هل يتجه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني نحو الأسوأ؟

القتال الأخير في قطاع غزة بين حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل يشير إلى أن الوضع الراهن الذي وصفته بالسيئ، يعد بمزيد من التطرف والفوضى

هل يتجه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني نحو الأسوأ؟

ترجمات - السياق

رأت شبكة بلومبرغ الأمريكية، أن القتال الأخير في قطاع غزة -بين حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل- يشير إلى أن الوضع الراهن الذي وصفته بـ"السيئ"، يعد بمزيد من التطرف والفوضى.

وبينت في تحليل للكاتب حسين إبيش -كبير باحثين مقيم بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن- أن ما سمتها (نوبات القصف الجوي الدورية) بين إسرائيل والمسلحين في قطاع غزة، أصبحت سمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن الاشتباك الأخير لم يكن بين إسرائيل وحماس، وإنما بين تل أبيب وجماعة أخرى أكثر تشددًا تصعد بقوة (الجهاد الإسلامي).

وأشارت إلى أنه خلال الجولة الأخيرة من الصراع ، قُتل ما لا يقل عن 44 فلسطينيًا، بينهم 15 طفلًا، بين 5 و 8 أغسطس في قصف متبادل بين مئات صواريخ الجهاد الإسلامي التي أُطلقت على إسرائيل، وغارات جوية إسرائيلية ضد أهداف فلسطينية.

وأفادت بأنه "بينما كانت صواريخ الجهاد الإسلامي غير فعّالة إلى حد كبير، فتح مسلح فلسطيني النار على حافلة في القدس، ما أدى إلى إصابة ثمانية إسرائيليين"، موضحة أنه خلال هذه العملية، اكتسب الجهاد الإسلامي في فلسطين مستوى جديدًا من المصداقية المتشددة.

نذير خطر

وحذر الكاتب من أن دخول تنظيم الجهاد الإسلامي على خط المواجهة مع إسرائيل -رغم أنه متوقع- فإنه ينذر بالخطر، مشيرًا إلى أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية عام 1967 -القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة- من دون أفق سياسي لإنهائه، كفل تطرفًا مطردًا بين الفصائل الفلسطينية.

ووصف إبيش تطرف الفصائل الفلسطينية بالـ"كارثة" ليس فقط للإسرائيليين والفلسطينيين، لكن أيضًا للشرق الأوسط والعالم.

وأوضح أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية -التي اندلعت بعد ما كان ينبغي أن تكون تتويجًا لعملية أوسلو للسلام في قمة كامب ديفيد عام 2000- أدت إلى تطرف الجانبين، إذ قُتل ما يقرب من 3000 فلسطيني و1000 إسرائيلي -معظمهم من المدنيين- بين أواخر عام 2000 وأوائل عام 2005.

ورأى أن هناك ضحية أخرى تُمثل "معسكر السلام" هي منظمة التحرير الفلسطينية، مشيرًا إلى أن السياسة الإسرائيلية تحولت إلى اليمين المتشدد، بينما أصبحت حماس -التي رفضت عملية السلام ودافعت عن الكفاح المسلح- منافسًا على القيادة الوطنية، ما مهد الطريق للانقسام الفلسطيني عام 2007 حيث تمسكت السلطة الفلسطينية بمناطق الحكم الذاتي الصغيرة، ومعظمها بلدات ومدن الضفة الغربية، التي تم تأمينها من خلال عملية أوسلو عام 1990، في حين استولت حماس على السلطة في قطاع غزة.

وأشار إلى أنه منذ ذلك الحين، تعطلت عملية السلام، وتعامل الفصيلان الفلسطينيان مع بعضهما كعدوين لدودين.

ومع ذلك -حسب الكاتب- بمرور الوقت، تحولت «حماس» من زعيم المقاومة الفلسطينية المسلحة إلى نوع من حكومة الأمر الواقع الراسخة في غزة، التي تعتمد على عمليات الإنقاذ المالي المنتظمة من قطر بينما تدخل في صراعات قصف جوي دورية مع إسرائيل، التي أصبحت أقل تواترًا وأكثر انتهازية.

