لماذا يزور ماكرون الجزائر؟

زيارة لا تتعلق بتبديل واردات الغاز من روسيا، وإنه من غير المحتمل أن يكون لدى الجزائر فائض في معروض الغاز لتقدمه لفرنسا

لماذا يزور ماكرون الجزائر؟

السياق

رأت شبكة بلومبرغ الأمريكية، أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر، اليوم الخميس، من غير المرجح أن تثمر اتفاقًا على مزيد من إمدادات الغاز، مُعللة ذلك بأن الجزائر ليس لديها فائض في العرض لتقدِّمه لفرنسا، كما أن الزيارة -وفقًا لمسؤولين فرنسيين- تهدف إلى إصلاح العلاقات.   

كانت وسائل إعلام فرنسية ودولية قد أفادت بأن الرئيس الفرنسي سيسعى -خلال زيارته الرسمية إلى الجزائر- إلى طرح وساطة بلاده لحل الأزمة مع المغرب وإسبانيا، لكن مراقبين للشأن الجزائري يرون أن الظروف ليست مواتية، رغم أن مسألة الغاز والطاقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي ذات أولوية لباريس وبروكسل، وقد تشكل نافذة لفتح باب الدبلوماسية بين العواصم الثلاث.

وأعلن قصر الإليزيه أن ماكرون سيزور الجزائر من 25 إلى 27 أغسطس الجاري.

وبينما نقلت وكالة رويترز عن الحكومة الفرنسية أن ماكرون سيتطرق إلى ملف الطاقة، خلال زيارته إلى الجزائر، نقلت "بلومبرغ" عن مسؤولين فرنسيين قولهم إن الزيارة لا تتعلق بتبديل واردات الغاز من روسيا، وإنه من غير المحتمل أن يكون لدى الجزائر فائض في معروض الغاز لتقدمه لفرنسا.

تفاصيل الزيارة

وحسب "بلومبرغ"، من المقرر أن تستمر الزيارة ثلاثة أيام، يتوقف خلالها ماكرون في العاصمة الجزائر ومدينة وهران ثاني أكبر مدن الجزائر.

كما أنه من المقرر أيضًا أن يلتقي ماكرون، رواد الأعمال الشباب والقادة الدينيين.

جدير بالذكر أن الجزائر من أكبر موردي الغاز لأوروبا بعد روسيا والنرويج، ومن المتوقع أن يكون اكتشافها لخزانات جديدة أثار اهتمامًا كبيرًا من جانب فرنسا.

ووفقًا لمسؤولين فرنسيين مقربين من الرئيس، فرغم أن ماكرون سيرافقه كاثرين ماكريغور، الرئيس التنفيذي لشركة المرافق إنجي، فإن الرحلة لا تتعلق باستبدال واردات الغاز من روسيا، بل بإصلاح العلاقات.

وأشار هؤلاء المسؤولون إلى أنه علاوة على ذلك، من غير المحتمل أن يكون لدى الجزائر فائض في العرض لتقدمه لفرنسا.

وأوضحت الشبكة الأمريكية، أن الأزمة الروسية الأوكرانية أدت إلى اضطراب أسواق الطاقة في أوروبا، بسبب قلة الإمدادات الروسية، ما دفع المستشار الألماني أولاف شولتز لاتهام موسكو باستخدام الطاقة كسلاح للرد على عقوبات الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن أن اليورو بلغ مستوى قياسيًا منخفضًا مقابل الدولار هذا الأسبوع، مع معدلات تضخم مرتفعة.

بينما حذر ماكرون من مصاعب محتملة في الأشهر المقبلة، وطلب من الفرنسيين "قبول دفع ثمن حريتنا وقيمنا"، في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي، لإحياء ذكرى تحرير بلدة جنوبي فرنسا في الحرب العالمية الثانية.

