بوليتيكو: فضيحة قطر تسبب صداعًا كبيرًا لأوروبا
قال مدّعون بلجيكيون إنهم بدأوا التحقيق في شبهات فساد بالاتحاد الأوروبي، قبل تنفيذ عمليات الدهم والاعتقالات، في الأيام الماضية

ترجمات - السياق
سلَّطت صحيفة بوليتيكو الأمريكية، الضوء على مزاعم تقديم قطر هدايا مادية لأعضاء في البرلمان الأوروبي لشراء النفوذ، مشيرة إلى أن "الفضيحة تسبب صداعًا كبيرًا لأوروبا".
كانت النائبة اليونانية في البرلمان الأوروبي، إيفا كايلي، من بين 6 أشخاص اعتُقلوا خلال مداهمات نفذتها الشرطة، حيث عُثر حينها على 1.5 مليون يورو (1.6 مليون دولار).
وذكرت تقارير أن الأموال مرتبطة بقطر، بينما علّق البرلمان الأوروبي -الأسبوع الماضي- وصول ممثلي قطر إلى الهيئة.
وقال مدّعون بلجيكيون إنهم بدأوا التحقيق في "شبهات فساد" بالاتحاد الأوروبي منذ أكثر من عام، قبل تنفيذ عمليات الدهم والاعتقالات، في الأيام العشرة الماضية.
وقالت الصحيفة: "تأتي فضيحة الفساد المزعومة في قطر التي تجتاح البرلمان الأوروبي، في وقت أكثر صعوبة بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي الفقيرة بالغاز، ولألمانيا على وجه الخصوص"، مشيرة إلى أنه مع رغبة الاتحاد الأوروبي اليائسة في التخلص من الغاز الروسي، تظهر أزمة الفساد في البرلمان الأوروبي أنه لا يوجد بديل سهل.
وذكرت أن الدولة الخليجية تقع في قلب مزاعم (المال مقابل النفوذ) التي هزت ديمقراطية الاتحاد الأوروبي في صميمها، لكن كمصدر رئيس للغاز الطبيعي المسال (إل إن جي) ، تعد قطر حيوية أيضًا لخطط أوروبا للتعامل مع أزمة الطاقة.
من جانبها، دانت قطر، الأحد، تحقيقًا بشبهة الفساد فتحته بلجيكا، وقرارًا بتعليق تعامل الدوحة مع برلمان الاتحاد الأوروبي، موضحة أن هذا الأمر "قد يؤثر في العلاقات وكذلك في إمدادات الغاز الطبيعي بين الطرفين".
بينما رد وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، على ذلك بتأكيد أهمية الحفاظ على إمدادات الغاز من قطر، رغم فضيحة الفساد التي يجرى التحقيق فيها.
وقال هابيك، على هامش اجتماع وزراء الطاقة الأوروبيين، إن الفساد المزعوم لقطر مع سياسيي الاتحاد الأوروبي، يجب فصله عن قضية الغاز، قائلاً: "هذان أمران مختلفان".
أهمية قطر
ورأت "بوليتيكو" أنه من المقرر أن تزداد أهمية قطر كمصدر موثوق للغاز في الأشهر المقبلة، ما يضيف طبقة من التعقيد إلى المعادلة الدبلوماسية لدول الاتحاد الأوروبي، خصوصًا إذا دانت السلطات البلجيكية، الدوحة رسميًا في تحقيقها المستمر بشأن الفساد.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بالنسبة لألمانيا على وجه الخصوص، التي تسعى بشدة للعثور على موردين بديلين للغاز الروسي، فإن الضجة تبرز كيف أنه نادرًا ما توجد خيارات سهلة في عالم الجغرافيا السياسية للطاقة.
