تفاصيل الحياة السرية لكبار الجاسوسات في جهاز الاستخبارات البريطاني
الجواسيس لا يشبهون الناس العاديين كثيرًا، والعمل في-إم آي 6- تجربة غريبة بشكل واضح، إذ لا يمكنك إخبار أي شخص بطبيعة عملك، وحتى لا يُسمح لأقرب المقربين بمعرفة أي شيء عن أنشطتك اليومية.

ترجمات - السياق
روت هيلين واريل، ما سمتها "الحياة السرية" لكبار الجاسوسات في جهاز الاستخبارات البريطاني، مشيرة إلى أنه لأول مرة على الإطلاق، يكشف ضباط المخابرات العامة، سبب تجسس النساء في كثير من الأحيان، والعقبات التي تواجههن وكيف يتخطينها وينجحن في مهامهن.
وقالت واريل، مراسلة الشؤون السياسية والداخلية، في تحقيق نشرته "فايننشال تايمز"، إن رحلتها للوصول إلى أبرز الجواسيس من النساء، بدأت بمقابلة أحد الوسطاء في أحد المعالم البارزة وسط لندن، ثم السفر بالسيارة والقارب والقطار إلى موقع لتدريب ضباط المخابرات البريطانية، يسمى (وكالة التجسس الخارجية) المعروفة بـ "إس آي إن".
وأشارت إلى أنه رغم عدم السماح لها بوصف المكان، فإنها وصفته بأنه مبنى ضخم، تأتيه الرياح من كل مكان، لدرجة أنها "جعلت عينها تدمع".
وتابعت: "عند الباب ، قابلت امرأة صغيرة -تدعى كاثي- مبهجة ذات شعر أشقر قصير مموج، يتعارض ترحيبها المبهج مع الغرابة المعقمة في هذا المكان".
وأشارت إلى أن كاثي -المسؤولة عن جميع العمليات الاستخباراتية لضباط المخابرات وعملائهم في جميع أنحاء العالم- قادتها إلى صف من الكراسي، بجوار نافذة كبيرة تطل على منظر طبيعي".
تمزح كاثي قائلة إنها عندما عُرضت عليها وظيفة في جهاز الاستخبارات البريطاني (إم آي 6)، تساءلت والدتها عما إذا كانت تريد أن تلزم نفسها بشيء "غريب وغير مألوف"، إلا أن والدها شجعها حتى أصبحت من أقوى الجواسيس في بريطانيا.
وحسب واريل، فإن كاثي واحدة من أربعة مديرين عامين في الهيئة العامة للاستعلامات، كل منهم مسؤول أمام الرئيس، المعروف باسم "ج"، مشيرة إلى أنه لأول مرة منهم ثلاث نساء.
ولفتت إلى أنهن يعملن في أهم مجالات التجسس وأكثرها تطورًا، مبينة أن منهن كاثي وهي مديرة العمليات، وريبيكا وهي نائبة الرئيس التي تشرف على الاستراتيجية العامة داخل الجهاز.
جيمس بوند امرأة
أما الثالثة -حسب هيلين واريل- فهي صاحبة الوظيفة الأبرز داخل جهاز الاستخبارات البريطاني باسم (إيه دي إيه) أو آدا، المعروفة بـ "كيو" نسبة إلى أداة جيمس بوند العقل المدبر.
وكيو هذا هو الاسم الحركي للشخصية الرئيسية المسؤولة عن معدات مبتكرة للمخابرات، التي صورتها كل أفلام العميل 007 أو جيمس بوند كرجل، لم تكن في الحقيقة سوى امرأة...!
وتابعت مراسلة "فايننشال تايمز": "أمضيت ستة أشهر في إجراء مقابلات معهن عن كيفية وصولهن إلى القمة في مهنة تقليدية للذكور، لمحاولة فهم كيف تبدو حياة الجاسوسة".
