أمريكا تتفق مع إيران وتضرب ميلشياتها في سوريا... فهل النفط السبب؟
نفت إيران أيّ صلة لها بالجماعات المسلّحة التي استهدفتها الضربات الجوية الأميركية.

السياق
قبل أيام أعلن الجيش الأميركي أنّه قتل شرقي سوريا أربعة من مجموعات مسلّحة مدعومة من إيران، ردّاً على قصف صاروخي أدّى إلى إصابة جنود أميركيين في المنطقة.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، في رسالة إلى الكونغرس: "لقد أمرت بشنّ الضربات لحماية أمن قواتنا والدفاع عنها، وردع إيران والجماعات المسلّحة المدعومة من طهران، عن مهاجمة القوات والمواقع الأميركية مرّة أخرى".
وشدّد بايدن على أنّ الضربات الأميركية لم تستهدف -في بادئ الأمر- سوى مخزونات للذخيرة، حرصاً من الإدارة على أن يبقى ردّها "مناسباً".
لكنّ المقاتلين الموالين لإيران حاولوا -في اليوم التالي- الانتقام من خلال مهاجمة مواقع القوات الأميركية في قاعدتي كونوكو وغرين فيلدج بمنطقة دير الزور، فردّ عليهم الجيش الأمريكي بضربات جديدة، وفقاً للبنتاغون.
لماذا دير الزور؟
كتبت بولينا كونوبليانكو، في "موسكوفسكي كومسوموليتس": لا يبدو أن مصلحة الولايات المتحدة في دير الزور مجرد الحفاظ على ماء الوجه، فعندما يتعلق الأمر بهذه المنطقة، تكون له علاقة بمصالح الولايات المتحدة بالدرجة الأولى.
وحسب موقع روسيا اليوم فإن مدير مركز دراسات دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، سيميون باغداساروف، قال: يوجد في دير الزور حقول نفط، وهذا النفط تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية التي ترعاها الولايات المتحدة. يريد الحرس الثوري الإيراني أن تعود هذه الودائع إلى سوريا، وذلك لا يعجب الأمريكيين، مضيفًا: ولذلك، كانت هناك ضربة لوحدات الحرس الثوري الإيراني، مؤكدًا أن هذا الوضع لن يؤثر في العلاقات بين إيران وأمريكا بأي شكل من الأشكال، مشيرًا إلى أن طهران سوف توقع الاتفاق بشأن البرنامج النووي.
كانت الولايات المتحدة أعلنت -الثلاثاء- أنّها قصفت قواعد تابعة لميليشيات موالية لإيران شرقي سوريا، مشيرة إلى أنّ القصف استهدف تسعة مخابئ تستخدم بشكل خاص لتخزين الذخيرة.
القصف الأميركي جاء ردّاً على هجومين استهدفا في 15 أغسطس مواقع أميركية، وحمّلت واشنطن المسؤولية عنهما إلى جماعات مسلّحة موالية لإيران، استناداً إلى أنقاض الطائرات الإيرانية المسيّرة التي عُثر عليها في المكان.
بينما نفت إيران أيّ صلة لها بالجماعات المسلّحة التي استهدفتها الضربات الجوية الأميركية.
وقال المتحدث باسم البنتاغون الجنرال بات رايدر إنّ هجمات 15 أغسطس لم تسفر عن خسائر في صفوف القوات الأميركية، لذلك قررت الولايات المتحدة الردّ بتجنُّب الإصابات بين المقاتلين الموالين لإيران. وأضاف: "لقد اتّخذنا قرار الردّ بشكل مناسب لأغراض الردع".
انتهاء المواجهات
لكنّ المسلّحين عاودوا -الأربعاء- الهجوم، إذ حاولوا الاقتراب من موقع للقوات الأمريكية، مسلّحين بقاذفات صواريخ، فرصدهم الجيش الأميركي واستهدفهم بضربة، قبل أن يتمكنوا من إطلاق صواريخهم، بحسب المتحدّث.
