كيف أظهر النفط الروسي صعوبة معاقبة روسيا اقتصاديًا؟

كشفت واشنطن بوست أن موسكو وجدت سوقًا قوية لنفطها في الهند والصين، موضحة أنهما تجاهلتا العقوبات ضد روسيا، وكانتا الأكثر شراءً منها، تليهما تركيا وجورجيا وبعض الدول الإفريقية.

كيف أظهر النفط الروسي صعوبة معاقبة روسيا اقتصاديًا؟

ترجمات – السياق

إجراءات صارمة وعقوبات قاسية، فرضتها الدول الغربية على قطاع النفط الروسي، لم تقف حائلًا بين موسكو وعائداتها المالية.

حسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، ما زال لدى موسكو الكثير من المشترين، وبأسعار مرتفعة بما يكفي للحفاظ على عائدات نظام فلاديمير بوتين مرتفعة، وملء خزائنه.

وأوضحت الصحيفة، أن روسيا باعت -قبل الحرب مع أوكرانيا- نحو نِصف حاجتها البالغة 7.85 مليون برميل يوميًا من النفط الخام ومشتقاته إلى أوروبا، لكن مع دخول الحرب وتعهد الاتحاد الأوروبي بإنهاء اعتماده فجأة على النفط والغاز الروسي، استفاد الكرملين من الأسعار العالمية المرتفعة، بينما يبحث عن عملاء جدد ويعيد توجيه استراتيجيته التصديرية نحو آسيا.

وذكرت أن المكاسب غير المتوقعة، تُظهر مدى صعوبة معاقبة روسيا، عندما يعتمد جزء كبير من العالم -خاصة البلدان النامية- على النفط والغاز الروسيين.

 

زيادات العائدات

ونقلت "واشنطن بوست" عن ريستاد إنيرجي، وهي شركة متخصصة بأبحاث الطاقة، تأكيدها أنه حتى مع التخفيضات الحادة في إنتاج النفط المتوقعة العام الحالي، يتوقع الاقتصاد الروسي زيادة في العائدات الروسية إلى أكثر من 180 مليار دولار بسبب ارتفاع أسعار النفط، وهو أعلى مما كانت عليه الأرقام عام 2021 بنسبة 45 في المئة.

وحسب الصحيفة، كشفت دراسة أجرتها "سبير غلوبال"، أن حركة ناقلات النفط من روسيا تراجعت بنسبة 20 في المئة منذ 8 مارس الماضي، ليصبح عددها 13 ناقلة يوميًا بدلًا من 17 قبل الحرب والعقوبات.

وكشفت "واشنطن بوست" أن موسكو وجدت سوقًا قوية لنفطها في الهند والصين، موضحة أنهما تجاهلتا العقوبات ضد روسيا، وكانتا الأكثر شراءً منها، تليهما تركيا وجورجيا وبعض الدول الإفريقية.

وبيّن بنك RBC Capital Markets الاستثماري العالمي، في مذكرة، أن العلاقة بين روسيا والهند أكثر تماسكًا من سوق النفط، مشيرة إلى أن روسيا "واحدة من أكبر موردي الأسلحة لنيودلهي حيث يجهز أكثر من ثلثي الجيش الهندي بالمعدات الروسية، موضحة أنه أواخر العام الماضي، جدد البلدان اتفاقية تعاون دفاعي مدتها 10 سنوات.

ووفق بيانات "إس آند بي غلوبال" ارتفعت مشتريات الهند من النفط الروسي -الذي كان في يوم من الأيام أقل من 3 في المئة من استهلاك الهند- في أبريل إلى 627 ألف برميل يوميًا، مقارنة بـ 274 ألف برميل في مارس، بينما كانت الصين أكبر زبون آسيوي لروسيا، إذ تحتاج إلى النفط لتغذية صناعات السيارات والبتروكيماويات المزدهرة لديها.

وفي ما يخص الصين، يقول المحللون: إن الاستهلاك الصيني انخفض بمليون إلى 1.5 مليون برميل يوميًا نتيجة تفشي كورونا، ولكن بدلاً من السماح للنفط بالتسرب إلى الأسواق العالمية، تعمل الصين على بناء صهاريج التخزين البرية لحالات الطوارئ المستقبلية، وهو ما يدفعها إلى شراء النفط الروسي.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن الأسواق الآسيوية لها حدودها بالنسبة للنفط الروسي، إذ يتعين على ناقلات الخام القيام برحلات طويلة لتسليم حمولاتها، مشيرة إلى أن ذلك -بمرور الوقت- قد يؤدي إلى خسائر مالية لروسيا.