وأشارت إلى أنه نظرًا لأن رئيس (إم آي 6) العضو الوحيد في الوكالة الذي تمت تسميته أو السماح له بالتحدث، ولأنهم جميعًا كانوا رجالًا، فهذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها ضابطات المخابرات العامة على الإطلاق.
وبينت أنها وافقت على تغيير أسمائهن وحذف بعض التفاصيل، لحمايتهن وحماية المصادر التي يعملن معها، مشيرة إلى أنهن وافقن على التحدث، لتشجيع المتقدمات وتصحيح تصور التجسس على أنه لعبة خاصة بالرجال فقط.
في الماضي -حسب المراسلة- كان يتم التغاضي عن ضم النساء لفرق التجسس، أو بالكاد تلتحق إحداهن بوظيفة سكرتارية، أو استخدامهن كـ "مصائد عسل" للإيقاع بالأعداء أو ابتزازهم جنسيًا.
وأشارت إلى أنه عندما شارك فيرنون كيل في تأسيس (إم آي 6) عام 1909، حدد المجندين المثاليين له بأنهم "الذين يمكنهم تدوين ملاحظات على أكمام قميصهم أثناء ركوب الخيل"، وبذلك فقد استبعد النساء من هذه المهام.
وبينّت أنه رغم إثبات النساء أنفسهن بمهارة وشجاعة، خلال الحرب العالمية الثانية، فإن الجاسوسات كافحنّ كثيرًا في (إم آي 6) لإثبات أنفسهن، إذ لم يتم تجنيدهن بانتظام كضابطات استخبارات حتى أواخر السبعينيات.
ورأت أن "الكراهية للنساء"، هناك مبالغة فيها، بالروايات الشعبية التي كتبها جواسيس سابقون مثل إيان فليمنغ وغون لو كاريه.
وأفادت بأن ضابط (إم آي 6) الخيالي جيمس بوند دائمًا ما يظهر في هذه الروايات يداعب سكرتيرته، أو يقيم علاقات مسرفة مع الفتيات، وفي مقابل ذلك لا يصادف إلا عددًا قليلاً من الجاسوسات، وأشهرهن ضابطة مكافحة التجسس الروسية المتهور روزا كليب.
وحسب المراسلة، اشتهرت النسخ السينمائية لكتب فليمينغ بنوع من "الفتيات السنيدة"، أي في الأدوار الهامشية، وليست الأساسية للرواية.
بينما يعبّر لو كاري، الذي اشتهر بسجلات الجاسوسية للحرب الباردة من بطولة ضابط المخابرات العرفية، جورج سمايلي، عن وجهة نظر ثنائية الأبعاد مماثلة، فتجد نساءه كصفارات إنذار يمارسن سيطرة جنسية قوية على أبطال الرواية الذكور، لكن ليس لديهن الكثير ليقلنه أو يقدمنه.
وترى المراسلة، أن التصوير المتحيز جنسيًا لا يقتصر على أفلام التجسس، لكن الأمر يزداد في هذه الأفلام كنوع من تشجيع الغموض.
إغفال خطير
أمام ذلك، ترى واريل، أن الغياب التاريخي للمرأة في الأفلام والأعمال والروايات، التي تتحدث عن الجاسوسية، إغفال خطير وسلاح سري، مشيرة إلى أن الخصوم الرئيسين للمملكة المتحدة اليوم -الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية- مجتمعات قمعية بها عدد قليل من النساء في مناصب السلطة، ومن ثمّ فإنه بالنسبة للجاسوسة، فإن هذا الضعف في العدو يمكن استغلاله.
وتابعت: "على وجه التحديد، نظرًا لأنه من المحتمل جدًا التغاضي عنها، فإن المرأة لديها القدرة على أن تكون أفضل الجواسيس على الإطلاق خلال هذه الفترة".
وأشارت إلى أنه قبل أربع سنوات، أطلقت (وكالة التجسس الخارجية) المعروفة بـ "إس آي إس" أول إعلان تلفزيوني لها لتجنيد المزيد من النساء والأقليات العرقية.
