بعد قتال طرابلس الضاري... مليشيات المدينة المختطفة تحت المجهر
المدينة المختطفة، كما يصفها محللون ليبيون، ترزح تحت قبضة المليشيات المسلحة، التي تتحكم في مصيرها، رافضة تسليم العاصمة إلى رئيس حكومة الاستقرار فتحي باشاغا، الذي يحاول بسط سيطرته على ليبيا

السياق
غداة اشتباكات بين مليشيات مسلحة، في العاصمة الليبية طرابلس، أسفرت عن 32 قتيلًا و 159 جريحًا، عاد الهدوء إلى المدينة التي تقع أسيرة أهواء هؤلاء المسلحين.
فـ«المدينة المختطفة»، كما يصفها محللون ليبيون، ترزح تحت قبضة المليشيات المسلحة، التي تتحكم في مصيرها، رافضة تسليم العاصمة إلى رئيس حكومة الاستقرار فتحي باشاغا، الذي يحاول بسط سيطرته على ليبيا.
ومع اندلاع الاشتباكات بين الحين والآخر، التي عادة ما تكون لخلافات حول النفوذ الجغرافي أو السياسي أو للاقتتال على الأموال، كثرت التساؤلات عن هوية هؤلاء المسلحين، ومصير العاصمة الليبية مع وجود تلك المليشيات المسلحة، وما إذا كان يمكن تحييدهم.
مليشيات الردع الخاصة
أحد أقوى المليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس، وأكثرها فتكًا وتسليحًا، خاصة أنها تتبع المجلس الرئاسي الليبي، بعد أن كانت تابعة لوزارة الداخلية الليبية.
شكلت تلك المليشيا التي يصل قوامها إلى 5 آلاف مسلح، في العاصمة طرابلس عام 2012، بعد عام من سقوط معمر القذافي، ويقودها المليشياوي عبدالرؤوف كارة.
وتتحذ تلك المليشيات المسلحة، التي تورطت في تهريب السلاح والإرهابيين، من قاعدة معيتيقة مقرًا لها، وتدير أحد السجون الليبية، الذي يقبع فيه نحو ألفي إرهابي من تنظيمي داعش والقاعدة وغيرهما.
ولا يقتصر المحتجزون في ذلك السجن على الإرهابيين، بل إن مليشيات الردع تحتجز فيه أيضًا أي معارض لسياساتها أو للحكومات التي تخدمها.
وعن تلك المليشيات، قال المحلل السياسي الليبي رضوان الفيتوري، في تصريحات لـ«السياق»، إنها دولة داخل دولة، مشيرًا إلى أنها مليشيات متعددة الجنسيات، ولا أحد يعرف ولاءها.
وأشار إلى أنها «تحتل» طرابلس وتعد القوة الضاربة فيها، بينما باقي المليشيات لا قيمة لها أمامها، مؤكدًا أنه لا أحد يستطيع تحييدها، وأنها هي التي تقرر مصير الدبيبة أو أي حكومة، ووصفها المحلل الليبي بأنها قوة احتلال أجنبية على صورة ليبية ظاهرية.
ميليشيا غنيوة
يقود تلك المليشيا المسلحة «إجراميون» بينهم عبدالغني الككلى ولطفي الحراري، وتسيطر على منطقة بو سليم والهضبة وأجزاء من طريق المطار في العاصمة طرابلس.
وبينما تتولى تلك المليشيا المسلحة تأمين مناطق مهمة وحيوية في العاصمة، فإنها تدير أحد أسوأ سجون العاصمة طرابلس سمعة، وتعد أداة ترويع بيد من يدفع أكثر، خاصة بعد أن حاصرت عددًا من المؤسسات الحكومية في طرابلس على فترات متعاقبة.
لواء النواصي «القوة الثامنة»
تتبع تلك المليشيات وزارة الداخلية الليبية، التي عهدت إليها بتأمين مقارها، وتحظى بدعم مالي سخي من مصرف ليبيا المركزي، كون من يقودها مصطفى قدور وهو ابن عم حافظ قدور المحافظ السابق للبنك المركزي الليبي.
تتكون تلك المليشيات المسلحة، التي لها صلات بقادة الإخوان في المنطقة أبرزهم علي الصلابي، من 1500 مسلح بأسلحة متوسطة وثقيلة.
مليشيات ثوار طرابلس
تتبع تلك المليشيات وزارة الداخلية الليبية، إلا أنها لا تؤمن مقارها، بل تركز على المواقع الحيوية شرقي طرابلس ووسطها، وفي مقر مزرعة النعام بتاجوراء.
وتتألف تلك المليشيات التي يقودها هيثم التاجوري من نحو 1500 مسلح، وتسيطر على البريد المركزي وعدد من الوزارات ومديرية أمن طرابلس.
