هل تدفع تركيا ثمن مساعدة إيران في خرق العقوبات؟

آيان ساعد طهران في تحقيق قرابة مليار دولار، من عائدات النفط منذ عام 2020، باستخدام شبكة من الشركات في جميع أنحاء العالم، لإخفاء المصدر الحقيقي للنفط الإيراني، عبر شركات ومصارف الواجهة في الهند وروسيا.

هل تدفع تركيا ثمن مساعدة إيران في خرق العقوبات؟

ترجمات – السياق

تساءلت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، عن إمكانية أن تدفع تركيا ثمن مساعدتها لإيران، في خرق العقوبات الغربية، مشيرة إلى أنه طالما استمرت أنقرة -الحليف بـ"الناتو"- في تمكين خصوم مثل إيران، بالتهرب من العقوبات الأمريكية، فستكون حليفًا بالاسم فقط.

وأشارت المجلة إلى أن تركيا تورطت -مجددًا- في مخطط وقح آخر للتحايل على العقوبات الأمريكية على إيران، إذ فرضت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل أيام، عقوبات على رجل الأعمال التركي البارز صدقي أيان وشبكة شركاته، متهمة إياه بتيسير بيع نفط وغسل أموال -بمئات الملايين من الدولارات- لصالح الحرس الثوري الإيراني.

وقالت وزارة الخزانة الأمريكية، في بيان: إن شركات أيان أبرمت عقود بيع دولية للنفط الإيراني، ورتبت شحنات وساعدت في غسل أموال العائدات، وأخفت مصدر النفط الإيراني، لصالح فيلق القدس التابع للحرس الثوري.

وأدرجت وزارة الخزانة، أيان المقرب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونجله بهاء الدين الضابط في الجيش التركي، على قائمتها السوداء، وجمدت أي أصول تابعة لهما على الأراضي الأمريكية، ومنعت وصولهما إلى الأسواق المالية والتجارية العالمية.

ورأت المجلة الأمريكية، أن غض الطرف المستمر من واشنطن، عن السماح لأنقرة بخرق العقوبات المفروضة على طهران، سيخيب آمال أولئك الذين رأوا دعم تركيا لأوكرانيا وإصلاح العلاقات السياسية مع إسرائيل، كمؤشر على علاقتها الاستراتيجية المتجددة وتماهيها مع الغرب، مشيرة إلى أن الخرق التركي للعقوبات الغربية، يوجِّه ضربة قوية للنظرية القائلة إن الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، يمكن أن تكون بمنزلة ضابط دائم ضد إيران.

 

دعم الإرهاب

وبينت "ناشيونال إنترست" أنه نظرًا لأن إدارة بايدن تتطلع -على مضض- إلى تبني عقوبات جديدة ضد إيران، بسبب قمع النظام الديني للمتظاهرين، وتعميق العلاقات العسكرية مع روسيا، وآخرها تصدير الطائرات من دون طيار إلى موسكو، وتصعيد البرنامج النووي، يجب عليها أولًا أن تتعامل مع الواقع المرير، المتمثل في التجارة غير المشروعة للنفط الإيراني، عبر الوسيط التركي.

وشددت على أن المبيعات التي أبرمتها شركات أيان لبيع النفط الإيراني من الباطن، ساعدت طهران في مواصلة عملياتها الإرهابية، سواء في الداخل ضد المتظاهرين، أم في الخارج عبر أذرعها المسلحة في سوريا والعراق ولبنان واليمن.

وبحسب ما ورد، في مارس 2021، قاد أيان وفدًا تجاريًا تركيًا في اجتماع مع مسؤولين إيرانيين خاضعين للعقوبات في بيروت، حيث سعى الجانبان إلى زيادة عمليات تهريب "النفط الإيراني إلى مشترين في الصين وروسيا لجمع الأموال لوكلاء طهران الإرهابيين".

وشملت العقوبات الأمريكية نجل صدقي أيان بهاء الدين، وشريكه قاسم أوزتاس، وتركيين آخرين مشاركين في شبكة أعماله، إلى جانب 26 شركة، بما في ذلك مجموعة شركات إيه إس بي القابضة، ومقرها جبل طارق، إضافة إلى سفينة شحن.

