بأي ذنب قُتلت؟... وفاة مهسا أميني يعيد المحتجين الإيرانيين إلى الشوارع

عطلت السلطات الإيرانية الإنترنت بالعاصمة طهران، في محاولة للتأثير في إرسال المعلومات المتعلقة بالأحداث الجارية في إيران.

بأي ذنب قُتلت؟... وفاة مهسا أميني يعيد المحتجين الإيرانيين إلى الشوارع
مهسا أميني

السياق

«الموت للديكتاتور... مرشدنا الجاهل»، بهذه الشعارات المناهضة للنظام الإيراني، عبر آلاف المتظاهرين عن غضبهم من الممارسات القمعية التي تمارسها السلطات المحلية، التي أدت إلى قتل مهسا أميني على يد الشرطة.

فماذا حدث؟

مهسا أميني (22 عامًا) التي كانت تزور طهران مع عائلتها الأربعاء، أوقفتها دورية شرطة الأخلاق، بحجة حضور درس التوجيه وعدم ارتدائها الحجاب، لكن بعد ساعتين، نُقلت إلى أحد مستشفيات طهران بسيارة إسعاف، في حالة غيبوبة، توفيت بعدها بيومين، إثر «تعرضها للتعذيب من منظمة الإرشاد الإيرانية»، بحسب تقارير محلية.

وما إن أعلن وفاتها في مستشفى كسرى بالعاصمة طهران حتى تجمع مواطنون بالقرب من المستشفى احتجاجًا على قتل أميني، إلا أن مقاطع فيديو بُثت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وثَّقت هجوم مجموعة من رجال الأمن الإيرانيين، على المحتجين، الذين رفعوا شعارات بينها: «أقسم بدم مهسا... إيران ستتحرر».

ولم تقتصر احتجاجات الإيرانيين عند المستشفى، حيث أعلنت وفاة أميني، بل إن مقاطع فيديو بُثت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت اندلاع احتجاجات وسط العاصمة طهران، رافعة شعارات أبرزها: «الموت لخامنئي» و«الموت للديكتاتور»، بينما قابلت الشرطة الإيرانية تلك الوقفات باعتقال المحتجين.

وبحسب وسائل إعلام إيرانية معارضة، فإن المواطنين في بعض المدن الإيرانية، لا سيما العاصمة طهران، هتفوا من فوق أسطح المنازل، مرددين الشعارات نفسها.

وبحسب مقاطع فيديو وثَّقت جنازة مهسا أميني في سقز بمحافظة كردستان غربي إيران، فإن الآلاف الذين حضروا، هتفوا ضد المرشد خامنئي ورددوا شعار «الموت للديكتاتور»، وشعارات كردية مثل: «القتل من أجل الوشاح، إلی متی هذه الذلة؟».

ومنعت قوات الأمن الإيرانية سيارات المواطنين من دخول مدن أخرى في محافظة كردستان، غربي إيران، إلى سقز، لمنع مشاركة أوسع في دفن جثمان مهسا أميني.

وفي محاولة للحد من احتجاجات الإيرانيين ضد وفاة مهسا أميني، قالت شركة نت بلاكس، إن السلطات عطلت الإنترنت بالعاصمة طهران، بمحاولة للتأثير في إرسال المعلومات المتعلقة بالأحداث الجارية في إيران.

وبحسب «إيران إنترشيونال»، فإن جثمان مهسا أميني، الذي وصل إلى مقبرة آيجي في سقز غربي إيران، في وقت متأخر ليلة البارحة، حاولت القوات الأمنية مواراته الثرى سريعًا، خوفًا من اندلاع مزيد من الاحتجاجات، إلا أن عائلة مهسا قاومت ذلك.

رواية الشرطة

شرطة طهران قالت –الخميس- إن مهسا أميني أوقفت مع أخريات، لتلقي إرشادات بشأن قواعد اللباس، مشيرة إلى أنها عانت فجأة مشكلة في القلب.. ونُقلت على الفور إلى المستشفى.

وبينما قال التلفزيون الرسمي الجمعة: «للأسف ماتت وتم نقل جثتها إلى معهد الطب الشرعي»، لم يكشف ما حدث بين وصول الشابة إلى مركز الشرطة ونقلها إلى المستشفى، إلا أن وسائل إعلامية قالت إنها تلقت تعذيبًا على يد الشرطة الإيرانية، أدى إلى قتلها.

إلا أن خالها رفض -في مقابلة مع موقع اعتماد أونلاين الإيراني- رواية الشرطة التي تزعم أن أميني كانت تعاني أمراضًا، قائلًا: «لدينا ملف طبي يثبت صحتها بإمكاننا تقديمه»، واصفًا قوات منظمة الإرشاد بـ«المتقاعسين والمتكالبين على أرواح الناس».

وعن رواية الشرطة بأن قواتها لم ترتكب شيئًا بحق أميني، قال خال الفتاة، إن «شقيقها كان هناك، ولما أراد المقاومة وعدم السماح باعتقالها، أطلقوا غازًا مسيلًا للدموع على وجهه».

