انتهت المباراة... الأسطورة بيليه يودِّع ملعب الحياة

يعده كثيرون أعظم لاعب كرة قدم في كل العصور، ويُعدّ هذا المراوغ الفتاك الذي أسهم بولادة كرة السامبا كنزًا وطنيًا في البرازيل.

انتهت المباراة... الأسطورة بيليه يودِّع ملعب الحياة
الأسطورة الراحل بيليه

السياق

لأجيال ممتدة، كان الأسطورة الراحل بيليه، الملهم الكروي والفنان الذي رسم لوحات استثنائية، في الرياضة الشهيرة.

رحل عنا ساحر كرة القدم البرازيلي، عن عمر ناهز 82 عامًا، والذي يعده كثيرون من أفضل اللاعبين في التاريخ.

وأعلن الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، الحداد الوطني ثلاثة أيام. وحمل لاعب الكرة الأبرز كأس العالم ثلاث مرات: الأولى عندما كان عمره 17 عامًا، والأخيرة عام 1970، وسجل بيليه أكثر من 1200 هدف طوال عمره الرياضي.

وبحسب التقرير الطبي "أكّد مستشفى ألبرت أينشتاين وفاة إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو، بيليه، في 29 ديسمبر 2022، الساعة 15 و27 دقيقة بسبب فشل أعضاء عدة نتيجة تفاقم مرض السرطان".

وكتبت ابنة "الملك" كيلي ناسيمنتو على "إنستغرام" من المستشفى: "نشكرك. نحبّك بلا حدود. ارقد بسلام".

وسيسجى جثمان بيليه الاثنين في ملعب فريقه السابق سانتوس "أوربانو كالديرا" الذي حمل ألوانه طوال مسيرته تقريباً، ويُدفن الثلاثاء في سانتوس (جنوب شرق) حسب ما أعلن النادي.

اختير بيليه، اللاعب الوحيد المتوّج بكأس العالم ثلاث مرات (1958 و1962 و1970) أفضل رياضي في القرن الماضي، من اللجنة الأولمبية الدولية عام 1999، وبعد ذلك بعام أفضل لاعب في القرن عينه، من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).

تُشكّل وفاته صدمته لعشاق كرة القدم، بعد أيام من انتهاء مونديال قطر 2022، حيث ودَّعت البرازيل من ربع النهائي أمام كرواتيا بركلات الترجيح.

"اجلبوا الكأس إلى البيت"، هكذا نشر الحساب الرسمي لبيليه على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم المباراة الأولى للبرازيل أمام صربيا (2-0).

وطوال البطولة، نشر رسائل تحفيزية لمنتخب البرازيل، ثم هنأ الأرجنتيني ليونيل ميسي على اللقب "المستحق" ضد فرنسا.

خسر بيليه معركته الأخيرة مع سرطان القولون، المُكتشف في سبتمبر 2021 خلال فحوص تقليدية

معنا إلى الأبد

سارع عالم المستديرة للإشادة بالنجم الراحل، فكتب الاتحاد الدولي للعبة (فيفا): "بيليه خالد... معنا إلى الأبد".

بيليه "جعل كرة القدم فنًا"، كتب ذلك على "إنستغرام" نيمار وريثه في المنتخب البرازيلي، وأضاف: "قبل بيليه، كانت كرة القدم مجرد رياضة. لقد غيّر بيليه كل شيء، وجعل كرة القدم فنًا، ومنح صوتاً للفقراء ولأصحاب البشرة السوداء وفوق كل شيء منح رؤية للبرازيل".

بدوره كتب بطل العالم الأرجنتيني ليونيل ميسي على "تويتر": "ارقد بسلام"، في إشارة إلى رحيل بيليه.

من ناحيته، أشاد زميل نيمار وميسي في سان جرمان، مهاجم المنتخب الفرنسي كيليان مبابي، بأسطورة كرة القدم مؤكداً أن "إرثه لن يُنسى".

الأعظم

يعده كثيرون أعظم لاعب كرة قدم في كل العصور، ويُعدّ هذا المراوغ الفتاك الذي أسهم بولادة كرة السامبا "كنزًا وطنيًا" في البرازيل. هزّ الشباك بغزارة غير مسبوقة: 1281 هدفاً في 1363 مباراة بألوان نادي سانتوس (1956-1974)، المنتخب الوطني "سيليساو" ونيويورك كوزموس الأمريكي (1975-1977).

بعيداً عن الأرقام، تبقى ذكرى بيليه خالدة كـ"ملك" أحدث ثورة في رياضته. خلّد بيليه رقم 10، لكن بطريق الخطأ. نسيت البرازيل إرسال أرقام لاعبيها إلى الاتحاد الدولي (فيفا)، فتمّ اختيارها بطريقة عشوائية. شاء القدر أن ينال بيليه رقم 10 الذي التصق بتاريخ اللعبة.