ميليشيا 444
تتمركز تلك المليشيات المسلحة التي ظهرت عام 2019، في مساحة كبيرة من معسكر التكبالي وترهونة، وبني وليد، وتعد جزءًا منشقًا من ميليشيا الردع.
مليشيات الأمازيغ
تحت مسمى «القوة الوطنية المتحركة» تكونت جماعات مسلحة في مناطق عدة، كالجبل الغربي ومدن نالوت وجادو وزوارة الساحلية القريبة من حدود تونس، إلا أن هؤلاء المسلحين بأسلحة خفيفة لم يدخلوا تحالفات حتى الآن.
لم يكن ذلك التحالف الوحيد، بل إن قادة مليشيات تتمركز في مدينة الزاوية غربي ليبيا، أبرزهم: محمد القصب ومحمد الفار وعثمان اللهب، كونوا ما يعرف بجهاز البحث الجنائي، وهو تحالف لديه أسلحة ثقيلة ومتوسطة.
ولم تقتصر المليشيات المسلحة على تلك التي سُردت فقط، بل إن المدينة تضم عددًا من المليشيات الأخرى منها أبوسليم، والقوة المتحركة جنزور، وفرسان جنزور، ومليشيا 42 حرامي، مليشيا المدينة القديمة.
أمام هذا العدد الذي لا يحصى من المجموعات المسلحة ذات الولاءات المتغيرة، لن تنتهي الأزمة في العاصمة طرابلس، بل إن الوضع الأمني سيظل غير مستقر، ما دام هؤلاء موجودين.
وقال ولفرام لاشر الخبير الدولي في شؤون ليبيا إن «المجموعات المسلحة التي وجدت نفسها في جانب واحد بقتال الأمس في طرابلس، ستشتبك غدًا على الأراضي والمواقف والميزانيات».
وأضاف الخبير في المعهد الألماني الدولي للشؤون الدولية والأمنية أن «الفصائل التي كانت موالية للدبيبة أمس ستتحداه غدًا (...) هذه قصة لا نهاية لها».
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن مستقبل طرابلس لن يختلف عن ماضيها كثيرًا، فهذه المليشيات متمترسة في العاصمة منذ سنوات، وتزداد قوة وشراسة يومًا تلو الآخر، مشيرًا إلى أنها تعبث كما تشاء بأمن المواطنين.
وأوضح المحلل السياسي الليبي، أن القوة التي شوهدت خلال الاشتباكات الأخيرة، تنذر بمستقبل مظلم للبلاد، وليس لطرابلس فقط، كون ما يحدث في العاصمة سينعكس -بشكل أو بآخر- على التراب الليبي.
وأشار إلى أن هذه المليشيات كلما استمر وجودها في طرابلس وتغولها في مفاصل الدولة الحيوية، انعكس ذلك بالسلب على الوضعين الأمني والاقتصادي، محذرًا من أن العواقب ستكون وخيمة، حال استمرارها في أفعالها بلا رادع.
وعن المليشيات الأخطر، قال المحلل الليبي إن أخطر المليشيات تلك التي يقودها غنيوة الكلكلي، إضافة لقوة الردع التي يقودها عبدالرؤوف كارة، مشيرًا إلى أنه تبرز -أيضًا- مليشيا النواصي التي ينتمي معظم منتسبيها للجماعة الليبية المقاتلة.
أما عن إمكانية تحييد هؤلاء، فأكد المحلل الليبي أن هناك طريقين لا ثالث لهما، إما حلها وإعادة هيكلتها وضمها للقوات المسلحة والأجهزة الشرطية، مشيرًا إلى أن هذا الحل يحتاج إلى هيكلة الأجهزة الشرطية على وجه الخصوص، بشكل يضمن عدم تكوين جيوب ومليشيات، تصبح مشرعنة وتعمل تحت غطاء الدولة.
وأوضح أن الحل الآخر يتمثل في التخلص من هذه المليشيات بقوة السلاح، مؤكدًا أنه غير ممكن بسبب الأضرار التي ستلحق بالمواطنين جراء الاشتباكات.
وعن تفعيل اتفاق جنيف، القاضي بحل المليشيات المسلحة، فأكد المحلل الليبي أن المجتمع الدولي لا يريد استقرار ليبيا، معللًا ذلك بقوله، إنه ما زال يكتفي بخطابات وبيانات التنديد والاستنكار من دون اتخاذ قرارات حاسمة.
وشدد على أن على رئيس حكومة الاستقرار فتحي باشاغا الذهاب أولًا للحصول على دعم دولي، ثم عقد صفقات داخلية يكون هدفها إضعاف الدبيبة، ليتمكن من دخول طرابلس بشكل سريع وأكثر سلاسة، ومن ثم بدء تحييد المليشيات.