وقالت أسرة مهسا أميني، إنهم لن يتنازلوا عن حق فقيدتهم، وسيتخذون الإجراءات القانونية لمعاقبة المتسببين في قتلها.

أمر رئاسي بفتح تحقيق

وبعد أن أثارت الواقعة غضبًا عارمًا على مواقع التواصل الاجتماعي، أمر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالتحقيق في وفاة أميني، التي أوقفتها «شرطة الأخلاق» المكلفة بالتأكد من ارتداء النساء للحجاب.

وقال الموقع الرسمي للقضاء الإيراني «ميزان نيوز»، إن المدعي العام في طهران علي صالحي أمر فريقًا من الأطباء الشرعيين بفحص الجوانب الطبية للقضية.

ردود فعل محلية

العنف الذي تعرضت له أميني من قِبل الشرطة الإيرانية، أثار غضب بعض المنظمات الدولية والرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت فائزة هاشمي، ابنة الرئيس الإيراني الأسبق، هاشمي رفسنجاني، إن تعامل النظام الإيراني مع المواطنین والسجناء أسوأ من إسرائيل، مشيرة إلى أنه في حين أطلقت إسرائيل مؤخرًا سراح سجينة كانت مضربة عن الطعام، تتجاهل السلطات الإيرانية إضراب العديد من السجناء السياسيين.

وقال نائب رئيس البرلمان الإيراني السابق علي مطهري، إن أحداث مثل قضية مهسا أميني، تظهر لنا وجهًا مثل حركة طالبان الأفغانية في العالم.

وعن قتل أميني، قالت زهراء رهنورد زوجة مير محسين موسوي زعيم الحركة الخضراء، الخاضع للإقامة الجبرية في إيران، إن تعامل السلطة في منتهى القسوة، إذ تطبق على النساء أشكالًا من العنف لم تحدث حتى في دكتاتوريات القرون الوسطى، مشيرة إلى أن هذه الممارسات بدعة ليست في الدين ولا الأعراف.

يأتي ذلك، بينما تستعد مجموعة من المحامين والنشطاء والشخصيات المعارضة للنظام الإيراني والرهائن السابقين في إيران لرفع دعوى قضائية في نيويورك، ضد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لدوره في التعذيب والسجن والاعتداء علی المواطنين.

ردود فعل دولية

من جانبها، قالت منظمة العفو الدولية إن الظروف التي أدت إلى وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني، بشكل مشبوه، بما في ذلك تقارير تعذيبها وتعرضها لمعاملة سيئة داخل المعتقل، يجب أن تخضع لتحقيق جنائي، مطالبة بتقديم المتورطين والمسؤولين إلى العدالة.

بينما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، في تصريحات لـ«إيران إنترناشيونال»- إن وفاة مهسا أميني بسبب الإصابات التي تعرضت لها أثناء اعتقالها من قِبل الشرطة، بسبب الحجاب أمر صادم، ويُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان.

وأضاف متحدث الخارجية الأمريكية أن واشنطن تتعاطف مع أسرة مهسا وأحبابها، مشيرًا إلى أنه يجب أن يكون للمرأة الإيرانية الحق في ارتداء ما تريد، بعيدًا عن العنف والأذى. 

وأشار إلى أن على طهران أن تكف عن استخدام القوة ضد النساء، لفعل أشياء تتعلق بحرياتهن الأساسية، مطالبًا قادة إيران بمحاسبة المسؤولين عن وفاة مهسا.

بدورها، وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش قتل مهسا أميني بـ«الحادث القاسي»، مشيرة إلى أنه على السلطات الإيرانية إلغاء قانون «الحجاب الإجباري» وإلغاء أو تعديل القوانين الأخرى التي تحرم المرأة من استقلالها وحقوقها.

من جانبه، وصف روبرت مالي، الممثل الأمريكي الخاص لشؤون إيران، وفاة أميني بـ«المروعة»، قائلاً إنه يجب محاسبة المسؤولين عن وفاتها، مطالبًا إيران بإنهاء العنف ضد النساء والسماح لهن بممارسة حقوقهن الأساسية.

مهسا تتصدر "تويتر"

وتصدر وسم مهسا أمیني مواقع التواصل الاجتماعي في إيران، بينما عبَّـر الناشطون عن غضبهم من العنف الذي تعرضت له أميني، مطالبين بكف يد ما تسمى «شرطة الأخلاق».

وقال علي دائي، لاعب منتخب إيران السابق وأسطورة كرة القدم الإيرانية، تعليقًا على قتل أميني: "دمرتم البلاد، ابنتي تسأل عما حدث لمهسا، ماذا حدث؟ ما ردي عليها؟ بأي ذنب قُتلت؟!".

بينما قالت الناشطة الإيرانية فاطمة سبهري: "الطريق الوحيد لإنهاء هذا العنف إطاحة النظام، لأن الشعب الإيراني لن يثق بعد الآن بالأصوليين ولا الإصلاحيين ولا البرلمان".