جبهة المقاومة الوطنية... البعبع الذي يهز عرش طالبان
تشهد أفغانستان حركة مقاومة تنمو بشكل مطرد لكنها في حاجة إلى دعم دولي.

ترجمات - السياق
لقد مر عام على سقوط جمهورية أفغانستان الإسلامية وعودة طالبان إلى السلطة في كابل.
ورغم مشكلاتها، كانت أفغانستان قبل أغسطس 2021 دولة ديمقراطية حرة، والآن في حالة من الاضطراب والفوضى وعلى حافة أسوأ أزمة إنسانية في العصور الحديثة في ظل اقتصاد ممزق كما يواجه سكانها أزمة حادة تتعلق بانعدام الأمن الغذائي.
وأصبح الاتجار بالبشر وتجارة المخدرات في تزايد بالدولة الآسيوية. قتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابل يشير إلى الروابط المستمرة التي تجمع طالبان بالجماعات الإرهابية العابرة للحدود.
هذه الفوضى التي تقبع فيها أفغانستان سوف تؤدي إلى تأجيج المزيد من الإرهاب والعنف لكن المجتمع الدولي يكتفي فقط بالمشاهدة في الوقت الذي تتفكك فيه أفغانستان.
يبدو أن القوى الإقليمية والعالمية مستعدة لقبول حكم أمر الواقع لطالبان حتى رغم افتقاد الحركة شرعية ودعم السكان.
ينبغي ألا يسلم العالم الأفغان إلى هذا المستقبل القاتم. على الأقل، ثمة قوة واحدة باقية في هذا البلد تسعى إلى دحر طالبان ومحاربة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش واستعادة الديمقراطية. جبهة المقاومة الوطنية (NRF) هي المنظمة المعارضة الأشد تسليحًا والأكثر قدرة في أفغانستان ويقودها أحمد مسعود، نجل الراحل شاه مسعود، ذلك الزعيم المخضرم الذي بزغ اسمه في عهد الكفاح ضد السوفييت، المعارض الشرس لطالبان، الذي اغتاله تنظيم القاعدة عام 2011 قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر.
على غرار والده الذي كان مقاومًا لطالبان والإرهابيين قبل عقود، انتهج أحمد مسعود الشيء نفسه العام الماضي.
وعندما لاذ أشرف غني رئيس جمهورية أفغانستان المتداعية بالفرار في أغسطس الماضي بجانب باقي المسؤولين، اتخذ أحمد مسعود قرارًا بالبقاء والقتال.
وفي مسقط رأسه بنجشير، استطاع الرجل حشد آلاف الجنود من قوات الأمن الوطني الأفغانية الذين اختاروا الانضمام إلى جبهة المقاومة الوطنية.
علاوة على ذلك، توافد مسؤولون بارزون من أعضاء حكومة الجمهورية الأفغانية السابقة إلى بنجشير للتحالف مع مسعود في مقاومته لطالبان.
لقد خاضت جبهة المقاومة الوطنية معارك ضارية ضد طالبان حتى منتصف سبتمبر من العام الماضي عندما أمر مسعود قواته بالانسحاب إلى أودية بنجشير واندراب الجانبية وتبني استراتيجية حرب العصابات.
منذ ذلك الحين، يمارس الجناح العسكري للجبهة عملياته شمالي أفغانستان بينما يقع مقر الجناح السياسي لها خارج أفغانستان.
ولا تزال جبهة المقاومة الوطنية نشطة شمالي أفغانستان.
وفي الأسابيع الأخيرة، هاجمت الجبهة مواقع لطالبان وحررت قرى من قبضتها وشنت ضربات استهدفت الجماعات الإرهابية الدولية شمالي أفغانستان التي سمحت طالبان بوجودها مجددًا في البلاد.
جبهة المقاومة الوطنية تمنح بريقًا من الأمل ولكن -حتى الآن- لم يقدِّم المجتمع الدولي لها أي دعم لإنقاذ أفغانستان من القبضة الوحشية القمعية لطالبان وحلفائها الإرهابيين.
ينبغي أن تساعد القوى الخارجية من خلال منح الجبهة فرصة للقتال.
