قرار مصر ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا... 5 مكاسب ورسائل على محاور عدة

قال الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي أبوبكر الديب، في تصريحات لـ-السياق-، إن هناك 5 مكاسب مصرية ستحصدها القاهرة من قرار ترسيم الحدود البحرية بين مصر وليبيا في البحر المتوسط.

قرار مصر ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا... 5 مكاسب ورسائل على محاور عدة

السياق "خاص"

«اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع السعودية وقبرص واليونان في البحر المتوسط وفرت 120 مليار دولار سنوياً»، تصريحات سابقة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن قرار بلاده بترسيم الحدود مع جيرانها في منطقة البحر المتوسط.

إلا أن تلك الاتفاقيات، التي كانت خطوة استراتيجية مهمة للقاهرة، كانت في انتظار اكتمال الحلقة، بترسيم الحدود البحرية الغربية للبلد الإفريقي مع جارته ليبيا، التي تعاني انقسامًا مؤسساتيًا وسياسيًا، منذ أعوام، ما ألقى بظلاله على حدود البلدين البحرية والبرية.

ذلك الانقسام الذي «أعاق» خطوة القاهرة لترسيم الحدود مع طرابلس، دفع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى اتخاذ قرار وصف بـ«المهم» لترسيم حدود بلاده مع جارته، خاصة بعد الاتفاقية المثيرة للجدل بين ليبيا وتركيا، التي أثارت غضب اليونان.

وأصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 13 ديسمبر الجاري، قرارًا بتحديد الحدود البحرية الغربية لبلاده في البحر المتوسط، نصت المادة الأولى منه على: تبدأ حدود البحر الإقليمي لجمهورية مصر العربية من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية، النقطة رقم (1) لمسافة (12) ميلًا بحريًا وصولًا إلى النقطة رقم (8)، ومن ثم ينطلق خط الحدود البحرية الغربية لجمهورية مصر العربية من النقطة رقم (8) في اتجاه الشمال موازيًا لخط الزوال (25) شرق وصولًا إلى النقطة رقم (9).

ونصت المادة الثانية منه على: تعلن قوائم الإحداثيات الواردة بالمادة الأولى من هذا القرار وفقًا للقواعد المعمول بها في هذا الصدد، على أن يخطر بها الأمين العام للأمم المتحدة.

ذلك القرار وإن كان من طرف واحد (مصر)، إلا أن مراقبين عدوه خطوة استراتيجية للحفاظ على ثروات الغاز في منطقة البحر المتوسط، وسط الاكتشافات المتتالية لشركات النفط، مشيرين إلى أنه يتيح لمصر التنقيب عن الغاز، ما يعود عليها بمكاسب كبيرة، خاصة بعد إعلان شركة شيفرون اكتشاف حقل غاز جديد في البحر المتوسط أمام العريش.

وأكد المراقبون، أن القرار يعد «مهمًا للغاية»، لارتباطه بالمصالح العليا للدولة المصرية، ويغني في الوقت نفسه عن نشوب النزاعات أو الصراعات المسلحة بين الدول، في إشارة إلى النزاع في المتوسط، الذي تقوده تركيا باتفاقياتها مع ليبيا، التي عدها البرلمان الليبي غير قانونية.

وبحسب المراقبين، فإن قرار الرئيس المصري يعد خطوة قانونية، حتى توقيع اتفاقية لتعيين الحدود مع ليبيا، وله رسائل عدة، أبرزها أن مصر مصممة على الحفاظ على ثرواتها وحقوقها في الغاز المتوسط، وأن على جميع الأطراف المعنية احترام قواعد القانون الدولي.

 

5 مكاسب مصرية

إلى ذلك، قال مستشار المركز العربي للدراسات، الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي أبوبكر الديب، في تصريحات لـ«السياق»، إن هناك 5 مكاسب مصرية ستحصدها القاهرة من قرار ترسيم الحدود البحرية بين مصر وليبيا في البحر المتوسط.

أول هذه المكاسب زيادة الدخل القومي، عبر تنمية واستغلال ثروات البلاد الطبيعية، في ظل الاكتشافات المتوالية لحقوق الغاز بمنطقة شرق المتوسط، فضلًا عن الحفاظ على الحقوق المصرية للأجيال الحالية والمستقبلية، حسب قواعد القانون الدولي، ووفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 ولمنع أي أطماع خارجية فيها، بحسب الديب.

وأوضح الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أن هذا القرار يمهد لإمكانية طرح هذه المناطق أمام شركات النفط العالمية للتنقيب عن النفط والغاز والثروات الأخرى، بما يتيح تعظيم الاستفادة من مخزون الغاز الطبيعي والثروات الهيدروكربونية بالمناطق الاقتصادية في البحر المتوسط.

