كيف احتالت إيران على الطاقة الذرية... وول ستريت جورنال تفتح الملف الشائك
إيران خدعت العالم وحازت وثائق سرية... وول ستريت جورنال تفضح خطط طهران لامتلاك قنبلة ذرية

ترجمات - السياق
في حادث فريد من نوعه، كشف عن انتهاكات «خطيرة» وغير مسبوقة للأمن الداخلي لوكالة الطاقة الذرية، أكدت «وول ستريت جورنال»، أن المخابرات الإيرانية حصلت على وثائق أممية سرية، لمراوغة تحقيقات نووية.
وقالت الصحيفة الأمريكية، إن إيران استطاعت الدخول على تقارير سرية للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، قبل عقدين تقريبًا، ووزعت الوثائق بين مسؤولين بارزين أعدوا بدورهم قصصًا للتستر وتزييف سجلات لإخفاء أعمال مشبوهة تتعلق بالأسلحة النووية.
وكشفت وثائق الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسجلات الإيرانية المصاحبة لها، المكتوبة باللغة الفارسية، التي اطلعت عليها «وول ستريت جورنال»، بعض التكتيكات التي دأبت طهران على استخدامها تجاه الوكالة المكلفة بمراقبة إذعان طهران لمعاهدات حظر الانتشار النووي والاتفاق النووي المبرم عام 2015.
وثائق سرية
وقال مسؤولو استخبارات بالشرق الأوسط في تصريحات للصحيفة الأمريكية، إن وثائق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي صنفتها الأخيرة تحت بند «سري»، إضافة إلى السجلات الإيرانية، جرى تداولها بين عامي 2004 و2006 عبر مسؤولين إيرانيين بارزين في القطاع العسكري والحكومة والبرنامج النووي.
وعن الوثائق السرية، قال ديفيد أولبرايت رئيس معهد العلوم الأمن الدولي، مفتش الأسلحة السابق بالأمم المتحدة، إن حصول إيران على وثائق حساسة تابعة لـ«الطاقة الذرية» يمثل انتهاكًا خطيرًا للأمن الداخلي للوكالة، مشيرًا إلى أن إيران استطاعت تصميم إجابات تعترف بما نما إلى علم الوكالة بالفعل، وإفشاء معلومات من المحتمل أن تكتشفها الأخيرة بنفسها، بينما أخفت ما تريده وضعه طي الكتمان.
وبينما امتنعت الوكالة الذرية -التي مقرها فيينا- عن التعليق على الوثائق ولم ترد على أسئلة عن كيفية تعاملها الأمني، لم يستجب –كذلك- المسؤولون الإيرانيون للتعليق على الأمر، بيد أن طهران دائمًا ما تنفي ضلوعها في أعمال تتعلق بأسلحة نووية.
كانت سجلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي استطاعت إيران الدخول عليها بين أكثر من 100 ألف وثيقة وملف صادرتها الاستخبارات الإسرائيلية في يناير 2018 من أرشيف إيراني، بعضها يتضمن ملاحظات بخط اليد مكتوبة باللغة الفارسية، بشأن وثائق الوكالة الذرية ومرفقات تحمل تعليقات إيرانية.
طرق استخباراتية
وأرجع مسؤولون إيرانيون، في كثير من الوثائق التي اطلعت عليها «وول ستريت جورنال»، الفضل في الحصول على تقارير الوكالة الذرية، إلى طرق استخباراتية.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن إسرائيل مرَّرت الأرشيف النووي لأجهزة المخابرات الأمريكية، بينما منحت خبراء مستقلين، بينهم خبراء تابعون لمركز بلفر بجامعة هارفارد، فرصة الاطلاع الجزئي عليها.
وراجعت «وول ستريت جورنال» وثائق من الأرشيف لم تنشر على الملأ، بعدما خلص مركز بلفر في أبريل 2019، إلى أن الأرشيف كشف أن أعمال إيران النووية كانت متقدمة بدرجة أكبر مما كان.
يأتي ذلك، بينما قالت الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن إيران فشلت في الإجابة عن تساؤلات بشأن ماضيها في النشاط النووي بلعبة «قط وفأر» لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، وتؤدي إلى تعقيد إحياء الاتفاق النووي، الذي ألغى معظم العقوبات الدولية على إيران، مقابل وضع حدود تتعلق بالنشاط النووي للدولة الآسيوية.