وحينها، قال رئيس "إم آي 6" إليكس يونغر، المعروف بـ"سي" إنه من الأهمية بمكان أن يعكس جهازه تنوع سكان المملكة المتحدة، وأضاف أن النساء من خلفيات الأقليات السوداء والعرقية ربما يكن قد استبعدن أنفسهم في الماضي، بسبب المفاهيم الخاطئة لما الذي يجعل البريطاني جاسوسًا.
وقال سي: "لا يوجد موظف قياسي في إم آي 6، فإذا كان لديك ما يتطلبه الأمر فتقدم بطلب للانضمام إلينا".
وقالت إلين، وهي أم لثلاثة أطفال عملت في تجارة التجزئة قبل الانضمام إلى "إم آي 6" قبل خمس سنوات، إنها تمكنت من تقديم "منظور مختلف وتحدي تفكير القطيع".
ويبدأ الفيلم بلقطات لسمكة قرش، تتمايل بشكل مهدد في الماء، قبل أن تنطلق لتكشف عن مشهد أكثر اعتدالًا: امرأة وابنها الصغير ينظران إلى المفترس من الجانب الآخر من زجاج الحوض، وقد تم تصميم السطر الأخير ليؤكد المساواة مع عبارة "سرًا... نحن مثلك تمامًا".
وترى مراسلة "فايننشال تايمز" أن هذا الأمر ليس صحيحًا، مشيرة إلى أن الجواسيس لا يشبهون الناس العاديين كثيرًا، والعمل في (إم آي 6) تجربة غريبة بشكل واضح، إذ لا يمكنك إخبار أي شخص بطبيعة عملك، وحتى لا يُسمح لأقرب المقربين بمعرفة أي شيء عن أنشطتك اليومية.
كما من المفترض أن تغلق هاتفك، قبل وقت طويل من الاقتراب من المقر، مع تقليل الاعتماد على الإنترنت، إذ يكون الاتصال الوحيد بالعالم الخارجي عبر الخط الأرضي، بينما يعد العمل من المنزل صعبًا للغاية، لأنه غير آمن.
لذا، بينما تشجع المنظمة على المرونة، فإن ذلك مقيد بحقيقة أن ساعات عملك يجب أن تُقضى إلى حد كبير داخل المكتب.
أمام هذه الصعوبات والإجراءات الأمنية المشددة، ترى واريل أن الحياة اليومية للجاسوس مرهقة بشكل غير عادي، مشيرة إلى أنه لا يحق للجاسوس شراء منزل إلا بالعودة إلى الجهاز والحصول على موافقتهم، حتى يُختار منزل في مكان أكثر أمنًا.
النساء والأعمال الخطيرة
أما في ما يخص الأعمال الخطيرة، وإمكانية أن تقوم بها المنتميات إلى الجهاز، فبينت واريل أنها سألت الجاسوسات الثلاث عن هذا الأمر.
وقالت كاثي إنها عندما عبرت عتبة مقر (وكالة التجسس الخارجية) لأول مرة منذ ثلاثة عقود، كان اهتمامها الأكثر وضوحًا، هو "هل بالفعل ستضطر لإطلاق النار، أو القفز من المروحيات، كما هو شائع، إلا أن الإجابة جاءت حينها بـ: لا"، لافتة إلى أن هذه الأمور ليست من مهامها.
وأوضحت أنه، في النهاية، تم نشرها في منطقة حرب، حيث عملت جنبًا إلى جنب مع الجيش، وجرى تدريبها على التعامل مع سلاح ناري للدفاع الشخصي.
وبينت كاثي، أنها حينما انضمت إلى الجهاز كانت في العشرينيات من عمرها، وقد أنهت مؤخرًا درجة الدكتوراه في الأدب وتقدمت إلى برنامج تدريب الخريجين في وزارة الخارجية والكومنولث للمرة الثانية، لتنقلب حياتها رأسًا على عقب، بعد تحويلها إلى مسار التجسس، عبر رسالة تدعوها لإجراء مقابلة من أجل "الفرص الخارجية البديلة"، التي طُلب منها عدم مناقشتها مع أي شخص.
