصطفى البنك، الذي يوصف بـ«المستريح» في رد الأموال وأرباحها لمستحقيها في موعدها، ما زاد قلق المواطنين الذين اندفعوا مهرولين إلى منزله، مطالبين برد أموالهم.

إلا أن مصطفى البنك، الذي جمع قرابة ملياري جنيه في شهر ونصف الشهر فقط، حاول تهدئة غضب الأهالي، قائلًا: «من يعملون معي نصبوا عليّ وأخذوا الأرباح»، واعدًا إياهم برد المبالغ التي حصل عليها منهم خلال يومين، فانصرفوا بعد أن وافقوا، بحسب الصحفي المصري.

وأكد الأسواني، الذي يعد أحد شهود العيان أن «المتهم صور مقطع فيديو مواقع التواصل الاجتماعي، يُظهر مواكب سيارات قال إنها تنقل الأموال وفي طريقها لمستحقيها»، إلا أن المفاجأة أن تلك السيارات كانت تحمل الأموال إلى طريقه نحو الهرب.

وما إن عرف الأهالي بتطورات الأمر، حتى بدأوا التجمهر أمام منزل المستريح، إلا أن الشرطة حضرت وسيطرت على الموقف وبدأت هدم الأحواش التي كان يضع فيها المواشي.

 

فصول مأساوية

وفي محاولة من الشرطة للقبض على مصطفى البنك، اتجهت قوة من محافظة أسوان -الخميس الماضي- للقبض على المستريح، إلا أنها أثناء المطاردة، تعرضت لحادث سير، أدى إلى وفاة اثنين من لواءات الشرطة، إلى جانب مجندين تابعين لوزارة الداخلية.

إلا أن الشرطة واصلت حملاتها الأمنية، حتى تمكنت -مساء الجمعة- من القبض على مصطفى البنك إلى جانب اثنين آخرين، واتهامهم بالاستيلاء على أموال المواطنين بطرق احتيالية، بدعوى استثمارها بغير ترخيص في أسوان.

وقالت النيابة العامة، إن وحدة الرصد والتحليل تأكدت من مقاطع مصورة بمواقع التواصل الاجتماعي، أفادت باستيلاء المتهم على أموال المواطنين، بدعوى توظيفها في تجارة الماشية، وتوزيع أرباحها عليهم.

من جانبه، قال اللواء أشرف عطية محافظ أسوان، إن السلطات تقف إلى جانب المواطنين الذين تعرضوا لحالات النصب، من بعض الذين مارسوا أنشطة تجارية مخالفة، خاصة في الحصول على رؤوس الماشية والجمال بطرق غير مشروعة.

وأكد محافظ أسوان، أن التنسيق جار لإصدار قرار من النيابة العامة بسرعة التصرف في رؤوس الماشية والجمال، من خلال لجنة محايدة تشرف على توزيعها أو عرضها بمزاد علني، وتوجيه عوائده المالية للمستحقين من الذين تعرضوا للنصب.

وناشد المحافظ المواطنين بمدينة البصيلية وقراها ونجوعها، ضبط النفس والتحلى بالصبر، في ظل جهود الشرطة لسرعة إعادة الحقوق إلى أصحابها، واعدًا باتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة مع كل من يتجاوز ويهدد السلم العام والاجتماعي.

 

واقعة ثانية

وفي واقعة ثانية مشابهة، أكدت وزارة الداخلية المصرية، القبض على شاب يدعى طاهر الحصاوي، بعد أن جمع 100 مليون جنيه من المواطنين بقرية الشرفا، بحجة توظيفها في تجارة السيارات والماشية مقابل نسبة ربح قيمتها 60%.

وبحسب التفاصيل التي كشفها أحد شهود العيان، فإن مواطنين تجمهروا أمام معرض السيارات الذي يملكه الحصاوي، للمطالبة باسترداد أموالهم بعد أن اكتشفوا قيامه بالنصب والاحتيال عليهم والاستيلاء على أموالهم، بزعم توظيفها في تجارة السيارات.

وبينما تمكنت السلطات المصرية من ضبط 16 سبيكة ذهبية وزنها عشرة كيلو ونصف الكيلو ومبلغ بحوزة المتهم، تجمهر أهالي المنطقة أمام منازل ومعارض المتهم، واستولوا على ما فيها من أجهزة وممتلكات، ثم أشعلوا النيران فيها.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن الاحتجاجات الغاضبة عمَّت المدينة، فاندفع بعض الضحايا لإشعال إطارات السيارات، والهجوم على مبان تابعة للمتهم ومستشفى المدينة.