أمريكا تتودد لإيران على حساب الحلفاء... خوف أم مهادنة؟
بعد أن كانت أمريكا ترى أن إلقاء الصواريخ البالستية عبر الحدود الدولية على المناطق المدنية عمل إرهابي، غضت الطرف عن الهجوم الذي شنته مليشيات الحرس الثوري الإيراني في 12 مارس الماضي، على أربيل بالعراق

ترجمات – السياق
بعد سنوات أربع، قدَّمت فيها الولايات المتحدة الأمريكية رؤية وصفت بـ«الجريئة» في طريقة تعاملها مع الملفات المعقدة بالشرق الأوسط والعالم، عادت واشنطن إلى ممارسة القوة الناعمة، التي أضعفت اليد الدبلوماسية الأمريكية.
تلك القوة الناعمة، التي بدت واضحة في سياق تعامل أمريكا مع الهجوم الروسي على أمريكا، لم تكن السيناريو الأفضل في مواجهة الحرب، بل إن عقيدة اللامبالاة الأمريكية أجبرت الحلفاء على دفع الثمن.
فابتعاد واشنطن عن الردع التقليدي، كان سياستها الجديدة في التعامل مع ملفين شديدي الحساسية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، هما الاتفاق النووي الإيراني والهجوم الروسي على أوكرانيا، بحسب مايكل دوران الزميل الرفيع في معهد هدسون بواشنطن.
رؤية جديدة
وقال دوران في تحليل بمدونة باري فيس -المعنية بالتحليلات السياسية- إن تراجع الدور القيادي لواشنطن يعود إلى رؤية للرئيس الأمريكي الأسبق باراك عام 2009، عندما رفض تأييد الفهم التقليدي للاستثنائية الأمريكية، قائلًا: «إنني أؤمن بالاستثنائية الأمريكية تمامًا، كما أظن أن البريطانيين يؤمنون بالاستثنائية البريطانية، ويؤمن اليونانيون بالاستثنائية اليونانية».
تلك الجملة التي وصفها بـ«الاستفزازية» تصدرت -في ذلك الوقت- عناوين الصحف، لكن ما قاله أوباما بعد ذلك كان على القدر نفسه من الأهمية إذ أصر على أن الدور القيادي لأمريكا يعتمد على إقامة شراكات، لأن أمريكا لا تستطيع حل المشكلات بمفردها، بحسب مايكل دوران، الزميل الرفيع في معهد هدسون بواشنطن.
وحاول الكاتب تفسير الرؤية الأمريكية وتأثيرها في الصراع بأوكرانيا، والملف النووي الإيراني، قائلًا: رغم «الفشل» الحالي في توضيح مستقبل الحرب بأوروبا، فإنه في الجهة الأخرى كان من المفترض أن يستغل الرئيس الروسي خطابه يوم النصر في التاسع من مايو الجاري، لكشف نيته في ما يتعلق بحرب أوكرانيا، سواء بما يشير إلى صراع طويل الأمد أم ربما وضع أسس للطريق إلى السلام.
ورغم أن الرؤية الأمريكية الجديدة لم تكن مؤثرة بالقدر الكافي في الملف الأوكراني، فإن الكاتب قال إن حل المعضلة الأوكرانية يبدأ من إيران.
الملف النووي
ففي محاولة لكسر جمود المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، قال الكاتب إن إنريكي مورا، منسق الاتحاد الأوروبي للمحادثات النووية الإيرانية، زار طهران في 10 مايو الجاري.
وأكد أن الدبلوماسيين الأمريكيين أمضوا أوقاتًا طويلة في المفاوضات بشأن الملف النووي لطهران، انتهت بتمسك إيران بأن تزيل الولايات المتحدة الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية لوزارة الخارجية الأمريكية، ما يعيق تلك المحادثات حتى الآن.
ورغم المطالب الإيرانية وحرصًا من أمريكا على إتمام الصفقة، بدأ الرئيس بايدن التفكير في الامتثال لمطلب طهران -وهي عملية تضمنت مشاورات مع المتشككين- بما في ذلك الحكومة الإسرائيلية التي كانت مندهشة مما يحدث، إذ وصف رئيس الوزراء نفتالي بينيت هذه الخطوة بـ«الوهمية».
فبعد أن كانت أمريكا ترى أن إلقاء الصواريخ البالستية عبر الحدود الدولية على المناطق المدنية عمل إرهابي، غضت الطرف عن الهجوم الذي شنته مليشيات الحرس الثوري الإيراني في 12 مارس الماضي، على أربيل بالعراق.