فجر المقاومة
لم تكن الجمهورية التي أسقطتها طالبان عام 2021 خالية من العيوب. لقد اتسمت الحكومات التي حكمت أفغانستان على مدى 20 عامًا بالمركزية المبالغ فيها، وكانت تعتمد على بناء شخصية رئيس بصلاحيات تجعله أشبه بملك، وهو ما أدى إلى ظروف مواتية لتفشي الفساد وتمكين المقربين والحلفاء السياسيين وتهميش مصالح أغلبية الأفغان.
ودفعت مشاعر الاستياء تجاه الحكومة البعيدة والمتغطرسة في كابل العديد من الناس في أرجاء أفغانستان إلى الانضمام لطالبان.
وتؤمن جبهة المقاومة الوطنية بأن أفغانستان ينبغي أن يتم حكمها كجمهورية ديمقراطية غير مركزية، ومن خلال نظام سياسي يمثل بشكل أفضل كل الجماعات العرقية ويضمن حقوقًا متساوية للمواطنين بصرف النظر عن العرق والدين والجنس.
وفي دولة مثل أفغانستان لا تشكل أي جماعة عرقية أغلبية سكانية، فإن نظامًا سياسيًا لا مركزيًا هو الوحيد القادر على توزيع السلطة بشكل متساوٍ والتيقن من الاستقرار السياسي وضمان العدالة.
ينبغي أن تنتقل السلطات من العاصمة إلى الأقاليم والمديريات كما يجب أن يتم انتخاب المسؤولين المحليين من خلال الشعب بدلًا من تعيينهم بواسطة الحكومة المركزية.
أفغانستان لا مركزية من شأنها أن تسمح للشعب بأن يكون أكثر قربًا من القرارات التي تشكل حياتهم كما تتيح إمكانية محاسبة المسؤولين وخضوعهم للمساءلة.
وقبل تأسيس هذه العملية، ينبغي إحياء الديمقراطية والمؤسسة الانتخابية لتمهيد الطريق إلى حكومة أكثر عدلًا ومصداقية.
جبهة المقاومة الوطنية تصر على أن الانتخابات الحرة والعادلة المصدر الوحيد للشرعية السياسية في أفغانستان ومن دونها لا يمكن لأي جماعة الادعاء بأنها تمثل الشعب الأفغاني.
لتحقيق هذا المأرب، لجأت جبهة المقاومة الوطنية إلى الكفاح المسلح ضد طالبان وشركائها. ويتألف الجناح العسكري للجبهة من بقايا القوات المسلحة السابقة لأفغانستان التي تلقت تدريبات وإرشادات وتمويل من الولايات المتحدة و"الناتو" خلال العقدين الماضيين ولم يكن انهيار جمهورية أفغانستان الإسلامية خطأهم.
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سحب معه موارد ضرورية ومقاولين ومستشارين، ما قلص قدرة قوات الأمن الوطني لأفغانستان على مقاومة تقدم طالبان بشكل فعال.
الأكثر أهمية أن الجيش الأفغاني تعرض للخذلان من قيادة سياسية ضعيفة. لقد افتقد أشرف غني ومستشاروه التدريب العسكري والخبرة واتخذوا قرارات وتعيينات عسكرية كبيرة من القصر الرئاسي ضاربين بعرض الحائط نصائح المسؤولين الأمنيين.
ولحسن الحظ، فإن القادة الأكثر كفاءة ظلوا في أفغانستان. لقد توافد الآلاف من الجنود الأفغان إلى بنجشير في أغسطس 2021 للاحتشاد حول مسعود ومواصلة الكفاح ضد طالبان وحلفائها الإرهابيين.
ورغم افتقادها الموارد الكافية، تملك جبهة المقاومة الوطنية الإرادة للقتال وتتبنى قضية مشروعة وتستفيد من القيادة القوية.
وتؤمن جبهة المقاومة الوطنية بأن أحمد مسعود، ذلك القائد الشريف الشاب المثقف قادر على تحرير البلاد من طالبان وتأسيس نظام سياسي واجتماعي جديد سوف يصب في مصلحة الأفغان.
