تركيا... لماذا لا تنجح تجربة أردوغان الاقتصادية غير التقليدية؟

وصفت فايننشال تايمز مفاهيم أردوغان الاقتصادية بالمعيبة، كما هو الحال بالنسبة للنظرية الاقتصادية القياسية، التي تشير إلى الحاجة لارتفاع معدلات الفائدة، للدفاع عن العملة، عبر ردع تدفقات رأس المال الخارجة، والتركيز على الإنفاق المحلي، وإثبات أن السلطات جادة في السعي لمنع دوامة التضخم.

تركيا... لماذا لا تنجح تجربة أردوغان الاقتصادية غير التقليدية؟
تجربته الاقتصادية أغرقت بلاده في أزمة مع انهيار العملة، وارتفاع الأسعار

ترجمات – السياق

تساءلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن أسباب فشل تجارب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاقتصادية، التي وصفتها بأنها (غير تقليدية)، خصوصًا مع التراجع المستمر للعملة التركية (الليرة) أمام الدولار، وارتفاع التضخم إلى مستوى قياسي.

وقالت الصحيفة، في تقرير: إن الرئيس التركي، يكرر نظريته غير التقليدية القائلة إن أسعار الفائدة المنخفضة ستولد "نموذجاً اقتصادياً جديداً" لبلاده، معتقدًا أن هذا الانخفاض سيؤدي إلى خفض التضخم وزيادة الاستثمار والتوظيف والصادرات، وتعزيز استقلال تركيا عن الدول الأخرى.

ومع ذلك فإن تجربته الاقتصادية، في خفض أسعار الفائدة بمواجهة التضخم، بدلاً من زيادتها، أغرقت بلاده في أزمة مع انهيار العملة، وارتفاع الأسعار، ومكافحة الشركات مع تكاليف المدخلات والمعاناة الشديدة، خاصة بين أفقر الفئات.

مفاهيم معيبة

ووصفت "فايننشال تايمز" مفاهيم أردوغان الاقتصادية بالمعيبة، كما هو الحال بالنسبة للنظرية الاقتصادية القياسية، التي تشير إلى الحاجة لارتفاع معدلات الفائدة، للدفاع عن العملة، عبر ردع تدفقات رأس المال الخارجة، والتركيز على الإنفاق المحلي، وإثبات أن السلطات جادة في السعي لمنع دوامة التضخم.

وأوضحت، أن التضخم في تركيا يتجه نحو 30% بعد أن فقدت الليرة أكثر من نِصف قيمتها مقابل الدولار الأمريكي هذا الخريف، رغم الانتعاش الذي سُجل الاثنين الماضي، بعد إعلان أردوغان إجراءات لتعويض حاملي الليرة بالبنوك، في حال استمرار انخفاض قيمة العملة.

وأضافت: "مع ذلك، تساءل المجتمع الاقتصادي نفسه عن دور التدفقات النقدية الساخنة، من الاقتصادات الناشئة وإليها، والنظريات التقليدية، بقيادة الباحثة هيلين راي من كلية لندن للأعمال، التي أشارت عام 2013 إلى أن الأسواق الناشئة، غالباً ما تقع تحت رحمة التدفقات الرأسمالية المدفوعة، من خلال سياسات الاحتياطي الفيدرالي، وتلك الخاصة بالبنوك المركزية الرئيسة الأخرى".

كما رسم صندوق النقد الدولي نموذجاً، يمكن أن تؤدي فيه أسعار الفائدة المرتفعة إلى ارتفاع التضخم، حسبما ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية.

أزمة ائتمان وتضخم

حسب الصحيفة البريطانية، تشير ورقة العمل، التي أعدها كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، أوليفييه بلانشارد وزملاؤه، إلى أن التدفقات الكبيرة لرأس المال، المتجهة إلى الاقتصاد الناشئ -التي غالباً ما تحدث بسبب ارتفاع أسعار الفائدة- قد تؤدي إلى "طفرات ائتمانية وزيادة الإنتاج وتضخم".

وتضيف "فايننشال تايمز": رغم نشر صندوق النقد الدولي -الكاهن الأكبر للأرثوذكسية الاقتصادية- مثل هذه الأوراق، فإن هذه الظروف لا تنطبق على تركيا، إذ تعاني البلاد عجزًا مستمرًا في حسابها الجاري، وتتجاوز الواردات الصادرات بانتظام، كما تعاني ارتفاع معدلات التضخم، الذي تجاوز معدله السنوي البالغ 10% طوال الـ 15 عامًا الماضية تقريبًا.

