بلومبرغ: بعيدًا عن عوائد النفط... الاقتصاد السعودي يواصل الازدهار
التدافع على شراء العقارات الذي تبلغ قيمة الواحد منها مليون ريال يعكس التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي يُعيد تشكيل المملكة، والذي يسارعه برنامج الإصلاح الشامل لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان

ترجمات - السياق
سلَّطت شبكة بلومبرغ الأمريكية، الضوء على الطفرة الأخيرة التي يشهدها الاقتصاد السعودي، مشددة على أن النمو بلغ جميع القطاعات وليس النفط وحسب.
وأشارت -في تقرير- إلى أن النفط لا يزال محوريًا لنجاح الإصلاح الشامل، الذي بدأه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لافتة إلى أن توقعات المملكة تتصدر مجموعة العشرين من حيث النمو المتوقع لهذا العام.
وأشادت الشبكة -بشكل خاص- بالتوسع الذي يحققه القطاع العقاري، بفضل انتعاش السياحة وارتفاع عوائد النفط.
القطاع العقاري
عن القطاع العقاري، بينت "بلومبرغ" أن أكثر من 300 شقة -في مجمع الماجدية السكني الجديد بالرياض- بيعت في غضون شهر واحد فقط نقدًا، من دون أن تضطر حتى الشركة المطورة للمشروع إلى الإعلان عنها.
وأضافت: "هذه هي المملكة العربية السعودية -أكبر مُصدر للنفط في العالم- لذا فليس من المستغرب أن يشهد سوق العقارات نشاطًا محمومًا، مع تدفق الدخل الناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة عبر الاقتصاد".
لكن الرئيس التنفيذي لشركة عقارية في الرياض، عبدالسلام الماجد، يقول لوكالة بلومبرغ: إن التدافع على شراء العقارات الذي تبلغ قيمة الواحد منها مليون ريال (266.400 دولار) يعكس شيئًا آخر أيضًا، هو التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي يُعيد تشكيل المملكة، والذي يسارعه برنامج الإصلاح الشامل لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان.
وقال الماجد، الذي يرأس شركة التطوير العقاري المملوكة لعائلة الماجدية ريزيدنس: "هناك تغيير في العقلية، حيث يتبنى بعض السعوديين أسلوب معيشة أكثر انفتاحًا".
وسلَّطت الشبكة الأمريكية الضوء على الإيجابيات التي حققها برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي وضعه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لافتة إلى أنه أنهى أو خفف القيود المفروضة على الترفيه، كما يحاول تقليص الاعتماد على النفط، وأعطى النساء مساحة أكبر للمشاركة في المجتمع.
النساء وسوق العمل
وأشارت "بلومبرغ" إلى أنه قبل نحو 10 سنوات، لم يكن العديد من مالكي العقارات يؤجرون للنساء، اللائي كن بحاجة إلى موافقة ولي الأمر على العديد من قرارات الحياة، أما اليوم فتدخل النساء سوق العمل بأعداد أكبر.
وأوضحت الشبكة أن 30% من مبيعات المشروع الجديد -المجمع السكني الفاخر في الرياض- كانت لصالح نساء، سواء بغرض الاستثمار أو امتلاك منزل خاص.
وشددت على أن السعوديات تساعدن الآن في دعم انتعاش الاقتصاد، الذي تحولت إليه أسواق الطاقة، لافتة إلى أنه رغم شعور معظم العالم بالقلق من التضخم المتزايد الذي تدعمه الحرب الروسية في أوكرانيا والركود المحتمل، فإنه مع ارتفاع متوسط سعر النفط لأكثر من 100 دولار للبرميل هذا العام بات الاقتصاد السعودي الأسرع نموًا في مجموعة العشرين.
وحسب الشبكة، توسع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 11.8% في الربع الثاني، عندما نما الاقتصاد غير النفطي بنسبة 5.4% وهو الآن أكبر مما كان عليه نهاية عام 2019، قبل وباء كورونا.
وأعلنت شركة أرامكو النفطية العملاقة أيضًا عن أكبر أرباح ربع سنوية معدلة فصليًا، مقارنةً بأي شركة مُدرجة على مستوى العالم، كما تتدفق مليارات الدولارات على الخزائن السعودية وتزيد استثمارات الدولة، ما يعزز معنويات القطاع الخاص الذي يعتمد على العقود الحكومية.
وأضافت الشبكة: "الإنفاق الرأسمالي قفز 64% على أساس سنوي من أبريل إلى يونيو، مع بدء انتعاشة كبرى في قطاع البناء بالمملكة، بما في ذلك مراكز التسوق والحدائق، إضافة إلى خطط هائلة لتشييد مدينة جديدة مبنية من الصفر، وتطوير مبانٍ سياحية فاخرة على البحر الأحمر، وارتفع الإنفاق الإجمالي 16%، رغم توقعات انخفاضه في الميزانية الأولية لهذا العام".
كان العديد من السعوديين يفضلون المنازل ذات الجدران العالية والنوافذ الصغيرة للحفاظ على الخصوصية، لكن الانفتاح الاجتماعي مع بروز العائلات الصغيرة غيّر هذا التوجه.
انتعاش السياحة
على صعيد السياحة المحلية، بينت "بلومبرغ" أنه عادةً ما كانت حرارة الصيف تؤدي إلى سفر العائلات المترفة في السعودية إلى أجواء أكثر برودة في أوروبا، لكن أحدث المطاعم الراقية في الرياض أصبحت مكتظة بالزبائن، واستشهدت بسلسلة مطاعم "كويا" الأمريكية اللاتينية، التي يتم فيها حجز العشاء قبلها بشهر.
ففي إشارة إلى التحول الاجتماعي الجديد، أصبحت المطاعم الراقية في الرياض مكتظة بروادها في الصيف، بعد أن كانت النخب السعودية تفضل السفر إلى أوروبا.
على الجانب الآخر -حسب الشبكة- انتعشت عمليات السحب النقدي المجمعة ومعاملات نقاط البيع مجددًا -وهي مؤشر على نشاط المستهلك- مع صعودها بنسبة 9% على أساس سنوي في يونيو، بعد ارتفاعها القياسي في مارس، بينما بلغ معدل التضخم الشهر الماضي 2.7%، أي نحو ثلث المعدل الموجود في الولايات المتحدة أو منطقة اليورو.
من جانبها، تسعى وزارة المالية لتجنُّب دورة الازدهار والكساد المرتبطة بالنفط، عبر الاستثمار بكثافة في الصناديق السيادية والمشاريع طويلة الأجل، مثل تصنيع السيارات الكهربائية والسياحة.
ووفقًا لمسح أجرته "بلومبرغ" لخبراء اقتصاديين، من المتوقع توسع الاقتصاد السعودي بنسبة 7.6% هذا العام، لكن النمو قد يتراجع إلى 2.5% بحلول عام 2024.
ويقول التقرير: سعر النفط الخام انخفض حاليًا إلى قرابة 90 دولارًا للبرميل مع استمرار المخاوف العالمية من التباطؤ الاقتصادي، واحتمال زيادة المعروض من إيران، حال إعادة إحياء الاتفاق النووي.
ونقلت الشبكة عن مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، قولها: "إذا حدث انهيار آخر في أسعار النفط، سيكون هناك تباطؤ مرة أخرى في النشاط، لكن عددًا من العوامل الإيجابية تتجمع في هذه المرحلة".