وقال ديفيد أولبرايت، الذي كان لديه حق الدخول على بعض الأرشيف النووي، وألف كتابًا عما تكشفه الوثائق عن نشاط إيران النووي، إن الوثائق المكتوبة باللغة الفارسية، التي راجعتها «وول ستريت جورنال» كانت أصلية ومتسقة مع ما جرت رؤيته في وثائق أخرى بالأرشيف النووي الإيراني.
سيناريوهات وهمية
وفي ملاحظة مكتوبة بخط اليد باللغة الفارسية أرفقت مع سجل مؤسسة إيرانية، ضغط مسؤول إيراني بارز على محسن فخري زادة، الذي يُنظر إليه على أنه الأب المؤسس لبرنامج الأسلحة النووية الإيراني، لاختلاق سيناريو يشرح للوكالة الدولية للطاقة الذرية أسباب تغيير سجلات التسجيل المؤسسي من أجل شركة مدنية، زعمت أنها كانت تعمل على إنشاء منجم يورانيوم إيراني، بحسب "وول ستريت جورنال".
ووفقًا لوثائق إيرانية، فإن الشركة المدنية التي تدعى «كيميا معدان»، توقف وجودها في سجلات المؤسسات الإيرانية في ديسمبر 2001، إلا أن وثيقة أخرى كشفت عن صدور أوامر لمسؤولين إيرانيين، بتغيير تاريخ تصفية الشركة إلى مايو 2003.
وبحسب مسؤولين استخباريين بالشرق الأوسط، فإن التغيير أتاح لإيران إخبار الوكالة الذرية بأن العمل على منجم اليورانيوم قبل مايو 2003 نفذته شركية «كيميا معدان» لصالح هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، على نحو يدعم التأكيدات الإيرانية، بأن المنجم كان مدنيًا ومنفصلًا عن أي نشاط عسكري نووي.
وقالت الصحيفة الأمريكية، نقلًا عن مصادر استخباراتية، إن وزارة الدفاع الإيرانية بنت منجم اليورانيوم المعروف باسم «جاشين» لتكون قادرة على إنتاج مواد لبرنامج أسلحة نووية محتمل.
سجلات مزيفة
وقال المسؤول الإيراني البارز الذي لم تكشف «وول ستريت جورنال» هويته، في رسالة باللغة الفارسية، إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستتساءل عن مدى دقة سجلات المؤسسات الإيرانية. وأضاف مخبرًا فخري زادة: «ينبغي أن نسرع».
وفي سياق متصل، وزعت أجهزة استخبارات إيرانية في 19 مايو 2004 تقريرًا داخليًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية على مسؤولين بارزين، لإعدادهم لعملية تفتيش كان مقررًا إجراؤها بعد ثلاثة أيام من ذلك الوقت، تتعلق بموقع لإنتاج الماء الثقيل جنوب غرب طهران بالقرب من بلدة أراك.
وأخبرت طهران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها خططت لبناء مفاعل الماء الثقيل لأغراض طبية وبحثية، بيد أن هذه المفاعلات تستخدم الماء الثقيل كمبرد وتنتج البلوتونيوم كمخلفات يمكن استخدامها في الأسلحة النووية، بحسب "وول ستريت جورنال".
وتتضمن وثيقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفاصيل عن معلومات بالقمر الاصطناعي وأدلة مفتوحة المصدر تتعلق بأنشطة الماء الثقيل في إيران، وقائمة من 18 سؤالًا كانت الوكالة تتأهب لتوجيهها لإيران بشأن هذه الأعمال.
كان علي شمخاني رئيس القوات المسلحة الإيرانية في ذلك الوقت، أحد المسؤولين الذين جرى تنبيههم بشأن سجلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحسب الصحيفة التي قالت إنه تلقى خطابًا بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أجرت تحقيقًا في أنشطة الماء الثقيل بإيران.
