هل تستمر أزمة الطاقة في أوروبا لسنوات؟
توقعت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أنّ تستمر أزمة الطاقة في أوروبا لـ 3 أو 4 سنوات قادمة، مشيرة إلى أنه رغم أن هذا الشتاء سيكون سيئًا، إلا أن العام المقبل قد يكون أسوأ.

ترجمات - السياق
سلطت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الضوء على أزمة الطاقة التي تواجهها أوروبا مع اقتراب فصل الشتاء، والناجمة عن وقف تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا على خلفية الأزمة الأوكرانية، مما أدى إلى حدوث نقص في إمدادات الغاز يُقدر بنحو 150 مليار متر مكعب، وهو ما دفع الدول الأوروبية للبحث عن بدائل للغاز الروسي لاحتواء أزمة الطاقة.
ورأت المجلة أنَّ أزمة الطاقة في أوروبا قد تستمر لـ 3 أو 4 سنوات قادمة، مشيرة إلى أنه رغم أن هذا الشتاء سيكون سيئًا، إلا أن العام المقبل قد يكون أسوأ.
وأشارت المجلة إلى بلوغ أسعار الغاز في أوروبا حاليًا ثمانية أضعاف متوسط السنوات العشر الماضية، وحوالي ثمانية أضعاف الأسعار في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي دفع الحكومات الأوروبية -في إطار استعدادها لأسوأ السيناريوهات المحتملة- إلى مناشدة شعوبها من أجل تقليص استهلاك الغاز الطبيعي، فضلًا عن سعيها لضمان قدرة المستهلكين والشركات على تحمل سداد فواتير الغاز الطبيعي والكهرباء.
وبيّنت المجلة، أن السيناريوهات الأسوأ تبدأ من انقطاع التيار الكهربائي الدوري، إلى توقف سلسلة من الأعمال الصناعية، وصولًا إلى حالات الإفلاس.
مفهوم الأزمة
ولشرح حقيقة الأزمة التي تمر بها أوروبا حاليًا، وضعت فورين بوليسي بعض الأسئلة التي يجب الإجابة عليهم بشكل فوري: هل تستطيع أوروبا تحمل تكاليف الحفاظ على شركاتها- ومواطنيها- دافئين وآمنين خلال هذا الشتاء؟.. وهل تعني أزمة الطاقة نهاية لأهداف سياسة المناخ في أوروبا؟.. وهل يمكن للأمريكيين أن يفهموا الأزمة التي يواجهها الأوروبيون الآن؟)
وللإجابة على هذه الأسئلة، أوضحت المجلة، أنه رغم أزمة الطاقة التي تلوح في الأفق مع اقتراب فصل الشتاء للعام الحالي، إلا أنه من المتوقع أن تزداد الأمور سوءًا في شتاء العام المقبل، عندما تنضب مرافق تخزين الغاز ولا توجد إمدادات لملئها.
لكن إلى متى بالضبط من المحتمل أن تستمر أزمة الطاقة في أوروبا؟ ورأت أنه من الحماقة الافتراض بأنها ستكون قصيرة وأنها ستنتهي العام المقبل.
ورجحت المجلة الأمريكية، استمرار أزمة الطاقة ونقص الغاز في أوروبا على مدار الأعوام المقبلة، التي قد تتراوح ما بين ثلاث أو أربع سنوات قادمة، حتى تهدأ الأوضاع مرة أخرى، متوقعة أن تشهد الدول الأوروبية هذا العام شتاءً قارسًا، مع تراجع إمدادات الغاز الطبيعي.
وبيَّنت أن البعض كان يتوقع أن تمر أزمة توقف نورد ستريم 2، -خط أنابيب الغاز بين روسيا وألمانيا-، سريعًا ويعود إلى العمل مرة أخرى، خصوصًا أنه أحد الموارد المهمة للحرب التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا منذ فبراير الماضي، إلا أن الضربة الأخيرة أثبتت أن الخط قد يكون خرج من الخدمة نهائيًا.
واعتبرت المجلة، أن القصف الأخير الذي طال نورد ستريم 2 -والذي مازال فاعله مجهولًا حتى الآن- كان علامة على فك الارتباط نهائيًا بين أوروبا وروسيا، وخصوصًا ألمانيا، حيث انخفضت حصة الواردات الروسية من إجمالي واردات أوروبا من الغاز من 41 في المائة إلى 9 في المائة خلال عام واحد.
حرب باردة جديدة
ورأت فورين بوليسي، أن قطع خط نورد ستريم 2، يعد عودة إلى أساليب الحرب الباردة مجددًا، حيث انخفاض العلاقات التجارية إلى أدنى مستوى، وهو ما يعني زيادة البرودة على القارة العجوز في كل مكان، كما حدث سابقًا في ثمانينيات القرن الماضي.
ورغم أن المجلة لم تذكر صراحةً أن الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر من انقطاع الغاز الروسي عن أوروبا، إلا أنها أبرزت أن واشنطن هي أكبر منتج للنفط والغاز في العالم حاليًا، وبالتالي فهي محصنة من تأثير قرار وقف الغاز الروسي على أسواق الطاقة العالمية.