وأشارت إلى أنها طالما رغبت في أن تصبح سفيرة، لكنها كانت مفتونة بهذه المنظمة الموازية، والطرق التي تقيم بها روابط مع الغرباء.
وترى أن هذه المهنة قد تبدو غير مناسبة للإناث، خصوصًا أن الصورة النمطية لضابط المخابرات هي -وفقًا لأسطورة جيمس بوند- رجل أبيض من الطبقة العليا يرتدي بنطال تشينو بيج وأحذية صحراوية، إلا أن الحقيقة على الأرض تختلف عن ذلك.
وتتذكر كاثي بدايتها وهي تضحك، قائلة: "لم يكن هناك الكثير من الناس بلهجات محلية"، إذ كان معظم أفراد مجموعتها من جنوب إنجلترا، الأكثر ازدهارًا وقد التحقوا بأكسفورد أو جامعة كامبريدغ.
أسلحة إيرانية
بينما نشأت كاثي في الشمال الغربي، وذهبت إلى مدرسة قواعد محلية وجامعة ريدبريك، وفي ذلك تقول: "كان عليّ أن أتعلم الكثير من الأمور، وأعتقد أنني كنت قد ذهبت مرتين فقط للندن إلى المسرح مع أمي".
وبدأت كاثي في وظيفة مكتبية تعمل على أنظمة الأسلحة الإيرانية، لكنها تقدمت إلى تولي أدوار لمتابعة وكلاء في جميع أنحاء العالم، وهو ما أبعدها عن شريكها الذي بقي في المملكة المتحدة، فترات طويلة.
وتقول كاثي، إن حياتها أصبحت أكثر إثارة، إذ زاد السفر والترحال، بخلاف تعلمها العديد من اللغات، و"التعمق" في أناس وثقافات جديدة، إضافة إلى اضطرارها للتنكر من بلد إلى آخر في الطريق، مشيرة إلى أنها كانت تتخذ -في كثير من الأحيان- شكل الممثلة الشهيرة في السبعينيات فرح فوسيت، من حيث ملابسها وتسريحة شعرها.
ومن حين إلى آخر، كانت كاثي تتجول وهي تحمل 50 ألف جنيه استرليني في حقيبة يدها، يفترض أنها تدفع للوكلاء، لكنها لم تخض في التفاصيل، وتقول: "إنها حقًا وظيفة غريبة".
وعن أمور تجنيد الوكلاء، بينت كاثي أن الأمر لم يكن سهلاً دائمًا، خاصةً عندما كان نموذج الدور ذكوريًا بشكل كاريكاتوري.
وتقول كاثي: "بداية مسيرتي المهنية، شعرت كما لو أن هناك طرقًا معينة للتصرف وإنجاز الأشياء، ومن ثمّ رفضت فكرة أن أجلس للشرب طوال الليل مع وكيل من أجل تجنيده"، موضحة أنه كان عليها أن تجعل الأمور تعمل وفقًا لشروطها الخاصة، مثل دعوة الناس إلى منزلها، الأمر الذي ينشئ على الفور درجة من الثقة، لافتة إلى أنها في وقت من الأوقات، مارست لعبة الجولف، في محاولة لبناء علاقة مع وكيل محتمل كان مهووسًا بهذه الرياضة، إلا أن الأمور لم تسر على ما يرام، لأنها فشلت في تعلم تلك اللعبة.
وعن تجاربها، تقول كاثي: "في بعض الأحيان تكون للمرأة اليد العليا خصوصًا في البلدان الأكثر تحفظًا"، وتضيف: "عندما تلعب في ثقافة يهيمن عليها الذكور بشكل خاص، فإنهم يستهينون بالنساء، ويُنظر إليهن على أنهن أقل تهديدًا"، متابعة: "كانت هذه ميزة بالنسبة لي، لأنه في بعض الأحيان لن يراك هؤلاء الأفراد كخطر محدق، لأنهم لا يتوقعون بالضرورة الاستسلام لامرأة شابة".
