كيف يحمي الناتو نفسه؟
حان الوقت لأن يفتح حلف شمال الأطلسي الناتو أبوابه على مصراعيها، لتوسيع عضويته وقبول أعضاء جدد، لمواجهة أي تهديدات لأمن القارة الأوروبية

ترجمات - السياق
رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أنه حان الوقت لأن يفتح حلف شمال الأطلسي (الناتو) أبوابه على مصراعيها، لتوسيع عضويته وقبول أعضاء جدد، لمواجهة أي تهديدات لأمن القارة الأوروبية.
وشددت المجلة، في تحليل للباحث مايكل هيكاري سيسير -كبير مستشاري السياسة في اللجنة الأمريكية للأمن والتعاون في أوروبا، المعروفة أيضًا بلجنة هلسنكي الأمريكية- على أن الهدف من إنشاء حلف الناتو أن يكون الملاذ الآمن للدول المستضعفة والمهددة بالخطر، ومن ثمّ "يجب على الحلف العمل على تقوية هذا الدور لاسيما في ظل الظروف الحالية على الساحة الدولية".
وأشارت إلى أن الحلف كان قد اتخذ قرارًا تاريخيًا، خلال مؤتمر القمة الذي عُقد بمدريد في يونيو الماضي، بإعلانه الموافقة على انضمام فنلندا والسويد لعضويته، كرد على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي بدأت في فبراير الماضي.
الباب المفتوح
وأوضحت "فورين بوليسي" أنه تم اتخاذ تلك الخطوة التاريخية -انضمام فنلندا والسويد- في إطار استراتيجية جديدة تبناها الحلف في الفترة الأخيرة هي "الباب المفتوح"، مؤكدة أن الهدف من إنشاء حلف الناتو لم يكن -في يوم من الأيام- أن يكون منتدي الدول الغنية لكنه بالأحرى ملاذ للدول الضعيفة والمعرضة للخطر.
ومع ذلك -حسب المجلة- يلوح في الأفق مصير مجهول لبلدين آخرين هما الأكثر معاناة من العدوان الروسي (أوكرانيا وجورجيا)، في إشارة إلى أنه لو تم ضمهما إلى الحلف ما اتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرار غزو الأولى.
ووُعدت الدولتان بعضوية الحلف، خلال قمة الناتو لعام 2008 في بوخارست برومانيا ، ومع ذلك بقيت الدولتان خارجه.
الآن -تضيف المجلة- أدت الخسائر البشرية والمادية الهائلة، التي خلفتها الحرب الإمبريالية الجديدة والإبادة الجماعية لروسيا في أوكرانيا إلى وضع وعود "الناتو" الممتدة، التي لم يتم الوفاء بها في "الثلاجة" ولو مؤقتًا.
ورأت المجلة، أنه كان من الواضح أن فشل التحالف في تزويد أوكرانيا وجورجيا بمسار ملموس للعضوية -بسبب تفاصيل فنية غامضة- كان دعوة غير مقصودة لكنها متوقعة للعدوان الروسي.
وأشارت إلى أنه بينما يُدافع الأوكرانيون -بشكل يائس- عن وطنهم، ويدفعون مقابل ذلك مئات المدنيين والأطفال كضحايا، يتضح الفقر الأخلاقي والاستراتيجي الناجم عن تأجيل انضمام أوكرانيا إلى "الناتو"، ومن ثمّ يتعين على أعضاء الحلف أن يعيدوا التفكير في ما يخص الهدف التأسيسي للحلف.
ففي الولايات المتحدة وأوروبا -حسب المجلة- يتم التعامل مع مناقشات الحدود بين "الناتو" وبقية أوروبا على أنها سمات ثابتة للجغرافيا، لذلك غالبًا ما كانت القرارات في الفترة التي سبقت الحرب، لحجب المساعدة الحاسمة أو توفير ضمانات أمنية مبررة، على أساس عدم عضوية أوكرانيا في "الناتو".
وبينت أنه طالما كانت الفكرة القائلة إن أوكرانيا وجورجيا غير مستعدين أو غير قادرتين على تلبية المعايير الفنية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) دائمًا حجة إشكالية، إذ إن الحلف لم يضع -في أي وقت من الأوقات- معايير فنية صارمة للعضوية، تكون واضحة وقابلة للتحقيق.
قرار سياسي
ورأت "فورين بوليسي" أن مسألة توسيع عضوية الحلف قرار سياسي، مشيرة إلى أنه بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وما صاحبها من تهديد لأمن أوروبا، بات من الضروري على "الناتو" أن يتبنى مفاهيم وسياسيات جديدة، تتناسب مع الظروف الراهنة على الساحة الدولية.
وشددت على أنه يجب على "الناتو" أن يكون على مستوى المسؤولية التي تفرضها الظروف الدولية الحالية، ويجب عليه العمل على حماية أمن قارة أوروبا من أي تهديد قد يعرِّضها للخطر، موضحة أن ذلك الدور لا ينضوي تحت مسمى عودة الحرب الباردة، لكنه بالأحرى تأكيد - لما سماه التقرير- للدور الحضاري للحلف.