هجوم الربيع
العام الفائت، واصلت جبهة المقاومة الوطنية قتالها، رغم أن القوى الخارجية تخلت عن أفغانستان.
المخاطر المرتبطة بالصراع الحالي كبيرة تتجاوز مجرد نشوب حرب أهلية.
لقد سمحت طالبان للجماعات الإرهابية الإقليمية والدولية بتأسيس قاعدة في أفغانستان.
آلاف المقاتلين الأجانب من الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا من الذين يتحدثون لغات غير معروفة للأفغان يعيشون في أرجاء الوطن تحت حماية طالبان.
هؤلاء المتشددون مسلحون بتلك الأسلحة والمعدات التي خلفها "الناتو" أثناء الفوضى الناجمة من الانسحاب الأمريكي، التي تتجاوز قيمتها 7 مليارات دولار.
هؤلاء يشكلون تهديدًا لا يمس فقط استقرار أفغانستان، بل المنطقة بشكل أوسع. لقد سلمت طالبان مهمة تأمين حدود أفغانستان- طاجيكستان إلى جماعات متشددة تضم جماعة أنصار الله والحركة الإسلامية في أوزبكستان.
مؤخرًا، بمساعدة من طالبان، شكل إرهابيون من طاجيكستان جماعة تحت مسمى "حركة طالبان في طاجيكستان" تستهدف إقامة إمارة إسلامية وسط آسيا.
هجوم الطائرة المسيرة الذي قتل مؤخرًا الظواهري في قلب كابل يكشف عن العلاقات العميقة والمتشابكة بين طالبان والجماعات الإرهابية مثل القاعدة.
ورغم هذه التطورات المزعجة، تقف جبهة المقاومة الوطنية بمفردها، من دون أن تقدم لها ولو دولة واحدة مساعدات عسكرية رغم كونها جزءًا من حرب أوسع نطاقًا لتعزيز الأمن والمبادئ على مستوى العالم.
بيد أن جبهة المقاومة الوطنية -رغم ذلك- لا تزال قادرة على الاستمرار والنمو. لقد تعين عليها الاعتماد على مواردها الخاصة للحفاظ على آلاف القوات في الشمال أثناء الربيع القاسي في جبال هندوكوش. ويمثل ذلك عملًا شاًقا تطلب تأسيس خطوط إمداد لوجستية لتزويد جنود الجبهة بالمأوى والملبس ووسائل الاتصال والأسلحة والذخيرة.
ولحسن الحظ، لم تنجح جبهة المقاومة الوطنية فحسب في التكفل بقواتها لكنها مدت -مارس الماضي- نطاق عملياتها من إقليمين إلى 12 إقليمًا.
اليوم، تقاتل الجبهة بنشاط في 6 أقاليم لمواجهة طالبان، وباتت قادرة على بناء قواعد دائمة في مناطق تمتد في أرجاء شمالي أفغانستان، وشنت بنجاح العديد من الهجمات ضد مواقع لطالبان في إقليم ننجرهار شرقي أفغانستان.
اختيار قياسٍ من جبهة المقاومة الوطنية تمثل بنجاحها في شن هجوم ربيعي هذا العام، بدأ مايو الماضي، فاق التوقعات، لا سيما أن الجبهة استخدمت تكتيك حرب العصابات لمهاجمة طالبان، بعكس تكتيك الحرب الأكثر تقليدية المطلوب لتحرير أقاليم.
بيد أن جبهة المقاومة الوطنية استطاعت إنهاك قوى العدو والظفر بموارد تتضمن مخابئ للأسلحة والذخائر، إضافة إلى فتح جبهات جديدة وإظهار كفاءة محاربيها من دون الحصول على قطرة مساعدة واحدة من أي دولة.
العديد من المراقبين الغربيين اقترحوا دعم حكوماتهم لطالبان لاحتواء خطر داعش في أفغانستا،ن من باب أنه من الأفضل اختيار أقل هذين الشررين ضررًا بدلًا من تسليم أفغانستان إلى داعش.