ونوه إلى أن الظروف كانت مهيأة لصعود فصيل أكثر تطرفًا وراديكالية، لافتًا إلى أن تنظيم الجهاد الإسلامي في فلسطين -المدعوم من إيران- يتنافس على هذا الدور منذ سنوات.

غزة والتطرف

ورأى إبيش أن قطاع غزة بات حاضنة مثالية للتطرف، مشيرًا إلى أن نحو مليوني شخص -معظمهم من اللاجئين - محشورون في منطقة صغيرة بائسة تخضع لحصار شامل من إسرائيل ومصر.

رغم ذلك -حسب الكاتب- يبدو أن حماس راضية عن حكم سجن البؤس المفتوح هذا، لكن تنظيم الجهاد الإسلامي في فلسطين يغتصب بشكل متزايد دور حماس التقليدي، من خلال استخدام غزة كمنصة انطلاق للهجمات على إسرائيل، ليس فقط من القطاع نفسه ولكن في الضفة الغربية والقدس.

ومؤخرًا أفادت السلطة الفلسطينية بأنها ضبطت عضوين من الجهاد الإسلامي في فلسطين بحوزتهما 17 كيلوغرامًا من المتفجرات في مدينة نابلس بالضفة الغربية.

ويضيف الكاتب: "قد لا تكون هذه النوبة من تطرف الحركة الوطنية الفلسطينية مفاجئة، لكن ذلك لا يعني أنها أقل خطورة، وعلى العالم الخارجي أن يتدخل لاحتواء هذا التطرف وتغيير مساره قبل فوات الأوان".

وأكمل:"لقد أُحرجت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، لأن سياساتهما في المفاوضات والتعاون الأمني مع إسرائيل لم تُسفر عن أي مكاسب كبيرة منذ عام 1996، ما خدم بشكل كبير المتطرفين".

أمام ذلك، طالب الكاتب بضرورة تعزيز السلطة الفلسطينية بدعم اقتصادي أكبر، واعتراف دبلوماسي أكبر –بما في ذلك استعادة القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وبعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن– ووضع حد للغارات الإسرائيلية المستمرة، والمسيئة في كثير من الأحيان، على المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، التي أدانتها جماعات حقوق الإنسان الدولية.

وعن درء التطرف في فلسطين، في ما يخص حماس، بيّن الكاتب أن حماس سبق أن طلبت اعترافًا دوليًا أكبر والانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ما يستدعي أن يتدخل المجتمع الدولي ويضع خارطة طريق واضحة، لكي تصبح الجماعة محاورًا شرعيًا، بما في ذلك قبولها بالتزامات المعاهدة الفلسطينية مثل اتفاقات أوسلو، وحتى لو لم تنزع الجماعة سلاحها، فإنها على الأقل تتخلى عن جميع أشكال الإرهاب.

ولمحاربة التطرف أيضًا، دعا الكاتب إلى ضرورة بذل جهد كبير لتحسين الحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية –وفي غزة من دون تعزيز حماس بلا داعٍ من خلال الاعتماد على المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة– في قطاعات مثل الصحة والتعليم، مضيفًا: "اليأس والقنوط يجعلان التطرف أمرًا لا مفر منه".

أخيرًا -وفق الكاتب- فإن أفق التحرر أمر ضروري، ومن ثمّ ينبغي لإسرائيل، بعد طول انتظار، أن تعترف رسميًا بالحق الفلسطيني في دولة مستقلة، مع ترك التفاصيل للمفاوضات المستقبلية، لكن هذا الالتزام من شأنه أن يمنح للفلسطينيين الأمل الذي تشتد الحاجة إليه في الحرية نهاية المطاف.

وأوضح أنه "من دون هذه التدابير، تمامًا كما نهضت حماس لتحدي منظمة التحرير الفلسطينية، سيستمر الجهاد الإسلامي بفلسطين في إرباك حماس وتحديها، بنجاح متزايد، وسيرتفع عدد القتلى بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حتى الانفجار التالي والحتمي للعنف الواسع النطاق والمستدام.