لماذا ترفض تركيا انضمام فنلندا وروسيا إلى حلف الناتو؟

من المرجح أن يتعامل أردوغان مع مخاوفه حيال الفنلنديين والسويديين، لكسب شعبية وإظهار أنه انتزع تنازلات مهمة من الأوروبيين، وفي المقابل، سيرغب الرئيس التركي في الحصول على المزيد من الأسلحة الأكثر تطورًا، وربما بعض المساعدة المالية من الناتو

لماذا ترفض تركيا انضمام فنلندا وروسيا إلى حلف الناتو؟
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

ترجمات - السياق 

فنلندا والسويد جارتا روسيا قدما طلبا رسميا الانضمام إلى حلف الناتو، وهو ما ثار استياء موسكو، وأعلن الكرملين أن هذه الخطوة لن تمر دون رد. ليست روسيا وحدها من تعارض انضمام الدولتين إلى حلف الناتو، بل تركيا أيضا، إذ رفضت أنقرة طلب انضمامها، وتحدث الرئيس رجب طيب أردوغان بنفسه عن أنه سيمنع عضوية البلدين.

تعنت أردوغان

إلى ذلك قالت شبكة بلومبرغ الأمريكية، إن ما سمته "تعنت" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه توسع حلف شمال الأطلسي "الناتو" ليس في صالحه، في إشارة إلى رفضه انضمام فنلندا والسويد اللتين تقدمتا اليوم الأربعاء بطلبين رسميين، لتبدأ بذلك عملية انضمام من المتوقع أن تستغرق بضعة أسابيع فقط.

ونقلت عن الرئيس التركي قوله: إنه لن يسمح للسويد وفنلندا بالانضمام إلى الناتو بسبب مواقفهما من المسلحين الأكراد، وهو الأمر الذي يؤثر بشدة في خطط تقوية التحالف العسكري الغربي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وأضاف أردوغان: "هذان البلدان (فنلندا والسويد) يفتقران إلى موقف واضح ضد الإرهاب.. السويد هي أرض تعشعش فيها المنظمات الإرهابية".

وترى الشبكة الأمريكية، أن الرئيس التركي في تصريحاته التي أدلى بها مؤخرًا، "سكب الماء البارد وسط توقعات بإمكانية حل المعارضة التركية لخطة التوسيع بسهولة"، مشيرة إلى أنه تحدث صراحةً عن رفضه انضمام فنلندا والسويد، وذلك في إشارة واضحة على أنه ينوي منع عضوية البلدين، أو على الأقل انتزاع تنازلات منهما مقابل ذلك.

التهديد الكردي

وأوضحت بلومبرغ، أن صُلب المشكلة، يكمن في استياء أردوغان العميق من "حلفاء الناتو"، بسبب ما يراه من رفض الحلف أخذ "مخاوف" أنقرة على محمل الجد بشأن المسلحين الأكراد في الداخل التركي وخارج حدودها في سوريا والعراق.

وبينّت بلومبيرغ أن أنقرة تريد اعتراف جميع أعضاء الناتو بتصورها للتهديد الكردي، وتقول إنه يجب تنسيق أولويات المخاطر عبر الحلف.

انتزاع تنازلات

ونقلت الشبكة الأمريكية عن وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن، قوله: إن أردوغان يستخدم الوضع كحيلة تفاوضية لمحاولة انتزاع التنازلات، بما في ذلك في جهود بلاده لشراء طائرات مقاتلة من طراز "إف 35" من الولايات المتحدة.
عقلية التاجر
وأضاف أسيلبورن -حسبما نقلت الشبكة عن إذاعة دويتشلاند فونك الألمانية: "عقلية التاجر هذه موجودة في تركيا وأيضًا لدى رئيسها أردوغان، ونحن نعلم ذلك"، مضيفًا: "أعتقد أنه يرفع السعر فقط، لكن في نهاية المطاف أنا مقتنع بأن تركيا لا تستطيع أن تضغط على هذا".
وفي يوليو 2019 أخرج البنتاغون، تركيا من برنامج شراء - والمساعدة في بناء - مقاتلات (إف 35) التابعة لشركة لوكهايد مارتن الأمريكية وذلك بعد أن اشترت حكومة أردوغان نظام الصواريخ الروسي الصنع إس 400.

وأشارت إلى أنه في سبتمبر الماضي، أرسلت تركيا طلبًا رسميًا إلى الولايات المتحدة لشراء 40 طائرة جديدة من طراز F-16 Block 70 وما يقرب من 80 مجموعة من شركة لوكهايد مارتن لتحديث مقاتلاتها الحالية.

لقاء أمريكي - تركي
ويلتقي وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لقاء وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين، الأربعاء، لمناقشة القضية، مع توقعات أن تصل قيمة الصفقة المحتملة إلى 6 مليارات دولار.
وكان الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ قد قال إنه يتوقع العمل حتى اللحظة الأخيرة لخطة التوسيع، لكن -حسب الشبكة الأمريكية- من غير المرجح أن يحدث ذلك قريبًا، خصوصًا بعد أن قال أردوغان: إن الوفود السويدية والفنلندية يجب ألا تكلف نفسها عناء القدوم إلى تركيا لمحاولة إقناع تركيا بالموافقة على عضوية البلاد في الناتو.

الوجود التركي في سوريا

وترى بلومبرغ، أن جزء كبير من الخلاف يتلخص في كيفية تفريق الدول المتحالفة بين مجموعتين كرديتين مرتبطتين تقاتل تركيا ضدهما.

