على غرار مالي... هل تخرج تشاد من عباءة فرنسا؟

تأتي الاحتجاجات استنكارًا لمساندة فرنسا للمجلس العسكري بقيادة محمد ديبي، الذي تقلد زمام السلطة، بعد اغتيال والده الرئيس السابق إدريس ديبي

على غرار مالي... هل تخرج تشاد من عباءة فرنسا؟

ترجمات- السياق

اجتاحت الاحتجاجات ضد الوجود العسكري الفرنسي مدن دولة تشاد، متهمين باريس بدعم المجلس العسكري الحاكم في البلاد.

وذكرت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، أن الآلاف من المواطنين تظاهروا في تشاد، احتجاجًا على استمرار الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل غربي إفريقيا، حيث رفع المحتجون شعارات مناهضة لفرنسا، وأضرموا النيران في عدد من محطات الوقود، التي تملكها وتديرها شركة الطاقة الفرنسية العملاقة "توتال" التي تمارس أعمالاً واسعة النطاق في منطقتها "الاستعمارية السابقة"، بينما حاول المتظاهرون الوصول إلى القصر الرئاسي، قبل أن تتدخل الشرطة التشادية لتفريقهم بالقوة.


قواعد عسكرية إضافية

وتؤكد المجلة أنه سريعًا ما جرى تعزيز الأمن في إنجمينا، عاصمة تشاد، حيث قامت وحدات أكبر من الشرطة بدوريات في الشوارع الرئيسة، لمنع تكرار الأمر، إلا أن ما حدث ينذر بتطورات أخرى قريبًا.

تأتي هذه الاحتجاجات استنكارًا لمساندة فرنسا للمجلس العسكري بقيادة محمد ديبي، الذي تقلد زمام السلطة، بعد اغتيال والده الرئيس السابق إدريس ديبي، كما تأتي ردًا على إعلان باريس نيتها بإنشاء قواعد عسكرية إضافية لقواتها في تشاد.

 

مشاعر معادية

وأشارت "ناشيونال إنترست" إلى أنه في السنوات الأخيرة، زادت المشاعر المعادية للفرنسيين غربي إفريقيا، حيث استعدَت القوات الفرنسية أحيانًا السكان، خلال محاولاتهم لمطاردة الجماعات الإسلامية المناهضة للحكومات، مشيرة إلى أنه عام 2021، قتلت القوات الفرنسية -التي كانت تمر عبر النيجر- اثنين من المتظاهرين، ما أدى إلى احتجاجات على مستوى البلاد.

ولفتت إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن -في فبراير 2022- أن بلاده بصدد سحب قواتها المتمركزة في مالي، إثر تدهور العلاقات بين الجانبين، بعد أن عقدت الحكومة في مالي اتفاقيات مع مجموعة فاجنر الروسية، ما عدَّته باريس تحديًا لها، ورغبةً من مالي في استبدال القوات الروسية بالوجود العسكري الفرنسي، فاتخذ ماكرون قرارًا بالانسحاب من مالي، ومع ذلك، تواصل القوات الفرنسية التمركز لمكافحة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في دول الساحل: النيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

 

دعم إدريس الأب والابن

وبينت المجلة أن فرنسا تتمتع بعلاقات وثيقة مع الحكومة التشادية، فخلال حكم الرئيس الراحل إدريس ديبي منذ عام 1990 حتى قتله خلال معركة ضد المتمردين الشماليين في أبريل 2021، دعمت فرنسا بقاءه في السلطة، وتدخلت القوات الفرنسية ضد متمردين حاولوا إسقاط نظامه عام 2008، وطاردت معارضيه حتى فروا إلى السودان.

كما دعمت باريس تولي نجله محمد إدريس ديبي رئاسة البلاد خلفًا له، رغم أن الدستور التشادي ينص على أن يتولى رئيس البرلمان المنصب حال فراغ السلطة.


تشاد على خطى مالي

وكشفت "ناشيونال إنترست" أن الدعم الذي قدمته فرنسا لـ "ديبي الابن" لرئاسة تشاد -رغم مخالفة أحكام الدستور- كان سببًا رئيسًا في تأجيج المشاعر المعادية للوجود العسكري الفرنسي بالبلاد.