ضعف أمريكي
إلا أن هذا التغير لم يكن فريدًا من نوعه، بحسب دوران، الذي قال إنه على مدى الأشهر الستة الماضية، شنت إيران هجمات عدة بالصواريخ البالستية وطائرات من دون طيار على حلفاء أمريكا مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، من خلال وكيلها الحوثي في اليمن، بينما شنت هجومًا مباشرًا، عن طريق وكيلها في العراق، على القوات الأمريكية في قاعدة التنف بسوريا.
كما دبرت مؤامرة لاختطاف الصحفية الأمريكية الإيرانية مسيح علي نجاد من منزلها في بروكلين، وخططت لاغتيال وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، ومبعوث إيران السابق بريان هوك، ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون.
خطط إيرانية ماكرة واعتداءات عدة غضت أمريكا الطرف عنها، بل إن فريق بايدن طلب من طهران بأدب في سياق المفاوضات النووية، وضع حد لمؤامرات الاغتيال هذه، بينما لم ترد الأخيرة بالقبول.
ورغم الرفض الإيراني –بحسب الكاتب دوران- فإن فريق بايدن قلل من أهمية هذه الاستفزازات، وغيرها الكثير، ما أثار العديد من التساؤلات عن الموقف الأمريكي.
قضايا خفية
تساؤلات أبان دوران الكثير من خفاياها، قائلًا، إن الجواب الواضح أن البيت الأبيض لا يريد فعل أي شيء، لإبطاء أو عرقلة جهوده لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة الخاصة بالاتفاق النووي، مشيرًا إلى أن إدارة بايدن تعمل ضمن الخطوط التي رسمها الرئيس الأسبق باراك أوباما، عندما قال: «يوجد بالفعل بديلان فقط هنا... إما أن تحصل إيران على سلاح نووي يجرى حله دبلوماسيًا من خلال المفاوضات، وإما حله بالقوة، من خلال الحرب».
ورغم الموقف الأمريكي، فإن الكاتب دوران قال إن الفحص السريع للصفقة يكشف أنه لم يحسم أي شيء حتى الآن، بل على العكس من ذلك، سُمح لطهران بالاحتفاظ بكل ما تحتاجه لبناء قنبلة نووية، والمضي قدمًا في إحراز تقدم ببرنامج أسلحتها، من خلال تطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة.
وأكد الكاتب دوران، أنه بحلول عام 2031، وبموجب شروط هذه الصفقة، سيكون لدى إيران برنامج أسلحة نووي كبير وغير مقيّد، محذرًا من أن حلفاء الولايات المتحدة، خصوصًا إسرائيل والخليج، لن يسمحوا لإيران بامتلاك السلاح النووي، وسيعملون بمنتهى القوة على ردع إيران عن التقدم نحو امتلاك هذه القنبلة، لكن إذا كانوا متأكدين فقط من أن واشنطن ستدعمهم.
وطرح دوران تساؤلات عدة، قائلا: ما الذي يجعل فريق بايدن حريصًا جدًا على عقد صفقة تضمن إيران نووية؟ ولماذا تتعامل مع الصين كشريك أساسي في الصفقة، حتى في الوقت الذي تعلن فيه بكين صراحة نيتها قلب النظام العالمي الذي تقوده أمريكا؟ ولماذا استبعد بايدن حلفاء تقليديين مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية من المفاوضات؟!
نظام عالمي جديد
الإجابة عن هذه الأسئلة تفسِّرها تصريحات محمود عباس زاده مشكيني، المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، عشية حرب أوكرانيا، قائلًا: في النظام العالمي الجديد، تشكل مثلث يتكون من ثلاث قوى: إيران، وروسيا، والصين.
وحذر الكاتب الأمريكي من أن هذا الترتيب الجديد يبشر بنهاية الهيمنة الجائرة للولايات المتحدة والغرب، وهو ما يفسِّر الطريق الذي تسلكه أمريكا إلى تحقيق التوازن، الذي تستند فيه إلى أفكار أوباما وبايدن، الساعية للتودد إلى النظام الإيراني.
وانتقد الطريق الأمريكي لتحقيق التوازن المزعوم، قائلًا، إن «عقيدة اللامستثنائية الأمريكية هذه تعارض فكرة توازن القوى ذاتها كما فهمناها منذ العصور القديمة».
واستهجن عقيدة أوباما وبايدن، التي قال إنها أكثر من مجرد تقليص أو تقنين لدور أمريكا في الشرق الأوسط، إذ إنه يمكن للولايات المتحدة -على سبيل المثال- الانسحاب عسكريًا من بلد ما، بينما تطالب الحلفاء ببذل المزيد لمواجهة إيران.