معاناة أخرى... نقص الغاز يضاعف تعقيد الحياة في أوكرانيا
طوابير طويلة أمام محطات الخدمة، في المدن الكبرى والقرى الصغيرة، حيث تتوقف السيارات على جانبي الطرق السريعة التي تمتد حتى مداخل الريف

ترجمات - السياق
مع دخول الغزو الروسي شهره الثالث، يعاني الأوكرانيون نقصًا حادًا في الغاز بجميع أنحاء البلاد، ما يزيد معاناتهم، لاسيما اختبار قدرتهم على الصمود بطرق جديدة، حسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
وروت الصحيفة الأوضاع، مشيرة إلى طوابير طويلة أمام محطات الخدمة، في المدن الكبرى والقرى الصغيرة، حيث تتوقف السيارات على جانبي الطرق السريعة التي تمتد حتى مداخل الريف.
وكشفت أن بعض المحطات أظلمت بالفعل، لعدم توفر وقود للبيع، مع ضيق الإمدادات والقيود المفروضة على الكمية التي يمكن للناس شراؤها.
حلول مؤقتة
ومن بين الحلول المؤقتة، التي كشفتها "واشنطن بوست" للتغلب على أزمة نقص الغاز في أوكرانيا، الاعتماد على بولندا المجاورة، حيث توفر أكثر من 200 ألف طن من الإمدادات شهريًا، مشيرة إلى أنها الشهر الماضى بلغت 60 ألف طن فقط، إلا أن وارسو ستعمل على زيادة هذه الكمية.
يأتي هذا النقص فى الإمدادات، بعدما هاجمت روسيا بشكل منهجي البنية التحتية للوقود في أوكرانيا، ودمرت مصفاة كريمنشوك وعددًا من مستودعات النفط الكبيرة.
كانت أوكرانيا تستطيع استيراد الغاز بمعدل يصل إلى 40 مليون متر مكعب يوميًا، لكن هذا الأمر صعب للغاية بسبب نقص الموارد في أوروبا ونقص الأموال لشرائه، مع استمرار الحرب.
وتوضح الصحيفة الأمريكية، أن استبدال نوع آخر من الطاقة بالغاز، مثل الكهرباء، بات صعبًا أيضًا، لأن الدولة تستخدم الغاز لإنتاج جزء من الكهرباء، ولديها احتياطات غير كافية لمحطاتها العاملة بالفحم.
أسباب للأمل
وتروي "واشنطن بوست" مأساة شابة تدعى إيرينا يوسوتشوك، 35 عامًا، انتظرت ساعتين في الطابور لملء سيارتها المرسيدس بالقرب من عملها في إحدى ضواحي لفيف غربي أوكرانيا، حيث قالت: "كان من الصعب حقًا العثور على محطة الوقود هذه".
وترى الصحيفة أنه في ذكرى نصر الاتحاد السوفييتي على ألمانيا النازية، يرى الأوكرانيون أن هناك سببًا للأمل، قد يلوح في الأفق.
وأوضحت أن أزمة نقص الغاز تزايدت في الأسابيع الأخيرة، إذ انتقل القتال العنيف في الغالب إلى الشرق، وبدأت الحياة تعود إلى وضعها الطبيعي وسط وغرب أوكرانيا شيئًا فشيئًا.
وأشارت إلى أنه رغم أن صواريخ كروز الروسية تسببت في انقطاع الطاقة الكهربائية وتعطيل المياه الأسبوع الماضي، فإن مدينة لفيف أشعلت النافورة أمام دار الأوبرا، بينما كانت المقاهي مزدحمة، واستغل الناس الطقس الجيد للتنزه وسط المدينة والتسوق، وركوب ألواح التزلج.
لكن -تضيف الصحيفة الأمريكية- الهجمات الروسية على العديد من مستودعات الوقود والمصفاة الأوكرانية الوحيدة التي تعمل بكل طاقتها، في كريمنشوك، أدت إلى تفاقم أوجه القصور ونقاط الضعف المزمنة في صناعة النفط، التي كانت موجودة قبل أن يبدأ الرئيس فلاديمير بوتين الحرب.
ونقلت "واشنطن بوست" عن إدوارد سي تشاو، أحد كبار المساعدين المتخصصين في أمن الطاقة بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قوله: "كانت أوكرانيا تعتمد على المنتجات البترولية المستوردة أكثر من اعتمادها على الغاز المستورد".
وأضاف: "عندما حصلت أوكرانيا على استقلالها من الاتحاد السوفييتي، كان هناك ما لا يقل عن ستة مصافٍ تعمل"، مشيرًا إلى أنه على مدى الثلاثين عامًا الماضية، خسرت أوكرانيا -بسبب سوق الطاقة المختل وظيفيًا، بما في ذلك الكثير من الفساد المروع في مجال الطاقة- جميع المصافي باستثناء مصافي مدينة كريمنشوك على نهر دنيبر.
وقدر تشاو، أن أوكرانيا تكرر نحو 30 في المئة فقط من نفطها وتستورد الباقي.