وقال الخطاب: «يجرى إرسال صور فوتوغرافية لـ27 صفحة من الوثائق السرية تتعلق بالموضوعات التالية»، في إشارة إلى وثائق الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
تحويل اليورانيوم وحملات تفتيشية
عام 2004، حصلت إيران على وثيقة أخرى للوكالة الدولية للطاقة الذرية من 114 صفحة، تتضمن تقارير تصف أعمال تحويل اليورانيوم، التي قالت إن إيران تمارسها، وتتضمن تقارير عن المواد النووية التي تلقتها إيران من الصين، وأخرى داخلية للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن حملات تفتيش الوكالة على مرافق إيرانية، وبيانات عينات أخذتها الوكالة من مرافق التحويل الإيرانية.
وبينما وزعت الوثيقة على فخري زادة وفريدون عباسي، الذي كان وزيرًا للدفاع ورئيسًا لوكالة الطاقة الذرية الإيرانية آنذاك، تسرد وثيقة إيرانية أخرى تفاصيل الخطوات التي اتخذتها طهران لإبقاء حاوية بها معدات مراقبة الإشعاع بعيدًا عن أيدي مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من خلال الادعاء بأن إيران باعتها، وأنه لم يكن هناك أي أثر لها.
وبحسب «وول ستريت جورنال»، فإن إيران استحوذت على وثيقة سرية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تستند إلى معلومات استخبارية غربية، تتضمن أسئلة أرادت الوكالة توجيهها بشأن المشروع الإيراني المسمى "الملح الأخضر".
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الملح الأخضر كان سبيلًا لإنتاج رباعي الفلوريد، وتلك خطوة وسيطة في عملية إنتاج مواد التغذية لتخصيب اليورانيوم، مشيرة إلى أنه على مدى سنوات، كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشعر بالقلق من أنشطة إيران في هذا المشروع الذي يمنحها الفرصة لإنتاج الوقود النووي في موقع سري، إلى جانب أي مرافق يورانيوم مخصب معلنة.
وحصلت "وول ستريت جورنال" على فرصة الاطلاع على الوثائق من وكالة استخبارية شرق أوسطية، تنتمي لدولة تعارض البرنامج النووي الإيراني.
وبينما تزعم الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تراوغ بشأن أنشطتها النووية، جمعت الوكالة العديد من العناصر بشأن أنشطة إيران النووية الماضية.
وعام 2011، نشرت الوكالة معلومات تفصيلية عن أنشطة إيران المتعلقة بالأسلحة النووية، بينها العديد من العناصر التي وردت في الوثائق التي حصلت عليها طهران، وعام 2015، خلص تقرير نشرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية كشرط للاتفاق النووي إلى أن إيران كانت تبذل جهودًا منسقة حتى عام 2003 على الأقل للعمل على تصنيع أسلحة نووية.
تجمد المحادثات
ولا تزال المماطلة الإيرانية بشأن تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تلقي بظلالها على جهود إدارة بايدن ودول أوروبا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015، الذي انسحبت منه إدارة ترامب عام 2018، إلا أن الأسابيع الأخيرة، شهدت تجمد المحادثات بشأن إحياء الاتفاق.
وبينما اتفقت الوكالة وإيران على تكثيف المحادثات هذا الربيع، تتطلع الأولى لامتلاك معلومات واضحة بشأن أنشطة إيران النووية بحيث تستطيع إغلاق التحقيق في يونيو المقبل، بيد أن إيران استمرت في المماطلة، وفقًا لمسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي أمام البرلمان الأوروبي: "إيران في الوقت الراهن لا تتحلى بالصراحة في نوع المعلومات التي نحتاجها منهم".
وقال مسؤول سابق بإدارة الرئيس جورج بوش الابن، عمل في قضايا الشأن الإيراني، إن المسؤولين في واشنطن كثيرًا ما راودتهم شكوك في أن طهران كانت تسعى للحصول على وثائق الوكالة الدولة للطاقة الذرية في ذلك الوقت، لكن لم يكن هناك أي دليل على ذلك.
واستطرد المسؤول: "كانت هناك مخاوف جوهرية من اختراق إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية، واستخدام المواد التي تحصل عليها لتضليل عمليات التفتيش وإخفاء انتهاكاتها لاتفاقية الضمانات".