وتقول إن عنصر المفاجأة هذا "يمكن أن يكون بالتأكيد خلطة سرية".
وأشارت إلى أن الاقتراب من الغرباء والحفاظ على سرية العمل يتطلبان الخداع.
لكنها ككاثوليكية لديها "شعور متطور بالذنب"، فقد وجدت كاثي هذا الأمر صعبًا بشكل خاص، قائلة: "هناك مفارقة في صميم هذه الوظيفة، لأننا أخلاقيون بعمق، لكن علينا أيضًا أن نقول الأكاذيب. نحن نفعل ذلك لأن هناك نتيجة نحتاج إلى تحقيقها من أجل الصالح العام"، كما تقول: "أشعر بوخز في كل مرة يجب أن أخبر صديقًا بما كنت أفعله، رغم أنها ليست الحقيقة".
وحسب الصحيفة، فإن معظم أصدقاء كاثي المقربين لا يعرفون أنها جاسوسة، لكنها مثل جميع ضباط المخابرات العامة، فإن القصة التي ترويها لهم يوميًا، أنها تعمل في وزارة الخارجية.
وعندما تُسأل عن طريقة عملها، كان تكتيكها في الرد هو وصف دورها بـ"الممل جدًا" لدرجة أن أصدقاءها الفقراء يشعرون بالأسف من أجلها.
قيود العمل
وتبيّن مراسلة "فايننشال تايمز" أن الجواسيس الثلاثة الذين تحدثت إليهم، ملزمون بقيود عدة، إذ إنهم ملزمون بقانون الأسرار الرسمية، الذي يجعل الكشف عن المعلومات السرية جريمة جنائية.
في المقابل، تعهد جهاز الاستخبارات البريطاني بأنه لن يكشف هويات موظفيه ولا وكلائهم، مؤكدًا حرصه على تجنُّب صد المجندات المحتملات بقصص مروعة، تجعلهن يخشين العمل في هذا المجال.
وحسب الصحيفة، من الواضح أن بعض الجواسيس يتراجعون عن الاستمرار في العمل، نتيجة المخاطر التي يتعرضون لها.
وكشفت أن كاثي، التي عملت في مكافحة الإرهاب، خلال ذروة نشاط داعش في العراق وسوريا، ساعدت في تعطيل الهجمات التي تستهدف المملكة المتحدة.
ورغم سرية التفاصيل، فإن كاثي أكدت أنها أنقذت أرواح العديد من البريطانيين، وقالت بتردد: "نعم شاركت في إنقاذ العديد من الأرواح، لكنني لم أكن أعمل وحدي"، مشددة على أن الفضل في النجاح في أي عمليات، كان نتيجة جهد جماعي.
وحسب الصحيفة، فإن كاثي تتحمل في طبيعة عملها، المسؤولية الأكبر عن حماية هويات عملاء (إس آي إس)، ومن ثمّ فإنه ربما لهذه الأسباب، تبدو ردودها أكثر تحفظًا، إذ تقول: "أنا محظوظة جدًا للقيام بهذا العمل. نشاهد جميعًا الصور المروعة للصراع الروسي في أوكرانيا. أحد الأشياء التي تجعلني أستمر أنني أعلم أننا نسهم في مكافحة الأزمات التي تواجهها المملكة المتحدة وحلفاؤنا طوال الوقت".
وعن النيات السيئة لبعض الرجال تجاه النساء خلال العمل، بينت مراسلة الصحيفة البريطانية، أن جميع الجاسوسات الذين تحدثت إليهن، سواء كانوا متقاعدين أم في مناصبهم، كانوا صريحين بشأن مخاطر إساءة عملاء محتملين قراءة نياتهم، حيث تُعقد الاجتماعات مع مصادر المخابرات في غرف الفنادق، أو أثناء التنقل بالسيارات، وكلاهما مواقع حميمة بشكل محرج.