وأوضح المتحدّث أنّ الضربة الأميركية أسفرت عن تدمير ثلاث سيارات وبعض قاذفات الصواريخ، لكنّ عدداً من الاشتباكات تلت ذلك.
نهاية الاشتباكات، أحصى الجيش الأمريكي أربعة قتلى من المسلّحين الموالين لإيران وثلاث إصابات طفيفة في صفوفه، بحسب ما أوضح الجنرال رايدر.
كانت سنتكوم أصدرت بياناً -مساء الأربعاء- أعلنت فيه "قتل شخصين أو ثلاثة أشخاص يشتبه في أنّهم مسلّحون مدعومون من إيران ونفّذوا إحدى الهجمات".
وقالت القيادة الوسطى إنّ القوات الأميركية استخدمت مروحيات هجومية من طراز أباتشي "إيه إتش-64" وطائرات هجومية جو-أرض من طراز إيه سي-130 ومدفعية ثقيلة من طراز إم777.
والخميس أكّدت القوات الأميركية أنّ الاشتباكات انتهت.
وقال مسؤول أميركي طالباً عدم نشر اسمه: "لم تعد لدينا قوات على تماس" مع العدو.
وأضاف: "نعتقد أنّ جولة التصعيد الأخيرة هذه قد انتهت".
من جهته أكّد بايدن أنّ "الولايات المتّحدة اتّخذت هذا الإجراء الضروري والمناسب، الذي يتفق مع القانون الدولي، بموجب حقّها في الدفاع عن النفس".
وأضاف أنّ "الولايات المتّحدة مستعدة لاتّخاذ مزيد من الإجراءات، إذا كان ذلك ضروريًا ومناسباً، للردّ على تهديدات أو هجمات جديدة".
قوى عدة في دير الزور
تتقاسم السيطرة على محافظة دير الزور، التي شهدت -خلال اليومين الماضيين- ضربات أميركية استهدفت مجموعات تابعة لطهران، قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن من جهة، وفصائل موالية لطهران من جنسيات متعددة من جهة أخرى.
وتشهد المنطقة -بين الحين والآخر- توترات بين الطرفين وتبادل إطلاق نار.
أكراد وعسكريون أمريكيون
تتمركز قوات سوريا الديمقراطية، وعلى رأسها وحدات حماية الشعب الكردية، المدعومة من الولايات المتحدة، على الضفة الشرقية للفرات.
وقد تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على تلك المنطقة بدعم التحالف الدولي لمكافحة الجهاديين بقيادة واشنطن، إثر معارك عنيفة مع داعش، كان آخرها عام 2019 في آخر معقل للتنظيم بسوريا في قرية الباغوز الحدودية.
وتتولى الإدارة الذاتية الكردية إدارة المنطقة عبر مجالس محلية.
وتنتشر قوات التحالف الدولي، وأبرزها القوات الأميركية، في المنطقة، وتوجد في قاعدة بحقل العمر النفطي، أو ما بات يعرف بـ"المنطقة الخضراء"، فضلاً عن حقل كونيكو للغاز.
وتوجد القوات الأمريكية في قواعد أخرى بسوريا في محافظة الحسكة (شمالي شرق) والرقة (شمال)، فضلاً عن قاعدة التنف جنوباً التي أنشئت عام 2016، وتقع بالقرب من الحدود الأردنية والعراقية، وتتمتع بأهمية استراتيجية كونها تقع على طريق بغداد دمشق.
فصائل موالية لإيران
تسيطر قوات النظام السوري على الضفة الغربية لنهر الفرات، إلا أن تلك المنطقة تُعد أبرز مناطق نفوذ إيران والمجموعات الموالية لها في سوريا.
ويقدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان وجود نحو 15 ألف مقاتل من المجموعات العراقية والأفغانية والباكستانية الموالية لإيران في دير الزور وتحديداً المنطقة الممتدة بين مدينتي البوكمال الحدودية مع العراق ودير الزور مروراً بالميادين.