وأشار إلى أن القرار سيجذب الشركات العالمية، لضخ استثماراتها في البحث والاستكشاف بالبحر المتوسط، خاصة بعد إعلان بعض الشركات الكبري عن ظهور حقول ضخمه للغاز داخل المياه المصرية الإقليمية، مؤكدًا أنه سيعمل على تحويل مصر لمركز إقليمي للطاقة بالشرق الأوسط، ومصدر مهم لتصدير الغاز إلى الاتحاد الأوروبي.

وأكد أن شركات النفط العالمية تترقب إعلان طرح مناطق جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية المصرية، في أعقاب الإعلان عن ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، للاستفادة من ثروات البحر المتوسط الهائلة، كون المنطقة تحظى باهتمام كبير من شركات النفط العالمية، نظرًا لاحتياطات الغاز الضخمة بها، فضلًا عن قربها من أوروبا المتعطشة للغاز بعد «فطمها» من الغاز الروسي.

وقال إن القرار يحمي مصر من أي مشكلات مستقبلية، بشأن ترسيم الحدود البحرية، بما يعود عليها بمكاسب كبيرة، ويؤمن مصالح الدولة الاقتصادية و السياسية والأمنية، وتلك خطوة شرعية وقانونية.

الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، قال إن مصر حققت زيادة في قيمة الصادرات من الغاز الطبيعي والمسال، لتصل إلى 8 مليارات دولار خلال العام المالي 2021/2022 بـ 13 ضعفًا منذ تولي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الرئاسة.

وقال إن أزمة أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية الصعبة علي روسيا ستفتح الباب أمام تصدير الغاز المصري لأوروبا، مؤكدًا أن هناك شهادات دولية تشيد بقطاع الغاز والبترول في مصر، على رأسها البنك الدولي، الذي أكد أن إصلاحات القطاع أسهمت في تعزيز الصادرات المصرية من الغاز الطبيعي، بينما قالت منظمة "أوبك" في تصريح سابق، إن مصر تخطو خطوات سريعة لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة، ولاعبًا عالميًا في هذه الصناعة، بفضل الاكتشافات الضخمة والتطوير المستمر لموارد الطاقة.

 

ظروف متشابكة

بدوره، قال رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات محمد فتحي الشريف، في تصريحات لـ«السياق»، إن مصر تريد من ترسيم حدودها، أن تحافظ على ثرواتها بعد الاكتشافات الأخيرة، الأمر الذي جعل المياه الإقليمية للدولة المصرية محل أطماع، خاصة في ظل التعطش العالمي والأوربي للطاقة بعد الحرب الأوكرانية.

وأوضح الشريف، أن الخطوة تأتي في ظل ظروف متشابكة للمشهدين الإقليمي والدولي، مشيرًا إلى أن مصر تسعى للحفاظ على حقوقها فقط، من دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، خاصة أن هناك مطامع ظهرت في الملف الليبي بشكل واضح من الجانب التركي.

وعن تأثير القرار في مفاوضات تطبيع العلاقات المصرية التركية، خاصة بعد اتفاقية أنقرة وطرابلس، قال الشريف، إن القاهرة رسمت الحدود من جانبها بطريقة قانونية، وفقًا للاتفاقيات الدولية والمواثيق المعمول بها، مشيرًا إلى أنه لن يؤثر في المفاوضات المصرية والتركية، إذا كانت مبنية على الحقوق والمنافع.

وأكد أنه إذا رأت تركيا أن ذلك القرار سيؤثر في المفاوضات، فإن هذا الأمر يعد خطأ من جانب أنقرة، كون الدولة المصرية تسعى للوفاق، على أساس الحقوق الشرعية للدول، مشيرًا إلى أن القاهرة رسمت حدودها مع دول أخرى، من دون إثارة أزمات مع أي منها.

 

الانقسام الليبي

وأشار الباحث في الشؤون الليبية، إلى أن ترسيم الحدود مع ليبيا رسالة، بأن مصر لن تنتظر أحدًا للدفاع عن مصالحها، مؤكدًا أن الانقسام السياسي في ليبيا، الذي يهدد القاهرة، دفع الأخيرة للحفاظ على حقوقها.

وعن إمكانية أن يثير ترسيم الحدود من جانب واحد أزمة بين القاهرة وطرابلس، أكد أن الجانب الليبي يدرك أن مصر لا تريد إلا إرساء السلام في ليبيا، مشيرًا إلى أن ترسيم الحدود لن يؤثر في الملف الليبي مع الفاعلين في الأزمة، التي تتفاقم منذ 12 عامًا.

وأكد أن ترسيم الحدود من جانب واحد، أمر شرعي وقانوني وليس فيه اعتداء على حقوق أحد، مشيرًا إلى أن تسجيل القرار في الأمم المتحدة، حتى تحاط المؤسسات الدولية عِلمًا بما حدث في هذا الجانب.

وأشار إلى أن ترسيم الحدود يوقف النزاع في المتوسط، خاصة إذا أدركت كل الدول أن القرار يأتي وفقًا لإرساء الحقوق، مؤكدًا أن القاهرة لديها اكتشافات جديدة في البحر المتوسط، ستعود بالنفع على الاقتصاد المصري.