وذكرت أنه رغم أن هذه التحركات تهدف إلى ضمان الاستقرار في منطقة شديدة الاضطراب، فإنها أثارت عداوة العديد من حركات المعارضة، بما في ذلك نقابة مواطنين واكت تاما، التي ساعدت في التخطيط للاحتجاجات الأخيرة.

 

إعادة توزيع القواعد

كان منسق ائتلاف "واكت تما" المعارض، ماكس لوننغار، قد اتهم السلطات الانتقالية، بالسماح لفرنسا بتأسيس قواعد عسكرية جديدة في خمس بلدات بتشاد، من دون استشارة الشعب.

وأوضح -في تصريحات للصحافة المحلية- أن التعزيز العسكري الفرنسي في تشاد، يأتي ضمن خطة إعادة توزيع قواتها في الساحل الإفريقي، بعد سحبها نهائيًا من مالي، حيث من المرجح أن يُعاد نشرها في النيجر، إضافة إلى تشاد وموريتانيا.

 

ثروة باطن تشاد

ونقلت صحف محلية عن أحد المحتجين ويدعى سليمان طاهر، قوله: "فرنسا تتدخل في السياسة الداخلية لبلادنا، وباتت الآن الأراضي التشادية كلها محتلة من قِبل الجيش الفرنسي"، مشيرًا إلى أن الجيش الفرنسي معني بثروة باطن تشاد وليس برفاهية الشعب التشادي كما يردد.

بينما قال متحدث آخر: إن المظاهرة دعا إليها تحالف المجتمع المدني التشادي "واكت تما" للتنديد بدعم فرنسا للمجلس العسكري الانتقالي، الذي استولى على السلطة في أعقاب قتل الرئيس إدريس ديبي بساحة المعركة في أبريل 2021.


تبديد الآمال

ورأت المجلة أن الرئيس التشادي، محمد إدريس ديبي، بدد الآمال في إجراء مزيد من الإصلاحات باعتقال ستة أعضاء وأنصار لتحالف واكت تاما، وهو ائتلاف من أحزاب المعارضة التشادية ومنظمات المجتمع المدني، لمشاركتهم في مظاهرة 14 مايو بالعاصمة إنجامينا.


الإخلال بالنظام

وعقب المظاهرات، قال قادة "واكت تما" لـ "هيومن رايتس ووتش": في 14 مايو الجاري، دعا وزير الأمن إدريس دوكوني أديكر اثنين من أعضائها إلى اجتماع سلمهما فيهما إلى المخابرات لوضعهما قيد الاعتقال.

وفي 15 مايو، اعتقلت المخابرات أحد أعضاء "واكت تما " وأحد مناصريه، بينما اعتقل ضباط بملابس مدنية أحد أنصار "واكت تما" في منزله، وفي 17 مايو  ألقي القبض على المتحدث باسم المجموعة ماكس لوننغار.

ووجهت إلى الرجال الستة تهم الإخلال بالنظام العام والإضرار بالممتلكات والاعتداء الجسدي، حيث احتجز خمسة منهم في سجن إنجامينا المركزي، في حين أن لوننغار محتجز في مقر المخابرات.

حقوق الإنسان

وقال المدعي العام التشادي إن محاكمة الرجال الستة ستبدأ 6 يونيو المقبل، بينما أعلنت نقابة المحامين التشادية في 17 مايو، وقف أنشطتها احتجاجًا على الاعتقالات.

وحسب تقارير أمريكية، تؤكد هذه الاعتقالات الأخيرة تراجع السلطات العسكرية التشادية عن حقوق الإنسان، مشيرة إلى أنه بعد الوفاة المفاجئة للرئيس إدريس ديبي عام 2021 والاستيلاء "غير الدستوري" على الحكم من قِبل ابنه محمد إدريس، ساءت حالة حقوق الإنسان المقلقة في تشاد، لاسيما في ما يتعلق بحرية التجمع والتعبير.

وحسب هذه التقارير، فقد شاب حُكم محمد إدريس قمع ضد الاحتجاجات السلمية، واعتقال واحتجاز تعسفي لمئات من أعضاء وأنصار أحزاب المعارضة.

لكن -حسب المجلة- لا يزال بإمكان تشاد إنهاء هذا القمع، بالإفراج الفوري عن أعضاء "واكت تما" الستة وأنصارها، وإسقاط التهم ذات الدوافع السياسية الموجهة إليهم.