وتزامن قطع الغاز الروسي، مع قرار جديد لمنظمة أوبك بلس بخفض الإنتاج لنحو 2 مليون برميل يوميًا، وهو ما زاد من حجم الأزمة عالميًا.
ولمواجهة هذه الأزمات المتزامنة، يبدو -حسب المجلة الأمريكية- أن الحكومات الأوروبية ركزت استجابتها السياسية الأولية بشكل أكبر على مساعدة الأسر بدلًا من الصناعات، والتي تواجه أيضًا تكاليف أعلى للطاقة والتدفئة، وهو ما قد يهدد بموجات من الإفلاس الصناعي هذا الشتاء والشتاء القادم.
ووصفت المجلة الوضع في أوروبا بأنه (شديد الخطورة)، خصوصًا مع زيادة الضغط من قِبل الشركات والمصانع على الحكومات لضرورة توفير احتياجاتها من الطاقة، وهو أمر ليس بالسهل حاليًا.
وأمام هذه الضغوط، تدخلت الحكومات في ألمانيا والمملكة المتحدة لمواجهة الأزمة، وأقرت ميزانيات لدعم أسعار الطاقة، والتي تصل إلى 5 إلى 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يُعادل ضعف ميزانية البنتاغون في الولايات المتحدة.
ومؤخرًا، أعلنت الحكومة الألمانية عن برنامج عملاق بقيمة 200 مليار يورو (195 مليار دولار) لدعم استهلاك الطاقة في البلاد، وهو ما أدى إلى عاصفة من الغضب في بقية أنحاء أوروبا، للمطالبة بأن تحذو بلادهم حذو ألمانيا.
وأشارت المجلة إلى أنه من الواضح أنه إذا دخلت الدول الأوروبية في حرب مناقصات تنافسية لدعم الطاقة، فإن ألمانيا، التي تتمتع بميزانية عمومية قوية نسبيًا، ستحتل الصدارة، لذا، إذا كانت أوروبا جادة في تجنب التجزئة، والتي كانت إحدى الحجج الرئيسة في عام 2020 بشأن كوفيد 19، فعندئذٍ في مرحلة ما يجب أن يكون هناك محادثة جادة حول الموازنة المالية لهذه الادعاءات.
كانت أوروبا شرعت منذ عام 2020 في تحول متسارع للطاقة، إلا أن الحرب في أوكرانيا أوقفت جزئيًا هذا التحول، ومن ثمّ أُجبرت أوروبا على التراجع عن قرار الاستغناء عن الوقود الأحفوري.
وذكر ائتلاف "ذا بيغ شيفت غلوبل"، -ائتلاف من منظمات بيئية غير حكومية- أن البنك الدولي قد قام بضخ 14.8 مليار دولار في مشاريع للوقود الأحفوري منذ اعتماد اتفاق باريس للمناخ عام 2016.
وإجمالًا، فإن التقديرات تشير إلى أن أوروبا سوف تنفق نحو 50 مليار يورو (48 مليار دولار) في أنواع مختلفة من الدعم، كمحاولة لمواجهة أي غضب قد ينتج عن انقطاع الغاز أو قلته.
وحذرت المجلة، من أن الأسر الأوروبية ذات الدخل المنخفض، بدون هذه الإعانات وبدون هذه التدخلات، ستواجه، وفقًا للمعايير الأوروبية على الأقل، حرمانًا واضحًا وخطيرًا حقًا على مدار فصل الشتاء.
وإثر كل هذه الأزمات التي تواجه أوروبا، رأت فورين بوليسي، حدوث انقسامات عدة بين الدول الأوروبية وبعضها البعض، وبين أوروبا والولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن هذه الأزمة ستضع أوروبا والولايات المتحدة في مواقف مختلفة هيكليًا.
وأشارت إلى أن الأوروبيين أقرب بكثير إلى الحرب في أوكرانيا من الأمريكيين -جغرافيًا باعتبار أوكرانيا داخل أوروبا- وهو ما قد يخلق توترًا بين الموقف الأوروبي والأمريكي من الحرب برمتها.
والأهم من ذلك -حسب المجلة- أنها تكشف أيضًا عن الاختلاف الهائل بين أمريكا -ليس فقط كونها مكتفية ذاتيًا ولكن كمصدر للطاقة- وأوروبا كمستورد رئيسي للطاقة.
وأمام هذه التطورات، رجحت المجلة أيضًا سعي الدول الأوروبية في ضوء الأزمة الحالية إلى تحقيق المزيد من الاستقلال في مجال الطاقة، عن طريق فك الارتباط بموسكو بشكل دائم، وتقليص اعتمادها على إمدادات الغاز والنفط الروسية.
وخلصت إلى القول: إن أزمة الطاقة التي تشهدها أوروبا حاليًا ستُمثل نكسة وتراجعًا لسياساتها المتعلقة بتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، والتي بدأتها في عام 2020، ما من شأنه تقويض الاستثمارات الأوروبية في مجال الطاقة المتجددة، مرجحة أن تتجه الدول الأوروبية لضخ نحو 50 مليار يورو (48 مليار دولار) في أنواع مختلفة من الدعم لاستمرار استهلاك الوقود الأحفوري، لمواجهة أزمة الطاقة الحالية.