فورين بوليسي: لهذه الأسباب... روسيا تشكل تهديدًا لحلف الناتو
مع استمرار الحرب وبدء الواقع الجيوسياسي للعلاقة العدائية مع روسيا، يجب على الناتو مرة أخرى أن يلقي نظرة أطول على ما يعنيه كل ذلك للأمن، عبر المحيط الأطلسي والأمن العالمي

ترجمات – السياق
رغم إخفاقات الجيش الروسي في أوكرانيا، فإنه لايزال يشكل تهديدًا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إذ يمتلك ترسانة من الأسلحة تجعله قادرًا على إحداث تغيير في أي لحظة، لاسيما امتلاكه للأسلحة النووية.
وقالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إن الحديث عن (وفاة الناتو) قبل حرب أوكرانيا، ثبت أنه أمر مبالغ فيه، إذ استطاع الحلف تجميع شتاته في وقت قصير جدًا لمواجهة المخاطر الجديدة، وسارع العديد من القادة -عبر التحالف- إلى الرد على الغزو الروسي لأوكرانيا بمساعدة كييف، أو الزيادات في ميزانيات الدفاع لبلدانهم، أو كلتيهما.
ومع استمرار الحرب وبدء الواقع الجيوسياسي للعلاقة العدائية مع روسيا، يجب على "الناتو" مرة أخرى أن يلقي نظرة أطول على ما يعنيه كل ذلك للأمن، عبر المحيط الأطلسي والأمن العالمي.
اجتماع مدريد
ورأت "فورين بوليسي" أن على قادة الحلف -خلال اجتماعهم المقرر في 28 يونيو المقبل بمدريد- أن يستغلوا اللحظة الراهنة، لإقرار استراتيجية جديدة للحلف، وإعادة صياغة مبرر وجود (الناتو) لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، على وجه الخصوص، من خلال تسمية روسيا باعتبارها تهديدًا مباشرًا للحلف.
وحسب المجلة، يرى البعض أن اجتماع مدريد يجب أن يُعيد ترتيب أولويات الجهود الأمريكية، بعيدًا عن أوروبا والعودة نحو آسيا، ويتذرع هؤلاء بأن الحاجة لقوات أمريكية في أوروبا تراجعت، بعد أن أظهرت روسيا عدم كفاءة في متابعة حربها بأوكرانيا، وإقدام الدول الأوروبية على تسليح نفسها بشكل مختلف، لذلك فإن مما لاشك فيه أن الصين التهديد الخطير بالنسبة لواشنطن والغرب.
وأمام هذه الرؤية، ترى المجلة الأمريكية، أن العكس هو الصحيح، خصوصًا بعدما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه ينظر إلى حلف الناتو على أنه تهديد استراتيجي لبلاده، مشددة على ضرورة أن يأخذ الغرب هذه التصريحات على محمل الجد.
واستشهدت المجلة، باستنتاجات ما قبل الحرب، وكيف تصور بعض المحللين أن روسيا لن تغزو أوكرانيا، إلا أن ما حدث كان العكس، ومن ثمّ على هؤلاء -حسب المجلة- ألا يستنتجوا أمورًا أخرى بعيدة عن الواقع، بأن روسيا بالفعل تمثل تهديدًا لـ "الناتو"، حتى لو كانت موسكو متعثرة في أوكرانيا بالفعل.
وأشارت إلى أن المحللين يبنون تصورهم -في تراجع القدرات الروسية- على عدم قدرة القوات الروسية على السيطرة على كييف، ويغفلون أن هذه القوات تمكنت من الاستيلاء على عشرات الآلاف من الأميال المربعة من الأراضي على طول الحدود الشرقية لأوكرانيا.
