رغم علاقته القوية ببوتين... ناريندرا مودي يحقق انتصارات في الغرب
زعماء الغرب يخطبون ود رئيس الوزراء الهند، سعيًا إلى توازن مضاد للصين

ترجمات – السياق
قالت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، إن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، نجح في تحقيق انتصارات دبلوماسية، رغم أنه رفض قطع العلاقات مع روسيا، بعد الغزو الذي تشنّه الأخيرة على أوكرانيا منذ 24 فبراير الماضي.
وأضافت الصحيفة أن زعماء الغرب يخطبون ود رئيس الوزراء الهند، سعيًا إلى توازن مضاد للصين.
وتلعب لغة الصفقات العسكرية، العامل الحاسم في استمرار قوة العلاقات بين الهند وروسيا، إذ تضطر نيودلهي للإحجام عن إدانة غزو الثانية لأوكرانيا، ورفض الهجوم على موسكو في قاعات الأمم المتحدة، بل وتزداد هذه العلاقات قوة عبر اتفاقات كبيرة للنفط، إذ تعد دلهي ثاني أكبر مستورد في آسيا للنفط الروسي.
وأمام قوة هذه العلاقات، وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن الهند بأنها استثناء بين حلفاء الولايات المتحدة، بسبب موقفها الذي وصفه بـ"المتردد" من الغزو الروسي لأوكرانيا.
ترحيب حار
وبينّت "فاينانشال تايمز" أنه رغم المساحة الكبيرة من العلاقات بين دلهي وموسكو، فإن الغرب يتودد إلى رئيس الوزراء الهندي، مشيرة إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استقبل ناريندرا مودي بالأحضان في قصر الإليزيه، بعد فترة قصيرة من إعادة انتخابه رئيسًا لفرنسا.
وفي برلين، رحب المستشار الألماني أولاف شولتز بشريكه العظيم، بينما أغدق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون المدح عليه خلال زيارته إلى نيودلهي، ووصفه بالصديق الخاص.
وحسب الصحيفة، قام مودي بجولة في فرنسا وألمانيا والدنمارك، بعد زيارات مماثلة لجونسون ورئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين للهند، حيث كان القادة الغربيون يتوددون إليه ووقَّعوا اتفاقيات ثنائية لإلزام نيودلهي -التي يُنظر إليها على أنها قوة موازنة آسيوية حيوية للصين- بالتقرب من الغرب.
وأوضحت أن ما سمتها "هذه المودة" من القادة الأوروبيين تجاه ناريندرا مودي، تُعد تتويجًا لفترة محمومة من الدبلوماسية الدولية لرئيس الوزراء الهندي، رغم رفضه قطع العلاقات مع روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.
ونقلت الصحيفة البريطانية، عن نيروباما رو، وزيرة الخارجية الهندية السابقة، سفيرة الهند السابقة في واشنطن، قولها: "يبدو أن هناك إدراكًا -لدى الولايات المتحدة والصين- بأن الهند دولة كبيرة ومهمة للغاية، بصورة لا تجعل التعريفات التقليدية للصراع، إما معنا وإما علينا، مناسبة في التعامل معها"،مشددة على أن ذلك ساعد الهند في تعزيز مصالحها الخاصة.
وأشارت إلى أنه بعد بعض الانتقادات للهند في المرحلة الأولى من الحرب ضد أوكرانيا، بسبب موقفها (الحيادي) وعدم رفضها إدانة روسيا، فإن القادة الغربيين أصبحوا أكثر حرصًا، ويتجنبون النقاشات المتوترة عن علاقات الهند بروسيا.
وأوضحت أنه -كمحاولة لتخفيف اعتماد نيودلهي على موسكو عسكريًا- أعلنت المملكة المتحدة وفرنسا شراكات دفاعية مع الهند لتنويع ترسانتها، بينما سعى الاتحاد الأوروبي ولندن إلى تنشيط مباحثات اتفاقيات التجارة الحرة، لتعزيز الروابط الاقتصادية بين الجانبين.
دور مؤثر
وأمام قوة الهند آسيويًا، اقترح بعض القادة الغربيين، مثل رئيسة وزراء الدنمارك مته فريدريكسن، التي التقت مودي في كوبنهاغن، أن تستغل الهند موقفها المحايد في الصراع، للتأثير في موسكو لإنهاء الحرب.