وقالت المراسلة: "أخبرتني إحدى الجاسوسات التي ارتقت في رتب (إم آي 6)، قبل 40 عامًا بأنها تميل إلى إعلان نفسها كعضو في المخابرات البريطانية، في وقت مبكر جدًا من العملية، أكثر مما قد يفعله رجل، لتجنُّب أي لبس"، مشيرة إلى أنها تستخدم بعض المصطلحات التي تغير النيات السيئة مثل: "أشعر بأنني أختك".. "يمكنني أن أتخيل أنك أخي".. "أنا أحترمك حقًا كأبي" للخروج من مأزق ما.
ولفتت المراسلة، إلى أن إحدى الجاسوسات أبلغت عالمًا إيرانيًا بأنه يذكرها بوالدها الراحل، وهو ما بدّد التوتر بينهما.
وتعليقًا على ذلك، تلوم كلير هوبارد هول، مؤرخة التجسس، الثقافة الشعبية لـ"تأطير" النظرة العامة للجواسيس بشكل غير عادل على أنها "ذات طابع جنسي للغاية".
"آدا"
أما "آدا"، التي وصفتها مراسلة "فايننشال تايمز" بأنها تتولى أبرز المهام، فتتحمل مهام كبرى وخطيرة، إذ بدأت وظيفتها الأولى في مكافحة الانتشار النووي، وتدرجت إلى متابعة الحروب السيبرانية، ومراقبة الخلايا الإرهابية وبرامج الأسلحة.
وحسب "آدا"، فإن من مهامها إقامة "علاقات وثيقة بشكل لا يصدق مع عدد من الوكلاء المختلفين".
وتشير الصحيفة إلى أن هؤلاء العملاء يقدمون المعلومات عن الخلايا الإرهابية وبرامج الأسلحة، وبشكل متزايد، عن الحرب السيبرانية، ما يضعهم في خطر دائم، لذلك تعمل "آدا"وفريقها على متابعتهم لضمان أمنهم.
وأشارت المراسلة إلى أن النقص الأوسع في عدد النساء، في العلوم والهندسة، يجعل التوظيف أكثر صعوبة، لافتة إلى أن (آدا) رغم تدريبها الجيد فإنها لا تملك خلفية علمية ولا هندسية، لكن قوتها تكمن في الخبرة العملية، التي اكتسبتها عبر سلسلة من الوظائف في الخارج، حيث تعلمت اللغة العربية وأدارت عملاء، بما في ذلك في مناطق الحروب.
وعلى عكس الشخصيات في الأفلام، التي تنطلق من لندن للقيام بعمليات عاجلة، يعمل معظم ضباط (إس آي إس)، في السفارات الأجنبية تحت غطاء دبلوماسي، بينما يُستهلك قدر صغير نسبيًا من وقتهم في العمل الحساس من الناحية التشغيلية.
وفي ذلك، تقول "آدا": "لقد تم منحك قدرًا كبيرًا من الاستقلالية للعمل على كيفية أداء وظيفتك في أي ظرف من الظروف"، مضيفة: "عندما يتم إرسالك إلى الخارج، فأنت، عليك أن تعيش حياة عادية جدًا. ومن ثمّ علينا القيام بأشياء غير عادية في خدمة البلد، لكن من المهم حقًا أن تبدو عادية".
أما "ريبيكا" وهي نائبة الرئيس التي تشرف على الاستراتيجية العامة داخل الجهاز، فقد وصفتها مراسلة "فايننشال تايمز" بأنها في منتصف الخمسينيات من عمرها، وذات وجه مستدير، وترتدي نظارات كيوبيتس ذات زاوية وبعينين خضراوين بنيتين.
وتبين أن الفضول بشأن الناس هو ما دفع ريبيكا إلى التجسس في المقام الأول، لافتة إلى أنها ليست شجاعة على الإطلاق، و"لا تستطيع القفز من المرتفعات"، و"ليست مهووسة بالطائرات"، إلا أنها مع ذلك اختارت هذا العمل، لأنها رأت نفسها فيه كشجاعة ومقدامة، وهو ما يجعلها مختلفة تمامًا.