 

إغلاق الإنتاج

ونقلت "واشنطن بوست" عن داريا ميلنيك، محللة متخصصة بأسواق النفط في شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنيرجي، قولها: إنتاج روسيا بحلول 2030 سينخفض بمليوني برميل يوميًا عما كان عليه قبل الحرب، نتيجة للضرر الدائم من وقف الإنتاج في آبار لا يمكن استعادتها.

وأوضحت ميلنيك، أنه في هذه المرحلة المبكرة من العقوبات والحظر، ستستفيد روسيا من الأسعار المرتفعة، التي قد تعني إيرادات ضريبية أعلى بكثير مما كانت عليه في السنوات الماضية، كما أن تحويل الصادرات لآسيا سيستغرق وقتًا واستثمارات ضخمة في البنية التحتية، مشيرة إلى أنه على المدى المتوسط سينخفض إنتاج روسيا من النفط وعائداته.

وأفادت الصحيفة الأمريكية، بأن طبيعة أسواق النفط والتغير البطيء في عادات الاستهلاك، يعنيان أن النقص الصغير نسبيًا يمكن أن يؤدي إلى زيادات كبيرة في الأسعار، لذا فإنه في حين أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تعد "بالتخلص التدريجي من النفط الروسي بطريقة منظمة وبطريقة تقلل من التأثير في الأسواق العالمية"، يقول محللو النفط إن هذا التغيير الهائل سيكون غير منظم.

وقالت فون دير لاين: "سيكون هناك حظر على استيراد النفط الروسي، المنقول بحرًا وعبر خطوط الأنابيب، الخام والمكرر".

وحددت رئيسة المفوضية الأوروبية، جدولين زمنيين، الإلغاء التدريجي للإمدادات الروسية من النفط الخام في ستة أشهر والمنتجات المكررة بحلول نهاية العام.

من جانبه، قال كيفين بوك، العضو المنتدب، رئيس الأبحاث في شركة أبحاث الطاقة كلير فيو: فون دير لاين "تضع رهانين كبيرين" أولاً: الإلغاء التدريجي البطيء يمكن أن يحمي أوروبا من الارتفاع المفاجئ في الأسعار، وثانيًا: برنامج مرن للمترددين في دول الاتحاد الأوروبي.

وأضاف بوك: "لا يبدو أي من الاقتراحين ضربة قاضية، لأنه إذا كانت العقوبات الأوروبية فعّالة، ستشدد سوق النفط وترتفع الأسعار للجميع".

وأمام ذلك، بينت الصحيفة، أن أسعار الديزل ارتفعت في أوروبا، ما أضر بسائقي السيارات والشاحنات، وقالت"كيروس" وهي شركة لتحليل بيانات الأقمار الاصطناعية: "كمية النفط الخام في منشآت التخزين الأوروبية لا تزال أقل بكثير من النطاق الطبيعي في هذا الوقت من العام".

وقال تقرير لمجموعة أوراسيا: "الإلغاء التدريجي لاستخدام النفط الروسي من جانب الاتحاد الأوروبي، من المرجح أن يؤدي إلى اضطرابات مستمرة وبالغة الصعوبة في السوق العالمية، حيث تخزن المصافي الأوروبية الوقود وترفع أسعار الواردات الأخرى للاستعداد للحظر المفروض على الوقود الروسي، وبذلك فإنهم سيشددون السوق العالمية لهذه المنتجات".

وقال بوك: "ذلك قد يزداد سوءا إذا فرضت مجموعة الدول السبع قيودًا على التأمين على ناقلات النفط، التي ترفع كثير منها أعلام دول أخرى".

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه "من دون تأمين"، سيمتنع معظم مشغلي الناقلات عن إرسال سفنهم إلى روسيا، إذ يقوم العديد من مشغلي الناقلات أو عملائهم بأنواع أخرى من الأعمال، التي قد تخضع لعقوبات الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.