لكن اليوم -حسب المجلة- "أصبح تهديد موسكو لسلام أوروبا واضحًا، وبشكل مدمر في أوكرانيا وكذلك في جورجيا، وردًا على ذلك، يجب على (الناتو) أن يتغير مع المشهد الاستراتيجي، ليس بـ (التقشف والانغلاق)، حيث يبني جدرانه أعلى، بينما تحترق أوكرانيا والشركاء الآخرون المهدّدون، لكن مع زيادة عمليات التوسيع بين أعضائه".
أمام ذلك، وصفت المجلة "الناتو" بأنه حديقة مسورة -معقل محمي للسلام النسبي والازدهار والقدرة على التنبؤ- ومع ذلك، فإن هذه السمعة تتجاهل الثورة الاستراتيجية الزلزالية التي مثلها تأسيس حلف الناتو وتوسعه المبكر.
ففي العصر النووي وفي مواجهة التوسع السوفييتي، بعد حربين قاريتين مروعتين في النصف الأول من القرن العشرين، سعت الولايات المتحدة إلى إنشاء هياكل لوقف الدورات المدمرة لأوروبا من حرب القوى العظمى.
وفي مواجهة خطر الإمبريالية السوفيتية والحرب العالمية الثالثة المحتملة، أنشأ "الناتو" ملاذًا محميًا حول البلدان الأوروبية الأكثر تهديدًا وفقرًا وتمزقها الحروب.
وأضافت المجلة: "لم تكن الدول التي انضمت إلى الاتحاد على الإطلاق عبارة عن قوى عسكرية من الدرجة الأول ، أو ديناميات اقتصادية، أو ديمقراطيات مستقرة، إذ إن العديد منها كان غير مستقر سياسيًا، ومستنزفًا عسكريًا، ومنكسر اقتصاديًا"، مشيرة إلى أن دولًا عدة، مثل البرتغال وإسبانيا، كانت ديكتاتوريات عسكرية، بينما كانت دول أخرى -مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا- دُمرت تمامًا إبان الحرب العالمية الثانية، ما جعلها تستغرق عقودًا للتعافي.
ظروف التأسيس
وأوضحت "فورين بوليسي" أنه مع دخول روسيا مرة أخرى في مخاض "الاستبداد والعسكرة التوسعية"، فإن الظروف التي رافقت تأسيس "الناتو" مألوفة للغاية، مشيرة إلى أن العدوان الروسي في قلب أوروبا بات حقيقة لا جدال فيها -كما تشهد بذلك بوضوح الأراضي الأوكرانية الملطخة بالدماء- وليس هناك سبب للاعتقاد أو توقع توقف موسكو قريبًا.
أمام هذه التطورات، أوضحت المجلة، أن ذلك الدور الذي يجب أن يضطلع به "الناتو" يبدو أكثر إلحاحًا في الوقت الراهن، بعد حرب أوكرانيا وما صاحبها من معاناة الملايين من أبناء الشعب الأوكراني، مؤكدة أنه يجب على الحلف العودة للدور الذي أقيم من أجله، وأن يفتح أبواب عضويته على مصراعيها لقبول أعضاء جدد من كل الدول الأوروبية بلا استثناء، لاسيما تلك الدول التي تتعرض لتهديدات.
وطرحت المجلة الأمريكية سؤالاً: كيف يمكن تحقيق هدف التوسع في عضوية الحلف؟
وتجيب المجلة بأن على "الناتو" إعادة النظر في سياساته التي يتبناها، منها على سبيل المثال تقديم الولايات المتحدة -بصفتها الضامن النهائي للقوة العسكرية لحلف الناتو- الدعم العسكري اللازم للشركاء المعرضين للخطر لحين الانضمام لعضوية الحلف بشكل رسمي، مثل تلك الوعود التي قدمتها لفنلندا والسويد حتى اكتمال انضمامهما.
وأضافت: "يجب كذلك على أعضاء الحلف طرح جميع الخلافات والانقسامات جانبًا، في ظل الظروف الحالية التي تتطلب وحدة الصف، إلى جانب العمل على ضم أوكرانيا لعضوية الحلف، من دون أن تؤدي تلك الخطوة إلى صراع عالمي، من خلال تقديم الدعم اللازم لكييف لضمان تفوقها العسكري داخل أراضيها وانتصارها في الحرب الدائرة حاليًا هناك".
وخلصت -في ختام تحليلها- إلى ضرورة الانتهاء من حالة التردد التي تنتاب الدول الأعضاء في الحلف، لتقديم الدعم العسكري اللازم لأوكرانيا، بعد أن أثبتت التجربة -بكل وضوح- أن الدعم الذي قدمته واشنطن والدول الأخرى لأوكرانيا أسهم -إلى حد بعيد- في تغيير موازين القوة على الأرض، في المواجهات الحالية مع القوات الروسية.