وتضيف، أنه بداية ديسمبر الجاري، قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس: إن الضغوط التضخمية في تركيا تعززت بشكل أكبر هذا العام، من خلال القروض المدعومة المقدَّمة للشركات المحلية منذ بداية الوباء، ما ساعد في تعزيز "النمو المزدهر" الذي تقوده الصادرات، وجعل إنتاجها الاقتصادي لعام 2021 أعلى من الذي توقعته منظمة التعاون الاقتصادي قبل تفشي كورونا.

كما حذرت منظمة التعاون الاقتصادي، من أن تركيا ستكون عرضة على الأرجح، لمزيد من الضغوط المحتملة من الأجور وتكاليف الاستيراد وأسعار المنتجين.

أردوغان والفائدة

ونقلت "فايننشال تايمز" عن داني رودريك، البروفيسور في كلية هارفارد كينيدي، قوله: إن أردوغان عانى لأعوام موجة من تدفقات رأس المال، التي اجتُذبت إلى تركيا، من خلال هوامش سعر فائدة أعلى قليلاً.

وأوضح رودريك أن "أحد أساطير العولمة المالية، أنها تفرض الانضباط الاقتصادي"، مشيراً إلى أن الأسواق المالية ستضمن تطبيق البلاد لسياسات مستدامة، وذات مصداقية تجتذب النقد الأجنبي.

وأضاف: "كان الأمر عكس ذلك في تركيا، إذ استمرت التجربة الاقتصادية هناك فترة أطول بكثير مما ينبغي، بفضل العرض الأكثر مرونة للتمويل، ونتيجة لذلك ستكون التكاليف الاقتصادية أعلى".

وحسب الصحيفة البريطانية، يجادل رودريك وصندوق النقد الدولي، بأنه حتى لو ساعدت أسعار الفائدة المرتفعة في جذب الإيرادات، التي أدت إلى زيادة الإنفاق والتضخم، فإن الرد الصحيح من أنقرة، كان تعويض التأثير بسياسة أكثر صرامة، وقبول نمو أبطأ لدعم الاستقرار على المدى الطويل، ومعالجة أزمة الثقة التي عانتها تركيا في الأسابيع الأخيرة.

وأشارت، إلى أنه بدلاً من ذلك، فعل أردوغان العكس بمساعدة حاكم بنك مركزي مختار بعناية، وخفضت البلاد معدل سياستها قصيرة الأجل من 19% في سبتمبر إلى 14% في 16 ديسمبر، في سلسلة من التحركات التوسعية.

وذكرت "فايننشال تايمز" أن الهدف من ذلك كان خفض قيمة الليرة التركية تدريجياً، وتعزيز الصادرات من خلال زيادة القدرة التنافسية لشركات التصنيع الأصغر حجماً، مع تحويل الإنفاق من الواردات إلى السلع والخدمات.

تكلفة باهظة

وقالت "فايننشال تايمز" في تقريرها: رغم أن عجز الحساب الجاري تحوَّل إلى فائض منذ أغسطس، فإنه جاء بتكلفة باهظة لمصداقية السياسة الاقتصادية لأنقرة، وسبل عيش الشعب التركي.

وأوضحت، أن معدل التضخم الرسمي تجاوز 20% في نوفمبر مع ارتفاع الأسعار 3.5% في ذلك الشهر وحده، لذلك يعتقد العديد من المراقبين، أن هذا يعد تقديراً أقل للوتيرة الحقيقية للتضخم.

ومع ذلك، من المتوقع أن يقفز بشكل أعلى في ديسمبر، عندما تظهر آثار انهيار الليرة التركية في أسعار الواردات.

وأشارت إلى أن الأسوأ من ذلك، أن انخفاض الليرة أدى إلى زيادة ديون الشركات والحكومة، ما أدى إلى زيادة ديونهما بالعملة الأجنبية، فقد ارتفعت ديون الشركات غير المالية في تركيا 20% من الناتج المحلي الإجمالي منذ ظهور الوباء، وهي أعلى نسبة بين الاقتصادات الناشئة، بحسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وقالت "فايننشال تايمز": "حتى تخفيضات أسعار الفائدة لم تعد تخفف الظروف المالية للشركات، لأن الأسواق المالية تطالب بتعويض أكبر عن المخاطر، كما ارتفعت عائدات السندات الحكومية التركية بشكل حاد، حيث فقد المستثمرون الأجانب والمحليون الثقة في الليرة، وسعوا وراء الأمان بالحصول على العملات الصعبة".