كوريا الشمالية تستقبل بايدن بتجربة نووية... ما الخطة ب وسيناريوهات الصدام المحتملة؟
ستكون رحلة بايدن، التي ستستمر حتى الثلاثاء، الأولى له إلى آسيا كرئيس، وتشمل قمته الأولى مع الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، الذي تولى منصبه في 10 مايو الجاري، وتعهد باتخاذ موقف أكثر تشددًا ضد الاستفزازات الكورية الشمالية.

السياق
«كوريا الشمالية تستقبل بايدن باختباراتها النووية والصاروخية»، تحت هذا العنوان، تناولت الصحف العالمية، زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى آسيا، في أول جولة رئاسية له بالمنطقة، ما كشف عن تصعيد محتمل، قد ينذر بعواقب خطيرة.
فمعلومات الاستخبارات الأمريكية، التي أكدت أن كوريا الشمالية ستجري تجربة نووية سابعة، أو تجربة صاروخية بعيدة المدى، أو كلتيهما، قبل أو أثناء أو بعد رحلة الرئيس جو بايدن إلى كوريا الجنوبية واليابان، التي تبدأ هذا الأسبوع، أثنت الرئيس الأمريكي عن زيارة المنطقة المنزوعة السلاح، التي تقسم الكوريتين، بعد أن كان يفكر في مثل هذه الرحلة.
وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، إن «معلوماتنا الاستخباراتية تعكس احتمالًا بأن تكون هناك إما تجربة صاروخية أخرى، بما في ذلك تجربة صاروخية بعيدة المدى، وإما تجربة نووية، أو كلتيهما، في الأيام التي تسبق رحلة الرئيس إلى المنطقة أو بعدها».
جميع الاحتمالات
وبينما حذر من أن بلاده تستعد لجميع الاحتمالات، أكد أن واشنطن تنسق -بشكل وثيق- مع كوريا الجنوبية واليابان، وأنه ناقش مسألة كوريا الشمالية مع دبلوماسي صيني رفيع في مكالمة هاتفية الأربعاء.
وستكون رحلة بايدن، التي ستستمر حتى الثلاثاء، الأولى له إلى آسيا كرئيس، وتشمل قمته الأولى مع الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، الذي تولى منصبه في 10 مايو الجاري، وتعهد باتخاذ موقف أكثر تشددًا ضد «الاستفزازات» الكورية الشمالية.
وقال سوليفان إن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء تعديلات قصيرة وطويلة الأجل على وضعها العسكري، حسب الضرورة، لضمان تقديم الدفاع والردع لحلفائها في المنطقة.
كان مسؤولون أمريكيون وكوريون جنوبيون، قالوا إن كوريا الشمالية تستعد -على ما يبدو- لاختبار صاروخ بالستي عابر للقارات، قبل رحلة بايدن إلى كوريا الجنوبية، حتى في الوقت الذي تكافح فيه تفشيًا كبيرًا لجائحة كورونا.
وقال نائب مستشار الأمن القومي الكوري الجنوبي كيم تاي هيو، إن هذا الاختبار يبدو وشيكًا، بينما قال مسؤول أمريكي إنه يمكن أن يحدث في أقرب وقت، الخميس أو الجمعة.
الخطة "ب"
وقال كيم تاي هيو إن «الخطة ب» جرى إعدادها في حال حدوث «استفزاز» كوري شمالي صغير أو كبير، قد يتضمن تغيير جدول القمة، بين الرئيسين الأمريكي والكوري الجنوبي.
ويمكن أن يلقي اختبار الأسلحة بظلاله على تركيز رحلة بايدن الأوسع نطاقاً، على الصين والتجارة والقضايا الإقليمية، ويؤكد عدم إحراز تقدم في محادثات نزع السلاح النووي مع كوريا الشمالية، رغم تعهد إدارته بكسر الجمود باتباع نهج عملي، بحسب موقع صوت أمريكا.
وأجرت كوريا الشمالية تجارب صاروخية، منذ أن تولى بايدن منصبه العام الماضي، واستأنفت هذا العام إطلاق صواريخ بالستية عابرة للقارات للمرة الأولى منذ عام 2017، وبعد كل إطلاق، حثت واشنطن كوريا الشمالية على العودة إلى الحوار، لكن من دون رد.
في غضون ذلك، قوبلت الجهود الأمريكية لتشجيع عقوبات دولية بمقاومة روسية وصينية شديدة، بينما يقول المحللون إنه في حين أن وجهة نظر الصين بشأن العقوبات قد تتغير مع تجربة نووية أخرى، يبدو أن الدعم الروسي غير مرجح بعد حملة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، بسبب تدخل موسكو في أوكرانيا.