وحسب الصحيفة، فإنه مع حصار بحر آزوف، وتعرُّض ميناء أوديسا للهجوم الروسي، يبدو أن خيار أوكرانيا الوحيد هو نقل النفط بالشاحنات وبناء البنية التحتية اللازمة على طول تلك الطرق للتعامل مع هذه الشحنات.
وتعليقًا على ذلك، يقول تشاو: "أتخيل أن الخدمات اللوجستية صعبة للغاية، إذ إن الروس، في غضون ذلك، يقصفون مستودعات الوقود باستمرار".
توفير الوقود
وكشفت "واشنطن بوست" أنه أمام هذه الأزمات المتتالية في توفير الغاز، يحث المسؤولون الأوكرانيون الجمهور على تقليل القيادة لتوفير الوقود للجيش، مع دخول الحرب شهرها الثالث.
وألقت وزارة الاقتصاد الأوكرانية باللوم في النقص على الضربات الروسية، لكنها أشارت أيضًا إلى أن الشراء بدافع الذعر أسهم في ندرة الغاز.
وقالت نائبة رئيس الوزراء يوليا سفيريدنكو، التي ترأس وزارة الاقتصاد، للأخبار الأوكرانية: "بالطبع، نتفهم أن الأوكرانيين، الذين يشعرون بأن هذا النقص المؤقت قد حدث، ومن ثمّ يحاولون ملء خزاناتهم، وذلك بصراحة يسبب ضغوطًا".
وكشفت سفيرينكو عن أن شركات البترول الأوكرانية تنشئ طرق إمداد جديدة من بولندا ورومانيا، يمكن أن تخفف النقص.
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أنه في محطة وقود على مشارف لفيف، رفع سائق شاحنة يبلغ من العمر 56 عامًا يُدعى غريغوري، تحدث بشرط حجب اسمه الأخير لحماية أقاربه في الأراضي التي تحتلها روسيا بالقرب من خيرسون، مقطورته الجرارة إلى المضخات لملئها، إلا أن العامل أخبره بأن إمدادات المحطة على وشك النفاد.
وأشار غريغوري -الذي انتظر دوره خلف 40 سيارة وشاحنة أخرى في طابور مزدوج خلفه- إلى أنه رأى إحدى الهجمات الروسية التي أسهمت في نقص الغاز، موضحًا أنه شاهد غارة جوية أوائل مارس الماضي على مستودع للوقود، على بُعد أقل من ميل من منزله في جيتومير -التي تبعد عن العاصمة الأوكرانية كييف نحو 120 كم- ما أدى إلى تصاعد سحب من الدخان في السماء.
وقال من خلال مترجم للصحيفة الأمريكية: "كان الأمر مخيفًا".
وتكشف "واشنطن بوست" أن هناك مئات من مقاطع الفيديو التي تكشف أهوال الحرب في أوكرانيا.
وأشارت إلى أن الأوكرانيين، يحاولون التحايل على أزمة الوقود من خلال (بطاقات الوقود)، وهي غير منتظمة صادرة من شركات بترول مختلفة، تتيح للعملاء شراء الوقود مقدمًا بسعر محدد، كما أن هناك أيضًا -حسب الصحيفة- تطبيقات تعمل بطريقة مماثلة.
محطات الوقود
ذكرت الصحيفة الأمريكية، أنه منذ بدء الحرب في 24 فبراير الماضي، تستخدم البطاقات للحد من كمية الوقود، التي يمكن لحاملها شراؤها في أي محطة معينة خلال اليوم، كمحاولة لتخفيف العبء على محطات الوقود.
ويقول غريغوري: "تحدد بعض سلاسل محطات الوقود 10 لترات في اليوم لكل عميل -نحو 2.5 جالون- من خلال التطبيق الخاص بها، لكن مع بطاقة الوقود، من الممكن الحصول على 40 لترًا".
ومن المصاعب التي يواجهها السائقون الأوكرانيون، نقلت الصحيفة الأمريكية، عن مواطن يدعى إيفان، 48 عامًا، قوله إنه اضطر للنوم في سيارته يومين إثر نفاد الوقود منه، بعد أن أجبره القصف الروسي على التوقف.
في المقابل -حسب واشنطن بوست- فإن سيارات المتطوعين الأجانب لها الحق في التزود بالوقود بنسب أكبر من السيارات الأخرى، ذلك أن هؤلاء المتطوعين يشاركون القوات الأوكرانية في الحرب الدائرة هناك ضد روسيا.
ويقول تاراس مايتس، سائق سيارة أجرة في لفيف، إنه خسر يومين من العمل عندما انتهى الغاز في سيارته، مشيرًا إلى أنه ظل فترة للبحث عن وقود حتى وجد محطة وسط المدينة.
وأوضح مايتس، 26 عامًا، أنه في الأيام الأولى، كان هناك ذعر، إلا أن الأمر أصبح أسهل قليلاً، لأن الناس اعتادوا التعايش معه.