كان بيليه رائداً في كرة القدم الحديثة، بتقنية استثنائية مقترنة بقدرات رياضية لا مثيل لها، رغم قامته المتواضعة (1.72 م).

ورغم عظمته، كان بيليه عاطفياً، كما يتضح من مشاهد لا تُنسى بالأسود والأبيض، ليافع بعمر السابعة عشرة، أحرز أوّل ألقابه العالمية عام 1958 في السويد.

وفى بوعد قطعه لوالده، بعد ثماني سنوات من رؤيته يبكي أثناء الاستماع عبر الراديو إلى خسارة "ماراكانازو" الشهيرة أمام الأوروغواي، التي حرمت البرازيل من أوّل ألقابها العالمية عام 1950 على أرضها.

عام 1970، خلال أوّل بث مباشر لكأس العالم بالألوان، احتفل بيليه بابتسامة مشرقة في ذروة مسيرته، باللقب العالمي الثالث، عندما كان في تشكيلة ذهبية تُعدّ الأكثر موهبة في التاريخ، لضمّها ريفيلينو وتوستاو وجايرزينيو.

كلية واحدة وثلاثة قلوب

متأثراً بآلام قوية في وركه، ظهر بيليه على كرسي متحرّك في ديسمبر 2017، خلال سحب قرعة مونديال 2018، محاطاً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وباقي أساطير الكرة، على غرار الأرجنتيني دييغو مارادونا، الذي توفي نهاية 2020.

تأثر كثيراً بعد رحيل "الولد الذهبي"، صديقه وغريمه "خسر العالم أسطورة. في يوم من الأيام آمل أن نلعب كرة القدم سوياً في السماء".

التقط عالم الكرة أنفاسه في نوفمبر 2014، عندما أدخل بيليه العناية الفائقة، إثر أزمة خطيرة في المسالك البولية، استدعت وضعه في غسل الكلى.

عانى أزمة ثانية في أبريل 2019 بفرنسا، بمناسبة زيارته باريس لملاقاة المهاجم الشاب كيليان مبابي، كجزء من عملية ترويجية نظّمها راع مشترك.

في سبتمبر 2021، إنذار جديد: خضع في ساو باولو لجراحة لإزالة ورم "مشبوه" في القولون، اكتُشف خلال فحوص تقليدية للقلب والأوعية الدموية، وتسبب -بشكل رئيس- في وفاته.

كتب آنذاك عبر "إنستغرام": "أصدقائي، مع مرور كل يوم أشعر بتحسّن قليل. أتطلع إلى اللعب مجددًا، لكنني ما زلت أتعافى لبضعة أيام".

ولدى بيليه كلية واحدة فقط منذ كان لاعباً. تسبّب كسر أحد الضلوع أثناء إحدى المباريات بضرر في كليته اليمنى، التي تمت أزيلت النهاية.

امتلك كلية واحدة لكن "ثلاثة قلوب" بحسب ما قال ممازحاً، في تلميح إلى مسقط رأسه تريس كوراسويس، في ولاية ميناس جيرايس (جنوب شرق).

طفولة فقيرة

وُلد إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو في 23 أكتوبر 1940 لعائلة فقيرة، فاضطر لبيع الفول السوداني في الشارع لمساعدة والديه، واختير اسمه الأول تكريماً لتوماس إديسون، مخترع المصباح الكهربائي.

وقّع أول عقد احترافي في الخامسة عشرة من عمره، مع سانتوس الذي أحرز معه إنجازاً تلو الآخر، فرفع لقب كأس الإنتركونتيننتال مرتين توالياً ضد بنفيكا البرتغالي (1962) وميلان الإيطالي (1963).

في 19 نوفمبر 1969، ولدى تسجيله الهدف رقم ألف في مسيرته، على ملعب ماراكانا التاريخي في ريو دي جانيرو، توقفت المباراة نحو ثلث ساعة، حتى انتهاء لفة تكريمية عملاقة.

وزير وغناء

خلال جولات المباريات الودية مع سانتوس أو منتخب بلاده، كان يلقى معاملة رؤساء الدول.

يُروى أنه لدى وصوله عام 1969 إلى نيجيريا، حصلت هدنة لمدة 48 ساعة، وسط حرب بيافرا الأهلية الرهيبة.

لم يرضخ بيليه لعروض الأندية الأوروبية الكبيرة، لكنه سمح لنفسه بنهاية مسيرة مترفة مع نيويورك كوزموس، مساهماً بنمو عابر لكرة القدم في الولايات المتحدة، حيث اعتزل اللعبة عام 1977.

استمرت شهرته خارج الملاعب، مع أدوار في السينما وتسجيل أغان، حتى وصوله إلى الحكومة، حيث كان وزير الرياضة (1995-1998)، ليصبح أول رجل أسود يصل إلى هذا المنصب في البرازيل.