ووفقًا لأرقام المفوضية الأوروبية، تمثل الواردات الإجمالية من الغاز الطبيعي المسال القطري، أقل بقليل من 5 في المائة من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز -حتى الآن- هذا العام، لكن أهمية قطر بالنسبة لأمن الطاقة في أوروبا، من المقرر أن تنمو بفضل التوسع الهائل في طاقتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال، حيث من المقرر الانتهاء من مشروعين رئيسين عامي 2026 و2027.
وتأتي ألمانيا في المرتبة الأولى، من حيث الاهتمام بالغاز القطري المسال.
وبينت الصحيفة الأمريكية، أن برلين تعد الأكثر يأسًا بين عواصم الاتحاد الأوروبي، في ما يخص تأمين إمدادات بديلة من الغاز، بعد أن كانت تعتمد على روسيا، في ما لا يقل عن 55 في المئة من إمداداتها، قبل الحرب في أوكرانيا.
وذكرت أنه خلال الشهر الماضي، وقعت الشركات الألمانية عقدًا للغاز مدته 15 عامًا مع شركة قطر للطاقة المملوكة للدولة، وشركة كونوكو فيلبس الأمريكية، ما يضمن مليوني طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنويًا بدءًا من عام 2026.
كابوس أخلاقي
ونقلت "بوليتيكو" عن الدكتورة سينزيا بيانكو، الزميلة في الأبحاث الخليجية بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قولها: "أصبحت دول بالاتحاد الأوروبي –مثل إيطاليا– أكثر اهتمامًا بالغاز الطبيعي المسال القطري، لكن معظمها ناقش صفقات السوق التي ستوفر الغاز على الفور".
وأضافت بيانكو، الحاصلة على درجة الدكتوراه في سياسات الشرق الأوسط: "ألمانيا الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي، التي وقعت اتفاقية طاقة طويلة الأمد مع قطر".
وتعليقًا على صفقة الغاز الألمانية القطرية، قالت الدكتورة سينزيا بيانكو: "هذه الصفقة، رغم أنها جيدة لأمن الطاقة، فإنها قد تصبح كابوسًا أخلاقيًا لبرلين".
أمام ذلك، دافع وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك عن الصفقة، وقال ردًا على سؤال بعد اجتماع لوزراء الطاقة بالاتحاد الأوروبي في بروكسل، عما إذا كان من الصواب "شراء الغاز من قطر بعد كشف فسادها المزعوم مع سياسيي الاتحاد الأوروبي": يجب فصل هذه القضية عن قضية الغاز، مضيفًا: "هذان أمران مختلفان".
ولفت هابيك إلى أن "الرشوة جريمة جنائية ويجب موازنة التجارة مع الدول الأخرى بالعواقب الأخلاقية"، مشيرًا إلى أنه "من المهم في الوقت نفسه ضمان أمن الإمدادات".
واستطرد: "في هذه الحالة، عندما يتعلق الأمر بشراء الغاز، فإن لأوروبا أو ألمانيا مصلحة في تعويض خسارة الغاز الروسي، لذلك أعتقد أن علينا التمييز بين الاثنين".
يشار إلى أن البرلمان الأوروبي، صدَّق -مؤخرًا بأغلبية كبيرة- على إقالة نائبة رئيسته إيفا كايلي من منصبها إلى جانب 5 آخرين، بينما أصر محامي كايلي على براءتها.
بينما تعذّر على كايلي الاستفادة من حصانتها البرلمانية، لأنها أوقفت "في حالة تلبّس" حسب مصدر قضائي.
كانت النيابة الفدرالية البلجيكية أعلنت "عملية تفتيش تستهدف مكاتب البرلمان الأوروبي في بروكسل، على خلفية فضيحة الفساد".
صعوبة الخلط
ورأت "بوليتيكو" أن أمن الطاقة مهم للغاية، بحيث لا يمكن خلطه بفضيحة البرلمان الأوروبي.
من جانبها، نفت الحكومة القطرية ارتكاب أي مخالفات، وردت الدوحة على هذه المزاعم واتهمت بروكسل باتخاذ إجراءات "تمييزية" ضدها بناءً على معلومات "غير دقيقة".