وأشارت إلى أنه في حين أن تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي متحالفين في اعتبار حزب العمال الكردستاني، أو PKK ، منظمة إرهابية داخل تركيا، قامت الولايات المتحدة وأوروبا بتسليح أكراد سوريا، "وحدات حماية الشعب"، فيما تعتبر تركيا وحدات "حماية الشعب" "وحزب العمال الكردستاني" فرعين لنفس المجموعة.

وأوضحت الشبكة الأمريكية، أن الدعم الغربي للمقاتلين الأكراد تسارع داخل سوريا بعد أن استولى تنظيم الدولة (داعش) على مساحات شاسعة من سوريا والعراق ابتداءً من عام 2014.

وبينّت بلومبيرغ، أن تركيا، التي شعرت بالقلق من احتمال وجود جيش كردي جيد التسليح يمكن أن يساعد التطلعات الكردية الانفصالية أرسلت جيشها إلى سوريا لمقاتلتهم، ثم ردت العديد من دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك السويد وفنلندا، على هذه التحرك العسكري التركي، بفرض قيود على مبيعات الأسلحة إلى أنقرة.

"روح الحلف"

وقال وزير الخارجية جاويش أوغلو في برلين يوم الأحد الماضي: "لقد دعونا هذه الدول، إلى جانب أعضاء الناتو الحاليين، للتوقف عن دعم هؤلاء "الإرهابيين" وإنهاء ممارسة تقييد صادرات الأسلحة إلى تركيا لأنها تتعارض مع روح الحلف".
وأضاف أن ممثلي فنلندا والسويد عقدوا اجتماعات مع أعضاء حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، مؤكدا على أنّ السويد كانت تقدم الأسلحة للانفصاليين.

السويد دعمت الأكراد

ذكرت الوكالة الرسمية التركية، أن أسلحة مضادة للدبابات من طراز AT-4 سويدية الصُنع استخدمت من قِبل وحدات حماية الشعب في هجمات على القوات التركية في سوريا، كما سلطت الضوء على "الاتصالات المزعومة" بين كبار المسؤولين السويديين والأكراد

وبالانتقال إلى فنلندا، استشهدت الأناضول بما قالت إنه معارضة هلسنكي للعمليات العسكرية التركية عبر الحدود ضد المسلحين الأكراد، وقرار عام 2019 بعدم الموافقة على أي تراخيص تصدير دفاعية جديدة لتركيا، وهو العام الذي تعهد فيه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي معًا بتقييد مبيعات الأسلحة إلى تركيا، بسبب عمليتها العسكرية في سوريا.

تحول أردوغان

وحسب بلومبرغ، فقد أكد مسؤول تركي رفيع أن مخاوف أنقرة حقيقية بخصوص انضمام فنلندا والسويد "للحلف"، فيما جددت الخارجية الفنلندية دهشتها من التدخل التركي في طلب للانضمام إلى "الناتو"

وقال بيكا هافيستو وزير الخارجية الفنلندي، إن جاويش أوغلو أبلغه في 5 مايو الجاري، أن انضمام بلاده إلى الناتو سيكون "عملية مباشرة للغاية في تركيا"، وأن الرئيس الفنلندي سولي نينيستو قد تلقى رسالة مماثلة من أردوغان.

فيما تحاول السويد إرسال وفد إلى أنقرة لمعرفة أسباب تحول رأي أردوغان، خصوصًا بعد أن قال إبراهيم كالين المتحدث باسم أردوغان: إن تركيا لم تغلق باب الناتو أمام المتقدمين.

اكتساب شعبية
وحسب بلومبرغ، فإنه من وجهة نظر الناتو، فمن المرجح أن يتعامل أردوغان مع مخاوفه حيال الفنلنديين والسويديين، لكسب شعبية وإظهار أنه انتزع تنازلات مهمة من الأوروبيين، وفي المقابل، سيرغب الرئيس التركي في الحصول على المزيد من الأسلحة الأكثر تطورًا، وربما بعض المساعدة المالية من الناتو.

الانتخابات التركية

وأكدت بلومبرغ أن الأزمة الاقتصادية في تركيا قد ازدادت بعد ارتفاع معدل التضخم وتدني عملة الليرة، في مؤشر على خطورة وضع أردوغان قبل إعادة انتخابه؛ مضيفة أن استطلاعات الرأي تظهر انخفاض شعبية أردوغان، فضلًا عن ظهور منافسين جدد.

وأوضحت أنه لم يبق سوى عام واحد قبل إعادة انتخابه، لذا فإن أردوغان بحاجة ماسة إلى تحقيق بعض الإنجازات الاقتصادية، فيما أن الوقت ليس في صالحه، لأنه لو تحققت مليارات الدولارات من الاستثمارات الموعودة، فإنه قد يستغرق ذلك سنوات قبل أن يشعر الأتراك، بالفوائد.
استعدا الناتو

ومن الناحية السياسية، -حسب الشبكة الأمريكية- فإن تكوين علاقة صداقة مع عدو الناتو الأول، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أثار استعداء شركائه في الناتو لسنوات، رغم سعيه الحثيث لتبني دور صانع السلام بين موسكو وكييف.
طوفان اللاجئين

وأمام هذه العوائق التي تواجه أردوغان، توقعت الشبكة الأمريكية، أن يتخذ الرئيس التركي المزيد من الإجراءات العدائية ما لم يقدم الاتحاد الأوروبي المزيد من المساعدة، من خلال إطلاق العنان لطوفان من اللاجئين إلى أوروبا.