الردع الموسع
ومن المتوقع أن يسعى رئيس كوريا الجنوبية الجديد، يون سيوك يول، إلى الحصول على تأكيدات أكبر من بايدن، بأن واشنطن ستعزز «الردع الموسع» ضد كوريا الشمالية، في إشارة إلى مظلة الأسلحة النووية الأمريكية، التي تحمي حلفاءها، بحسب «صوت أمريكا».
وطلبت إدارة يون من واشنطن نشر المزيد من «الأصول الاستراتيجية ذات القدرات النووية، مثل القاذفات بعيدة المدى والغواصات وحاملات الطائرات في المنطقة».
وبحسب «صوت أمريكا»، فإن إجراء كوريا الشمالية تجربة نووية يؤدي حتمًا إلى تعقيد الجهود الدولية، لتقديم مساعدة لبيونغ يانغ، للتعامل مع أزمة كورونا.
يأتي ذلك، بينما أظهر تقرير لمركز واشنطن للدراسات الدولية والاستراتيجية أن صور الأقمار الاصطناعية التجارية أظهرت استمرار العمل في الموقع النووي الرئيس لكوريا الشمالية، رغم إغلاق أنفاق الاختبار تحت الأرض عام 2018 بعد أن أعلن الزعيم كيم جونغ أون وقفًا اختياريًا للتجارب النووية والصواريخ البالستية العابرة للقارات.
وبينما استأنفت كوريا الشمالية تجارب الصواريخ البالستية العابرة للقارات، فإنها لم تختبر قنبلة نووية منذ عام 2017، بينما قال باحثون في مركز جيمس مارتن لدراسات حظر الانتشار ومقره الولايات المتحدة -الأسبوع الماضي- نقلا عن صور الأقمار الاصطناعية إن كوريا الشمالية استأنفت أيضًا بناء مفاعل نووي خامد لفترة طويلة، من شأنه زيادة إنتاجها من البلوتونيوم للأسلحة النووية بعشرة أضعاف.
محادثات الصين
كان سوليفان قد ناقش إمكانية إجراء تجارب نووية أو صاروخية لكوريا الشمالية مع كبير الدبلوماسيين الصينيين، يانغ جيتشي، خلال مكالمة ركزت على قضايا الأمن الإقليمي وحظر انتشار الأسلحة النووية.
ولم يقدم سوليفان مزيدًا من تفاصيل الاتصال، لكن البيت الأبيض قال -في بيان- إنه ناقش مع يانغ الحرب الروسية ضد أوكرانيا وقضايا محددة في العلاقات الأمريكية الصينية.
والتقى سوليفان ويانغ آخر مرة بروما في مارس الماضي، قبل مكالمة بايدن في ذلك الشهر مع الزعيم الصيني شي جين بينغ، التي حذر خلالها الرئيس الأمريكي، شي من العواقب إذا قدمت بكين دعمًا ماديًا لحرب موسكو في أوكرانيا.
ورفضت الصين إدانة تصرفات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وانتقدت العقوبات الغربية الشاملة على روسيا، لكن كبار المسؤولين الأمريكيين يقولون إنهم لم يروا دعمًا عسكريًا واقتصاديًا صينيًا صريحًا لروسيا.
تحديات كبيرة
حسب صحيفة «واشنطن بوست»، فإنه بينما يقوم الرئيس بايدن بأول رحلة رئاسية له إلى كوريا الجنوبية واليابان، الأسبوع المقبل، فإنه يواجه ديناميكيات متغيرة شمالي شرق آسيا، تشكل تحديات كبيرة لجهود الولايات المتحدة، لدعم التحالفات لمواجهة صعود الصين.
ويتمثل التحدي الرئيس في ذوبان الجليد بعلاقات كوريا الشمالية مع الصين وروسيا، للحد من نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.
وعلى وجه الخصوص، أدى الانفتاح الاستراتيجي الصيني على كوريا الشمالية، منذ انهيار المحادثات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية عام 2019 إلى تقريب البلدين، فمع تصاعد التوترات بشأن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين والحكومة الكورية الجنوبية المحافظة الجديدة، التي تتعهد باتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه كوريا الشمالية والصين، فإن بكين لديها حافز أكبر لإبقاء بيونغ يانغ قريبة.
وتقول «واشنطن بوست»، إن الولايات المتحدة تريد تقوية العلاقات مع كوريا الجنوبية واليابان، لمعالجة القضايا الإقليمية الملحة، بما في ذلك طموحات كوريا الشمالية النووية، وهيمنة الصين على سلسلة التوريد واحتمال نشوب صراع في تايوان، لكنها لن تكون مهمة سهلة، خاصة مع تدهور العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية، واعتماد كوريا الجنوبية الاقتصادي على الصين.
وقال آهن هو يونغ، سفير كوريا الجنوبية السابق لدى الولايات المتحدة: «إن الوضع الأمني والاقتصادي العام لا يبدو مشرقاً للغاية، بسبب كل هذه التحديات، فإن هذه الزيارة التي يخطط لها الرئيس بايدن، أكثر أهمية».