ورغم نفي "بلومبرغ" علاقة الزيارة باتفاقات غاز جديدة، فإن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران قال للصحفيين – الأربعاء- إن أزمة الطاقة "ستكون جزءًا من الموضوعات المطروحة على الطاولة بالطبع" خلال زيارة ماكرون للجزائر.

وأصبحت الجزائر -بفضل احتياطاتها الكبيرة من الغاز الطبيعي- محور اهتمام الاتحاد الأوروبي في جهوده لخفض الواردات من روسيا.

وتوترت العلاقات بين ماكرون والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون -العام الماضي- عندما أدت تصريحات الرئيس الفرنسي بشأن تاريخ الجزائر إلى خلاف دبلوماسي مرتبط بماضي فرنسا الاستعماري.

أزمة الطاقة

وأفادت "بلومبرغ" بأن أزمة الطاقة في أوروبا دفعت رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، لزيارة الجزائر مرتين منذ بداية الأزمة الأوكرانية قبل ستة أشهر، وفي يوليو 2022، أعلن أن مجموعة سوناطراك الجزائرية ستزود إيطاليا بـ 4 مليارات متر مكعب إضافية من الغاز خلال فترة غير محددة.

ووفقًا لبيان صادر عن "سوناطراك" زودت الجزائر، إيطاليا بـ 13.9 مليار متر مكعب من الغاز منذ بداية 2022، بزيادة 113% عما كان مخصصًا.

وأفادت الشبكة الأمريكية، في هذا الصدد، بأن إيطاليا -التي ترتبط بالجزائر عبر خط أنابيب- تعمل بشكل أفضل من العديد من نظيراتها الأوروبيين، في تقليل اعتمادها على روسيا، حيث خفضت اعتمادها على الغاز الروسي إلى 25% من نحو 40% بداية عام 2022.

وبحسب مسؤولين فرنسيين -طلبوا عدم كشف هويتهم- فإنه بدلاً من الحصول على التزامات جديدة بشأن إمدادات الطاقة، يتطلع ماكرون إلى إعادة العلاقات مع الجزائر، بعد سنوات من التوترات.

كان فوز ماكرون الرئاسي لعام 2017 لقي ترحيبًا حارًا من الجزائر، إذ إنه أثناء حملته الانتخابية، ندد بما سماها "الجرائم ضد الإنسانية" التي ارتكبتها فرنسا إبان حكمها الاستعماري للجزائر، وأعاد -خلال ولايته الأولى- الرؤوس المقطوعة لمئات من مقاتلي المقاومة الجزائريين، الذين احتجزوا قرنًا و نصف القرن في متحف في باريس.

لكن نبرة الرئيس الفرنسي تغيرت مع محاولات القادة العسكريين في الجزائر وقف الاحتجاجات الجماهيرية المؤيدة للديمقراطية، مُتهمًا النظام السياسي الجزائري بـإذكاء الكراهية لفرنسا.

وردًا على ذلك، أغلقت الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، ما أثر في عمليات حفظ السلام بمالي، واستدعت سفيرها في باريس، بسبب ما وصفته بـ "التدخل غير المقبول في شؤونها الداخلية".

في المقابل، خفضّت فرنسا عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين بمقدار النصف -وكذلك للتونسيين والمغاربة- بعد أن رفضت حكوماتهم تسهيل عودة المواطنين الذين يعيشون في فرنسا مع وضع الهجرة غير النظامية.

وعليه، توجهت الجزائر -الدولة الواقعة شمالي إفريقيا- بشكل متزايد إلى تركيا والصين وروسيا، من أجل الصفقات التجارية، وإلى إيطاليا لاتفاقيات الطاقة.

ونقلت الشبكة الأمريكية عن علي بك نصري، رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين، قوله، إن أفضل ما يمكن تحقيقه -خلال زيارة ماكرون- محاولة إرساء أسس علاقة جديدة للبلدين، مضيفًا: "على فرنسا أن تبدأ رؤية الجزائر كشريك".