بينما يقول تقرير لصحيفة بوليتيكو الأمريكية: إن آيان ساعد طهران في تحقيق قرابة مليار دولار، من عائدات النفط منذ عام 2020، باستخدام شبكة من الشركات في جميع أنحاء العالم، لإخفاء المصدر الحقيقي للنفط الإيراني، عبر شركات ومصارف الواجهة في الهند وروسيا.

وأضاف التقرير أنه في إحدى الحالات، استخدم أيان بنك شركته في اسطنبول لتحويل ما لا يقل عن 80 مليون دولار إلى حسابات يسيطر عليها بهنام شهرياري، القائد البارز في فيلق القدس الإيراني، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني.

ونقلت "بوليتيكو" عن مسؤول غربي -لم تذكر اسمه- قوله: "يشغل سيتكي أيان حاليًا منصب رئيس أكبر شبكة مالية لفيلق القدس في تركيا وربما في العالم".

ويرى دبلوماسيون غربيون أن هذه الأموال استفاد منها فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وهو مجموعة مسلحة خاضعة للعقوبات الأمريكية، ويعد العقل المدبر لعدد من الوكلاء الإرهابيين في المنطقة، أبرزها (حزب الله اللبناني)، ووكيل إرهابي آخر خاضع للعقوبات، والحوثيون في اليمن.

وحسب المجلة، يدير كل من فيلق القدس وحزب الله اللبناني، عددًا من العمليات الإجرامية مثل (الخطف والاغتيالات وتهريب المخدرات)، للمساعدة في عمليات الدعم المادي لعدد من الجماعات الإرهابية التابعة لإيران.

 

رجل غير عادي

وبينت "ناشيونال إنترست" أن أيان "ليس رجل أعمال تركيًا عاديًا وجد نفسه فجأة في تحالف مع مهربي الحرس الثوري الإيراني"، إذ تكشف وثائق مسربة عن مشاريع تجارية مع شركات أيان وإيران، تحاول تصدير الغاز إلى أوروبا.

وأشارت إلى أنه في تركيا، تذهب علاقات أيان إلى القمة.

وكشفت صحيفة بوليتيكو أن إيان وأردوغان التحقا بالمدرسة الدينية نفسها (إمام خطيب) عندما كانا مراهقين في اسطنبول، ثم عززا لاحقًا العلاقات الشخصية والمهنية.

على سبيل المثال، ورد أن أيان كان له دور حاسم في إخفاء ملكية أردوغان لناقلة نفط بـ 25 مليون دولار حصل عليها عام 2008.

وظهر اسم أيان أيضًا في محادثات هاتفية سرية بين أردوغان وابنه بلال أردوغان عام 2014، حيث تورط الأخيران في قضايا الكسب غير المشروع.

لكن المجلة الأمريكية ترى أنه رغم أن معرفة أردوغان أو مشاركته أو احتمال تربحه من عمليات أيان مع إيران لا تزال مجهولة، فإن استمرار النشاط المالي غير المشروع، خلال شبكة واسعة من الجبهات في تركيا تفيد إيران، يعيد إلى الأذهان مخططًا آخر لخرق العقوبات بين تركيا وإيران، وصل إلى أردوغان نفسه.

فقبل ثلاث سنوات فقط، اتهم المحامون الأمريكيون في المنطقة الجنوبية لنيويورك بنك خلق، وهو مؤسسة مالية تركية كبيرة مرتبطة بالدولة، بالاحتيال وغسل الأموال وانتهاكات أخرى للعقوبات، منها المشاركة في مخطط أسفر عن أموال محظورة تقدر بنحو 20 مليار دولار لطهران داخل البنك.

تُعرف هذه الأموال بمخطط "الغاز مقابل الذهب"، وقد ساعدت طهران في التحايل على ذروة العقوبات الأمريكية قبل الاتفاق النووي (2011-2012) من خلال شراء الذهب الذي يُزعم أنه كان نيابةً عن حكومة إيران باستخدام الإيرادات المحققة من مبيعات الطاقة الإيرانية، المحفوظة في الحسابات التركية.

والأسوأ من ذلك -حسب المجلة- أنه من منتصف عام 2013 عندما اكتشف الكونغرس الأمريكي اهتمامًا بالبورصة والثغرات التي مكنتها من ذلك، أخفيت التجارة باستثناءات إنسانية في قانون العقوبات الأمريكي للأغذية والأدوية، التي كُشف لاحقًا أنها لم تسلم مطلقًا.