وكثيرًا ما كانت علاقة كوريا الشمالية بالصين متوترة، لكن في السنوات الأخيرة، عززت بكين دبلوماسيتها مع بيونغ يانغ ونمت، لتشكل أكثر من 90% من نشاط تجارتها الخارجية.
وقال أندريه لانكوف، أستاذ الدراسات الكورية بجامعة كوكمين، الباحث البارز في قضايا كوريا الشمالية، إن البلدين أصبحا أكثر تعاونًا في السنوات الأخيرة بدافع الملاءمة السياسية، في مواجهة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين.
«فالمغير الرئيس للعبة، المواجهة مع الولايات المتحدة»، يقول لانكوف، مشيرًا إلى أن ذلك يعني أن القيمة الاستراتيجية لكوريا الشمالية -من وجهة النظر الصينية- زادت بشكل كبير.
وتابع: بالنسبة لكوريا الشمالية، فإن التنافس بين الصين والولايات المتحدة، نوع من الهدايا التي ترسلها السماء، إنه يمنحهم دعمًا صينيًا غير مشروط، وهو ما لم يكن بإمكانهم حتى الحلم به».
علاقة معقدة
هناك أيضًا علاقة معقدة بين كوريا الشمالية وروسيا، لكن بيونغ يانغ أصبحت داعمًا قويًا لموسكو في أعقاب الحرب، حتى إنها أصبحت واحدة من خمس دول رفضت إدانة الهجوم الروسي لأوكرانيا.
وواصلت الشركات الروسية توظيف عمال كوريين شماليين، رغم عقوبات الأمم المتحدة، التي تحظر على الدول استضافة العمال الذين يكسبون عملات أجنبية لنظام كيم.
وكتبت "جلوبال تايمز" الحكومية الصينية عام 2021: «ستواصل الصين وروسيا وكوريا الشمالية التعاون، لحماية السلام والاستقرار الإقليميين، بصرف النظر عن الضغوط والتأثيرات، التي قد تأتي من الولايات المتحدة».
وفي الآونة الأخيرة، عندما دفعت الولايات المتحدة لفرض عقوبات جديدة من الأمم المتحدة على كوريا الشمالية، بسبب برامجها الصاروخية والنووية، استخدمت الصين وروسيا حق النقض ضد هذه الخطوة.
وألقى سفير الصين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، باللوم على الولايات المتحدة لكونها «مفتونة بالخرافات بالقوة السحرية للعقوبات»، وحث واشنطن على القيام بدور أكثر نشاطًا في استئناف المحادثات مع بيونغ يانغ.
وقالت نائبة سفيرة روسيا لدى الأمم المتحدة، آنا إيفستينييفا: «من غير الواقعي على الإطلاق توقع نزع سلاح كوريا الشمالية تحت تهديد العقوبات».
وتود روسيا أن ترى الأمريكيين منشغلين بنوع من التطور في مكان آخر، لذلك لا يمانعون -في الوقت الحالي- في المغامرة النووية لكوريا الشمالية، رغم أن روسيا على المدى الطويل ليست سعيدة للغاية بشأن كوريا الشمالية النووية، مثل الصين، بحسب لانكوف.
يأتي ذلك، بينما كوريا الشمالية مصممة على إظهار أنها تسير على الطريق الصحيح، مع جدول تطوير الأسلحة الذي يمتد خمس سنوات، وقد أجرت عددًا غير مسبوق من تجارب الصواريخ هذا العام.
لكن من المحتمل ألا تدعم الصين وروسيا فرض عقوبات إضافية على كيم، حتى لو أجرى تجربة نووية، بالنظر إلى نهج الصين «مزدوج المسار» لإشراك كوريا الشمالية رغم طموحاتها النووية، ومعارضة روسيا للعقوبات الدولية في أعقاب الحرب بأوكرانيا.
وقال آهن، سفير كوريا الجنوبية السابق، إن الرد المشوش من المجتمع الدولي نتيجة للصين وروسيا، شجع كوريا الشمالية على تطوير الأسلحة ذات القدرة النووية مع الإفلات من العقاب، بما في ذلك التي تستهدف كوريا الجنوبية، مشيرًا إلى أن زعيم كوريا الشمالية كيم هدد -الشهر الماضي- بالانتقام النووي إذا جرى استفزازه.
وقال آهن: «علينا التعامل مع تطورات موضوعية: تكنولوجيا الصواريخ الكورية الشمالية تتقدم طوال الوقت، ومن ثم فإن كوريا الشمالية تأتي بنية معلنة لاستخدام تلك الأسلحة النووية التكتيكية (...) أعتقد أن هذا هو الوقت المناسب، الذي يجب أن ندعم فيه ما نعنيه بالردع القوي».