في البداية وهي في العشرينات من عمرها، كانت ريبيكا حذرة جدًا بشأن الانضمام لجهاز الاستخبارات، إلا أن الفضول دفعها لقبول الأمر.
وانضمت ريبيكا إلى "إس آي إس"، ضمن مجموعة مكونة من 11 رجلًا، وهي الفتاة الوحيدة بينهم، مشيرة إلى أن من الشروط التي تعرضت لها فحص خطيبها، حتى استطاعت الحصول على "الإذن بالزواج" به، لافتة إلى أنها في التسعينيات، أصبحت أول "جاسوسة" ترزق بطفل، ومن ثمّ حصلت على إجازة أمومة مدتها ثلاثة أشهر، كان من المتوقع خلالها أن تظل على اتصال بالوكلاء، تاركة زوجها مع الطفل أثناء خروجها لحضور الاجتماعات المسائية.
وأشارت إلى أنه عندما كان أطفالها في سن المراهقة، قررت ريبيكا إخبارهم بأنها جاسوسة، وقالت: "لقد كانوا عاقلين للغاية، ورأيت أن المعلومات لن تكون عبئًا عليهم، وأنهم لن يخبروا أحدًا"، لافتة إلى أنه بينما يختار بعض الجواسيس عدم إخبار أطفالهم، أردت منهم أن يعرفوا "المطالب الخاصة" في حياتها العملية.
ورغم شغف ريبيكا لأن تكون أول امرأة تتولى منصب رئيس الجهاز، فإنها تقاعدت برتبة نائبة الرئيس.
وتقول مراسلة "فايننشال تايمز": "أكثر الأشياء إثارة للاهتمام عن الجواسيس هي الأشياء التي لا يمكنهم التحدث عنها، فكلما قضيت وقتًا أطول مع ريبيكا وكاثي وآدا، أردت أن أسألهن أكثر، لكن لا يُسمح لي بمعرفة الكثير عن النجاحات، أو حتى الإخفاقات في حياتهن المهنية. لا أعرف عدد المخططات الإرهابية التي أحبطوها، ولا العمليات التي تجعلهن يشعرن بالفخر، ولم يتم إخباري بالمخاطر التي يتعرض لها الوكلاء، ولا عدد الذين ماتوا أثناء العمل، ولم أعلم المقايضات الأخلاقية التي يتعين عليهن القيام بها تحت الضغط، أو إلى أي مدى تعرضن للأذى الجسدي".
وأضافت: "يجب أن تكون هؤلاء النساء الثلاث من بين الأفضل في مجالهن، لكن ليس لديّ أي فكرة عما كلفهن ذلك أو كلف أسرهن، فقد قيل لي إن العديد من الجاسوسات عازبات، بينما تكافح أخريات لتحقيق التوازن بين متطلبات الحياة في الخارج ووظائف شركائهن وتعليم أطفالهن".
وتابعت متحدثة عن النساء الثلاث: "أشعر بأنني أفهم أخيرًا من يجب أن يكون جاسوسًا، الفاعل بدلاً من المتكلم، أو المقاتل بدلاً من المراقب، وأقول وداعًا لآدا، وأنزل في المصعد، وأعبر الردهة إلى الباب، ثم أسلم شارة الأمن الخاصة بي إلى مرافقي للخروج من هذا المكان".
واستدركت: "فقط عندما أشعر بالضيق في الشارع المظلم، أدرك أن بطل الرواية في الخطاب التحفيزي أسطورة ذكورية أخرى، كأسطورة جيمس بوند، أو جورج سمايلي، أو خيال آخر تمجد ما سماه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت (الرجال الذين يقمعون العاصفة ويركبون الرعد)، ومن ثمّ إذا كانت هناك أي مساواة للنساء اللاتي يتجسسنّ لبلدهن، يجب عليهن انتزاع هذا الحق مما سبق أن قدمنه من تضحيات جِسام، فلقد حان الوقت لقصة جديدة".