وأشارت إلى أنه خلال التحقيق في خروق بنك خلق والإفصاحات التي تلت ذلك، كُشف عن تورط أردوغان بأنه سمح لمخطط التهرب بالحدوث.

ومنذ صدور الحكم، الذي قيد في عملية استئناف مطولة، كافأ أردوغان منتهكي العقوبات المختارين، بينما حاولت الحكومة التركية إزالة القضية، للإحراج الذي تسببت فيه للعلاقات بين أنقرة وواشنطن، بخلاف الغرامات الهائلة التي يمكن أن تُفرض على البنك، التي بدورها ستكون لها آثار مضاعفة في الاقتصاد التركي.

 

سبب الإصرار التركي

وأوضحت "ناشيونال إنترست" أنه في حين أن الحكمة تملي على الشركات التركية أن تتجنب الصفقات غير المشروعة مع إيران بعد تلك التجربة، إلا أن أنشطة شبكة أيان تثبت عكس ذلك، متسائلة: "لماذا تستمر تركيا في الاشتراك عن قصد في أعمال مماثلة؟".

وتجيب المجلة: "على الورق، كانت تركيا تحاول فطم نفسها عن الطاقة الإيرانية، خلال النصف الأخير من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (2018-2020) لتجنُّب التعرض للعقوبات، لكن مجرد تنوع واردات أنقرة من الطاقة، لا يعني توقف أنشطتها غير الرسمية".

وأشارت إلى أنه مع تصاعد ضغط العقوبات على إيران وتراجع التجارة الرسمية، ربما شعرت الشركات التركية، التي تتحمل المخاطر -مثل تلك الموجودة في شبكة أيان- بفرصة أكبر لكسب ربح من خلال مساعدة جيرانها في كسر العقوبات.

على المستوى الاستراتيجي وفي الوقت الحاضر -حسب المجلة- ستدعم هذه الشركات تصور أن الغرب يحتاج إلى تركيا أكثر من أي وقت مضى، ومن ثمّ من المرجح أن يغض الطرف عن أي مشاريع فاسدة.

وبينت أن تركيا لعبت بالفعل دورًا كبيرًا في تزويد القوات الأوكرانية بطائرات من دون طيار لمقاومة الهجمات الروسية وإحباطها، فضلًا عن أنها أصبحت أيضًا وسيطًا مهمًا بين روسيا وأوكرانيا.

كما ساعدت تركيا في تسهيل شحنات الحبوب الأوكرانية، ومنع حدوث أزمة غذائية واقتصادية عالمية.

ورأت المجلة الأمريكية، أن هذه الإجراءات قد تكون شجعت أردوغان على لعب الكرة بقوة مع الغرب في مناطق أخرى، من دون أي تكلفة، ومن ذلك -على سبيل المثال- تعد تركيا الدولة الوحيدة في "الناتو" التي ترفض انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف.

وبناءً على ذلك، يجب على صانعي السياسات إيلاء المزيد من الاهتمام لكيفية استمرار تركيا وإيران، في محاولة تخريب النظام المالي الرسمي، من خلال ممارسات تجارية مشكوك فيها، بدلاً من التركيز على أهداف تجارتهم الخارجية.

على سبيل المثال -حسب المجلة- في حين أن كلا البلدين يرغب في الحصول على ميزان تجاري رسمي يبلغ 30 مليار دولار سنويًا ، نظرًا لتاريخ خرق العقوبات، فإن أي تقييم للعلاقات الاقتصادية بين تركيا وإيران، يجب أن يأخذ في الاعتبار الترابط السياسي، الذي تتمتع به البنوك والشركات التركية، وحتى الأشخاص.

وأضافت: "يجب على إدارة بايدن أن تفوض وزارة الخزانة وأي سلطات ذات صلة بالتحقيق، إلى أقصى حد ممكن في التدفقات المالية، التي تتيحها شبكة أيان والمنظمات الإرهابية المحددة التي تمولها، لإعاقة عمليات التهريب المستمرة وردعها في المستقبل".

وتابعت: "حان الوقت لأن يدرك صانعو السياسة أنه طالما استمرت تركيا في تمكين خصوم مثل إيران، في التهرب من العقوبات الأمريكية، فإنها ستكون حليفًا بالاسم فقط".