بيد أن داعش ليست القوة التي يمكن أن تشكل تهديدًا لطالبان، حيث إن خصومها الأشد حاليًا قوات جبهة المقاومة الوطنية الموالية للديمقراطية.
في الأسابيع الأخيرة، سارعت طالبان لشن هجوم مضاد استهدف مواقع جبهة المقاومة الوطنية لكن الأولى تكبدت خسائر فادحة. العديد من كبار المسؤولين الذين قادوا الهجوم، بينهم الملا محمد يعقوب عادوا إلى كابل وقندهار بعد فشل هجماتهم.
وفي بنجشير -هذا الأسبوع- استطاعت قوات جبهة المقاومة الوطنية قتل العشرات من مقاتلي طالبان وأسرت العشرات منهم. وتشعر طالبان بالإحباط وبأنها غير قادرة على دحر الجبهة شمالي أفغانستان.
الطريق إلى النصر
تعد هذه التطورات –من دون شك- واعدة، لكنها تمثل نجاحًا هشا إذ إن جبهة المقاومة الوطنية،كي تستطيع ترجمة إنجازاتها إلى انتصارات أكثر أهمية، ولكي تتحول من الحرب غير التقليدية إلى حرب تقليدية، سوف تكون بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي.
استفادت طالبان من تلك المكاسب المفاجئة بالحصول على أسلحة بمليارات الدولارات خلفها انسحاب قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو.
تحتاج جبهة المقاومة الوطنية إلى المساعدة للتعامل مع هذا العدو المجهز بشكل جيد، بيد أن القوى الأجنبية ينبغي ألا تقتصر على دعم الجبهة في حربها ضد طالبان، إذ إن الجبهة تظل جزءا محوريا لأي حملة جادة تسعى إلى الحد من التهديدات الإرهابية التي يمكن أن تنتشر انطلاقًا من أفغانستان.
تجاهل المجتمع الدولي أفغانستان في معظم حقبة التسعينيات من القرن المنصرم في وقت استطاعت فيه طالبان أن تتحكم في مقاليد الأمور هناك واستضافت الإرهابيين الدوليين مثل أسامة بن لادن. ينبغي على العالم أن يقترف الخطأ المكلف نفسه مجددًا.
للأسف، تبنى المجتمع الدولي سياسة استرضاء طالبان. ومنحت وسائل إعلام دولية لطالبان منصات عدة للترويج لسردها الزائف وتقديم وعود فارغة بشأن ضمان حرية المرأة وقطع العلاقات بالجماعات الإرهابية وتشكيل حكومة شاملة وممثلة للجميع. إنها تعهدات لن يوفوا بها على الإطلاق.
وبعكس رسالة طالبان للجمهور العالمي، لا تزال الحركة تحاصر النساء الأفغان ولا تتسم بالمرونة نحوهن، وترتكب فظائع ضد الشعب الأفغاني وتحرِّض الجماعات الإرهابية.
تدرك جبهة المقاومة الوطنية جيدًا أن أفغانستان شهدت الكثير من سفك الدماء على مدى العقود الأخيرة. لقد سعت الجبهة إلى حل سلمي لإنهاء الصراع في الدولة، لكن طالبان لا تملك أي رغبة في هذه العملية السلمية.
وبسبب تطرف طالبان العنيد، تعتقد جبهة المقاومة الوطنية أن المقاومة المسلحة الاستراتيجية الوحيدة المعقولة لتحرير أفغانستان ومكافحة الإرهاب الدولي.
أفغانستان في منعطف خطير وسوف يتدهور الوضع إذا تم تجاهله من المجتمع الدولي من خلال عواقب أمنية وسياسة تضر الجميع.
تحت راية جبهة المقاومة الوطنية، يملك الشعب الأفغاني فرصة القتال لتشكيل حكومة ديمقراطية وعادلة تعبِّـر عن إرادتهم ومصالحهم.
لكن لا مبالاة المجتمع الدولي تمثل مكافأة لطالبان وتمنحها الشرعية، وهو خيار مروِّع عندما يكون هناك بديل في مرحلة التكوين.
__________
مقال للكاتب علي ميسم نظري، نقلا عن: فورين أفيرز