ونقلت "فاينانشال تايمز" عن مسؤول هندي قوله: "الكل يفهمون حقيقة أن القيادة السياسية في الهند لا تعاني مشكلات داخلية"، مشيرًا إلى أن حزب بهاراتيا جاناتا، الذي ينتمي إليه مودي، يهيمن على السياسة الداخلية، موضحًا أنه بالنسبة للقادة الأجانب، فإن الخيار الأفضل لهم هو التوافق مع هذا الحزب في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها التنوع الاقتصادي وحرب أوكرانيا.
وترى الصحيفة، أن معظم الهنود يعدون روسيا أقدم شريك لبلادهم، حيث كان زعماء الهند بعد الاستقلال، ومن بينهم جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء في الهند، ينظرون إلى روسيا بأنها مصدر للإلهام الاقتصادي، كما أن نيودلهي لجأت إلى موسكو لتعزيز ترسانتها العسكرية ضد جارتها اللدود باكستان.
وبينت أن الهند تمسكت بشريكها التاريخي بعد الغزو ، حيث امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة للتنديد بروسيا، كما سعت إلى تعزيز التجارة الثنائية، وزيادة واردات النفط الروسي بسعر مخفض، حيث حاولت الدول الغربية عزل الكرملين اقتصاديًا من خلال فرض عقوبات واسعة النطاق، ومع ذلك، لا يزال حجم واردات الوقود الهندي من روسيا أقل بكثير من العديد من الدول الأوروبية.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن محللين، قولهم: مع اعتبار الهند بديلاً جيوسياسيًا واقتصاديًا حيويًا للصين، لا يرى القادة الدوليون سوى الجانب الإيجابي لنيودلهي، مشيرين إلى أن هذه النظرة زادت بعد أن ندد وزير الخارجية سوبرامانيام جايشانكار، في مارس الماضي، بما وصفها بـ "حملة" ضد الهند على وارداتها النفطية من روسيا.
التهديد الصيني
وأوضحت "فاينانشال تايمز" أن الحرب الأوكرانية والصراع الأوروبي تسببا في جذب انتباه الغرب إلى ما تنظر إليه الهند كقضية أكثر أهمية، تتمثل بالتهديد العسكري الصيني في آسيا والمحيط الهندي، حيث دخلت نيودلهي وبكين في مواجهة عسكرية على حدودهما في جبال الهيمالايا منذ منتصف عام 2020.
ونقلت عن راجا موهان، الزميل البارز في المعهد السياسي الآسيوي قوله: بالنسبة للولايات المتحدة، فإن القضية الروسية لا تصرف انتباهها عن المشكلة الصينية، وفي المسألة الصينية، فإن دور الهند المحوري أمر بديهي.
وحسب الصحيفة، رأى ك. سينغ ، وزير الخارجية الهندي الأسبق، أن المراوغة الهندية في الصراع الروسي، يمكن أن تستمر رغم ذلك في الإضرار بعلاقات البلاد بالغرب، إذا خلص قادة مثل الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى أنه لا يمكن الوثوق بنيودلهي أوقات الأزمات.
وأضاف: "إنهم يرسلون إشارة إلى الغرب عن مدى الوثوق بالهند كشريك"، متابعًا: "لدينا مصالح متقاربة مع الأمريكيين في ما يتعلق بالصين، بينما في المقابل نرفض التعليق على الأزمة الأوكرانية، وهو ما يثير التساؤل عن إمكانية وضعنا كشريك انتقائي".
وحسب الصحيفة البريطانية، يعتقد آخرون أن تعليقات الهند العامة، واللقاءات المكثفة بالقادة الغربيين، جعلت رفضها لتصرفات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واضحًا، مشيرة إلى أنه في حين أن الهند لم تدن روسيا بشكل مباشر ، إلا أنها انتقدت قتل المدنيين في بوتشا من دون توجيه اللوم صراحةً، كما دعا مودي مرارًا إلى احترام "وحدة الأراضي ، التي يراها البعض توبيخًا مستترًا لموسكو.
وصرح بيوش جويال، وزير التجارة الهندي، العضو البارز في حزب بهاراتيا جاناتا، للصحفيين الأجانب -هذا الأسبوع- بأن موقف الهند مفهوم جيدًا على مستوى العالم.
وقال: "نحن ندرك أن العالم الديمقراطي يحتاج إلى الدخول مع بعضه، وهناك اهتمام كبير بين قادة العالم -بما في ذلك الاتحاد الأوروبي- لتوسيع المشاركة مع الهند".