المجموعات الموالية للنظام
- الحرس الثوري الايراني: ينتشر آلاف المقاتلين والمستشارين العسكريين من الحرس الثوري في سوريا، لكن طهران تتحدّث فقط عن مستشارين يعاونون القوات الحكومية.
وأعلن الإعلام الرسمي الإيراني –الثلاثاء- قتل ضابط برتبة رفيعة في الحرس الثوري الإيراني خلال "مهمة كمستشار عسكري" كان يؤديها في سوريا، من دون تفاصيل، وليست المرة الأولى التي يحصل فيها هذا الإعلان.
- فصائل عراقية: تقاتل مجموعات عراقية إلى جانب القوات الحكومية السورية بطلب إيراني. وينتشر هؤلاء بشكل رئيس على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا منذ انتهاء العمليات ضد داعش في العراق ثم سوريا. ويتخذون من مدينة البوكمال مقراً.
ومن أبرز هذه المجموعات: "كتائب حزب الله" التي يقول متحدث باسمها إن مقاتليها ينتشرون في سوريا "كمستشارين" لحماية الحدود العراقية.
وتعد تلك الكتائب أبرز فصائل الحشد الشعبي العراقي. ويعدها محللون ثالث قوة في المحور الذي تقوده طهران في المنطقة، بعد الحرس الثوري وحزب الله اللبناني.
ومن الفصائل العراقية أيضاً "كتائب سيد الشهداء" و"كتائب الإمام علي" و"حركة حزب الله النجباء".
- حزب الله اللبناني: ينشر الحزب الذي يقاتل إلى جانب النظام السوري بشكل علني منذ 2013، بشكل أساسي، قادة في منطقة دير الزور. وقد تراجع عدد قواته في سوريا خلال العامين الماضيين مع تراجع حدة المعارك واستعادة قوات النظام السيطرة على نحو ثلثي مساحة البلاد.
- لواء "فاطميون" الأفغاني ولواء "زينبيون" الباكستاني: أسس الحرس الثوري الإيراني اللواءين من مقاتلين أفغان وباكستانيين شيعة. وشارك هؤلاء بمعارك عدة في سوريا، ويحتفظون بمواقع مهمة في دير الزور، فضلاً عن مناطق سورية أخرى.
ويُعد لواء "فاطميون"، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، أحد أكبر الفصائل الموالية لإيران في سوريا.
وتفرض واشنطن منذ عام 2019 عقوبات على الفصيلين.
نفط دير الزور
إضافة إلى المجوعات الأجنبية، أسّس الإيرانيون مجموعات محلية في دير الزور، ينتمي إليها آلاف المقاتلين السوريين الذين يحصلون على بدل مادي مغر.
تقع في محافظة دير الزور أغلبية حقول النفط السورية، وتسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية وأهمها حقل العمر النفطي، وهو الأكبر في البلاد، فضلاً عن حقلي التنك وجفرا. كما تسيطر على حقل كونيكو للغاز.
وتقع على الجهة الغربية حقول نفطية تسيطر عليها قوات النظام وتشمل حقول الورد والتيم والشولة والنيشان.
وتعد هذه المنطقة الحدودية طريقاً مهماً للكتائب العراقية ولحزب الله اللبناني كالمجموعات الأخرى الموالية لإيران، لنقل الأسلحة والمقاتلين. كما تستخدم أيضاً لنقل البضائع بين العراق وسوريا.
وعلى مر السنين، تعرضت شاحنات كانت تحمل أسلحة وذخائر ومستودعات ومواقع عسكرية تابعة لتلك المجموعات إلى ضربات جوية، خصوصاً في المنطقة الممتدة بين الميادين والبوكمال، تبنت القوات الأمريكية بعضها، ونُسبت أخرى لإسرائيل، التي تؤكد عزمها على منع "التجذر الإيراني" في سوريا.