وأوضحت المجلة الأمريكية، أن الولايات المتحدة لديها أسباب وجيهة لرغبتها في الحفاظ على نشاط "الناتو"، مشيرة إلى أن القيادة الأمريكية في الحلف لا توفر مسارات لتنظيم الائتلافات العسكرية فحسب، بل تمنح الولايات المتحدة أيضًا وضعًا متميزًا في الشراكات التجارية والوصول إلى القواعد في كل مكان لدول الحلف.
وبينت أنه إذا حقق بوتين هدفه المتمثل في تشويه سمعة "الناتو"، قد يؤدي ذلك إلى إفلاس استراتيجي عبر المحيط الأطلسي، وهو وضع -حسب المجلة- لا يستطيع فيه الحلفاء، بما في ذلك الولايات المتحدة، الوفاء بالتزاماتهم الأمنية، والحفاظ على مستويات معيشية ملائمة لشعوبهم.
حملات تضليل
ورأت "فورين بوليسي" أنه يجب على قادة "الناتو" الذين سيجتمعون في مدريد قبل نهاية يونيو المقبل، أن يتفهموا ضرورة التوافق والإجماع على معنى مهم جدًا، هو التهديد الذي تشكله روسيا لدول الحلف.
وقالت: آخر مرة وافق فيها "الناتو" على مفهوم استراتيجي كانت عام 2010، وهي وثيقة حددت -من بين أمور أخرى- أن الدفاع عن أراضي الحلفاء لا يزال مهمة حاسمة للحلف، لكنها لم تسمِ دولًا بعينها حينها، تشكل تهديدًا لـ "الناتو".
وأوضحت المجلة، أن بناء إجماع رسمي على التهديدات بين 30 دولة حليفة يمثل تحديًا كبيرًا، مشيرة إلى أن وثيقة 2010 عدَّت روسيا (شريكًا طموحًا لحلف الناتو)، رغم التحذيرات من غزو روسي لجورجيا عام 2008.
وذكرت أنه في السنوات التي تلت ذلك ، شنت روسيا حملات تضليل مزعزعة للاستقرار في دول "الناتو" وهاجمت أوكرانيا مرتين، لافتة إلى أنه بينما أدان قادة الحلف العدوان الروسي، إلا أن الخطاب لا يرقى إلى مستوى إعلان روسيا رسميًا كتهديد استراتيجي طويل الأمد للحلف.
وشددت المجلة الأمريكية على أن الإجماع على أمر ما -التهديد الروسي- سيلزم أعضاء "الناتو" بأخذ الميزانيات وتخطيط القوة والاستحواذ وإعادة تموضع القوات على محمل الجد، مع تحديد ما إذا كان إنفاق 2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع كافٍ لمواجهة التحديات التي يواجهها الحلف.
وعادت المجلة الأمريكية، لتؤكد ضرورة الإجماع على أي تهديد قد يتعرض له أي عضو بالحلف، ومواجهة هذه التهديدات بحسم.
وأشارت إلى أنه من خلال تأكيد أن روسيا تشكل تهديدًا رسميًا، ستجد الدول الأعضاء -والتحالف ككل- صعوبة في التراجع عن تماسكها الحالي، ما يبعث برسالة مهمة إلى بوتين مفادها أن "الناتو" لن يرتدع.
وشددت "فورين بوليسي" على أنه حان الوقت لقادة "الناتو" لقبول الواقع، وهو أن بوتين يمثل تهديدًا للحلف وأعضائه، ويجب أن يعلنوا ذلك في المفهوم الاستراتيجي الجديد، خلال اجتماعهم المقرر قبل نهاية يونيو المقبل بمدريد، مشيرة إلى أن عدم إعلان روسيا تهديدًا رسميًا لأراضي "الناتو" من شأنه أن يضر بمصداقية الحلف، وسيمنح بوتين تصريحًا مفوضًا لارتكاب المزيد من الفظائع والانتهاكات في أوكرانيا، ولذلك يجب أن يعلن حلف الناتو والولايات المتحدة عدم سماحهم بحدوث ذلك، مهما كلف الأمر.