وفي بيان أوردته وسائل الإعلام، قال دبلوماسي قطري إن قرار فرض "هذه القيود التمييزية التي تحدّ من الحوار والتعاون، على قطر قبل انتهاء التحقيق سيؤثر سلبًا في التعاون الأمني الإقليمي والعالمي، فضلاً عن المحادثات الجارية عن نقص وأمن الطاقة العالميين".
وأضاف البيان: "نرفض بشدة الاتهامات التي تربط حكومتنا بسوء السلوك"، وتابع: "قطر ليست الطرف الوحيد الذي ذُكر في التحقيق، ومع ذلك فإن بلدنا تعرض بشكل منفرد لانتقادات وهجمات".
ورأى الدبلوماسي أنه "من المخيب للآمال بشدة أن الحكومة البلجيكية لم تبذل جهدًا للتواصل مع حكومتنا لمعرفة الحقائق عندما علمت بالاتهامات"، وشدد البيان على العلاقة "الوثيقة" مع بلجيكا.
وقال: "بلدانا تعاونا خلال جائحة كورونا، وقطر مزود مهم للغاز الطبيعي المسال لبلجيكا".
ورغم المطالب الألمانية بضرورة فصل قضية (السياسيين الأوروبيين) عن إمدادات الغاز، فإن النائب الألماني دينيس رادتك، وهو من "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، طالب مرارًا بضرورة مراجعة عقود إمدادات الغاز مع الدولة الخليجية.
وحسب "بوليتيكو" يمكن أن تؤدي الفضيحة أيضًا إلى مزيد من الضغط على الائتلاف الحاكم في ألمانيا، حيث وجد حزب الخضر المشارك في حكومة المستشار أولاف شولتز- نفسه في موقف غير مريح من الاضطرار إلى الموافقة على صفقات لإمدادات جديدة كبيرة من الحفريات، والبنية التحتية للغاز الطبيعي المسال لاستيرادها.
وردًا على سؤال عما إذا كان على برلين مراجعة اتفاقها مع قطر، أجاب راسموس أندرسون، عضو البرلمان الأوروبي، المتحدث باسم حزب الخضر الألماني في البرلمان الأوروبي، قائلا: "ننظر في كل ما يتعلق بقطر في البرلمان الأوروبي، وعلى الآخرين ذلك أيضًا".
بينما قالت النائبة الألمانية عن حزب الخضر هنريك هان -عضو البرلمان الأوروبي- إن الغاز القطري "ليس حلاً طويل الأمد لأمن الطاقة في ألمانيا، لكنه في الوقت الحالي الأقل شرًا مقارنةً بروسيا".
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن ألمانيا ليست الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي، التي تربطها بقطر علاقات عميقة في مجال الطاقة.
ولفتت إلى أن شركة توتال إنرغيز الفرنسية العملاقة للطاقة تمتلك حصصًا كبيرة في كل من تطوير حقل الشمال الشرقي للغاز الطبيعي المسال بقطر، الذي تصفه بأنه أكبر مشروع للغاز الطبيعي المسال في العالم، وفي مشروعها الشقيق، حقل الشمال الجنوبي، كما تمتلك إيني الإيطالية حصة في نورث فيلد إيست (حقل الشمال الشرقي).
وحيال ذلك، تقول الدكتورة سينزيا بيانكو: إذا دانت السلطات البلجيكية، قطر علانية في فضيحة فساد بروكسل، من المرجح أن تتبعها "شكاوى دبلوماسية رسمية" أخرى من دول الاتحاد الأوروبي.
وأضافت أن روابط الطاقة مع قطر مرتبطة -إلى حد كبير- بالدول الأعضاء، لكنها توقعت أن يكون للفضيحة تأثير في تأخير أي تحركات نحو شراكة طاقة مستقبلية، بين الاتحاد الأوروبي وقطر.