النظام الجديد لطالبان... هل يستطيع الاكتفاء ذاتيًا؟
طالبان حركة قوية ومتماسكة للغاية تجاه العالم الخارجي، لكن داخليًا هناك الكثير من التصدعات

ترجمات - السياق
سلَّطت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الضوء على النظام الجديد لحركة طالبان في أفغانستان، مشيرة إلى أنه يعيد تشكيل الحكومة ويحاول قمع الفساد، في سعيه لإقامة "دولة إسلامية" مكتفية ذاتيًا.
وأشارت الصحيفة، إلى الزيارة التي قام بها مؤخرًا، وفد من العلماء المسلمين من جميع أنحاء العالم الإسلامي، إلى أفغانستان للقاء حكام طالبان في البلاد، لافتة إلى أن مهمتهم الأساسية كانت (التأثير في البرنامج السياسي لنظام كابل).
وسعى الوفد -المنتسب إلى المنظمة الحكومية الدولية للتعاون الإسلامي، التي تمثل 57 دولة- إلى إقناع الجماعة المسلحة بالسماح للمراهقات بالذهاب إلى المدرسة، ورغم الاستشهاد بآيات قرآنية كدليل على "هذه الوصية الإلهية الواضحة"، فإنهم لم يتركوا سوى تأكيدات غامضة على نية طالبان القيام بذلك.
رفض طالبان
لكن الزيارة لم تنل رضا طالبان، فبعد أيام من الرحلة -التي جرت أواخر يونيو الماضي- أوضح الزعيم الأعلى لطالبان هيبة الله أخوندزاده -الذي رفض، وفقًا لمطلع على الزيارة، مقابلة المندوبين- استياءه من جهود الضغط الدولية المستمرة على الحركة.
وقال، وفقًا لترجمة خطاب ألقاه أمام العلماء الأفغان بكابل في 1 يوليو الماضي: "لماذا يتدخل العالم في عملنا؟".
وبينت "فايننشال تايمز" أنه بعد الاستيلاء على السلطة في أغسطس من العام الماضي، شرعت حركة طالبان في قلب الطريقة التي كانت تُحكم بها البلاد منذ إطاحتها لأول مرة عام 2001.
وقال الحكام الجدد -المعزولون دوليًا، الذين لا يثقون بالقوى الأجنبية- إنهم ينشؤون النظام الإسلامي الحقيقي الوحيد في العالم.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في طالبان قوله: "حتى الآن لم نشهد نظامًا إسلاميًا حقيقيًا"، مضيفًا: "رغم أن إيران والمملكة العربية السعودية تسميان نفسيهما بالإسلاميين، فإننا سنقدم نظامًا جديدًا للعالم".
تحقيقا لهذه الغاية -حسب الصحيفة- تفكك طالبان الكثير مما تعده "الدولة الفاسدة والأعراف الاجتماعية" التي كانت تنتهجها الحكومات التي سبقتها، والتي ترى أنها مدعومة من الغرب.
أمام ذلك، تم تعيين (أيديولوجيين ومقاتلين) في مناصب حكومية عليا، بينما عززت الحركة سلطتها بقمع أمراء الحرب المحليين.
وأشارت الصحيفة، إلى أن هدف ذلك، "إنهاء اعتماد البلاد على المساعدات الخارجية من خلال تعزيز جمع الإيرادات وجعله مركزيًا، وفرض قيودًا اجتماعية متشددة، بما في ذلك القيود على حقوق المرأة".
الشريعة
وعن المرجعية في الحكم، نقلت "فايننشال تايمز" عن عبد القهار بلخي، المتحدث باسم وزارة خارجية طالبان، قوله: الشريعة الإسلامية أساس ما يتم تطبيقه في أفغانستان، مضيفًا: "لن تكون اشتراكية أو ديمقراطية".
وحتى الآن، لم تعترف أي دولة بالحكومة الأفغانية الجديدة، إذ إنه مع تولي طالبان زمام الأمور في أعقاب انسحاب قوات "الناتو"، سعى المانحون الغربيون بسرعة إلى قطع الدعم والتمويل الدوليين عن الحركة المتشددة.
وفرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات على الحركة، وجمدت احتياطات أفغانستان الأجنبية البالغة 9 مليارات دولار وأوقفت المساعدات الخارجية، التي كانت تشكل نحو ثلاثة أرباع ميزانية الحكومة السابقة.
وأفادت الصحيفة البريطانية، بأن هذه الإجراءات أدت إلى انكماش اقتصادي دراماتيكي ودفعت قرابة نصف السكان البالغ عددهم 40 مليون نسمة إلى انعدام الأمن الغذائي، وفقًا للأمم المتحدة.
وحسب الصحيفة، فإنه في حين عيَّنت طالبان، حكومة جديدة في كابل من القادة المخضرمين، إلا أنهم لا يزالون تابعين للزعيم الأعلى ومستشاريه المقربين في قندهار، معقل الجماعة.
ورغم أن إسلاميين بارزين يرأسون الوزارات في أفغانستان، فقد سُمح للعديد من البيروقراطيين من الحكومة السابقة بالبقاء، وحثت طالبان الآخرين على العودة.
ورغم أن بعض الوزارات تحاول مواصلة عمل الحكومة السابقة، فقد تباعدت الوزارات الأخرى بشكل جذري أو تم إغلاقها، ومن ذلك استبدال وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بوزارة شؤون المرأة.
اقتصاد طالبان
ولتعزيز الاقتصاد، سعت طالبان إلى تقليص اللوائح والإجراءات الروتينية للتجار، لتسهيل صادرات السلع مثل الفاكهة والفحم إلى البلدان المجاورة مثل باكستان.
وتتوقع الأمم المتحدة أن ترتفع صادرات أفغانستان إلى نحو 1.8 مليار دولار هذا العام من 1.2 مليار دولار عام 2019.
وأوضحت طالبان أن هذه الإجراءات سمحت لها بوضع ميزانية متواضعة لهذا العام تبلغ 231 مليار أفغاني (2.5 مليار دولار)، مقارنة بأكثر من 440 مليار أفغاني عام 2020، ما يسمح لهم بدفع رواتب القطاع العام، لكنه لا يترك سوى القليل للاستثمار الجديد.
وقال بلخي إن اعتماد أفغانستان على المساعدات يعني أن البلاد لم تطور "القدرات اللازمة" لاستغلال مواردها، مضيفًا: "نريد رفع العقوبات حتى يتمكن الأفغان من بناء مستوى جيد من الأمن والحق في الحياة، وليس من خلال المساعدات".
ومن الأمور الأساسية في هذا المشروع الاقتصادي الذي تتبناه طالبان، إنهاء الفساد الذي قال خبراء إنه كان متفشيًا في ظل الحكومة السابقة، من خلال أمراء الحرب الإقليميين المتورطين في التهريب إلى الشرطة، التي تطلب الرشاوى عند نقاط التفتيش.
وقدرت دراسة ممولة من وزارة الخارجية البريطانية صدرت في يوليو الماضي، أن حركة طالبان "خفضت بشكل كبير" ما يصل إلى 1.4 مليار دولار من الرشاوى، التي يُقدر أنها سُلبت سنويًا في التجارة عبر الحدود وحدها.
وقال المتحدث باسم وزارة المالية أحمد والي حكمال، في ظل الحكومة السابقة: "كان التعدين في أيدي أمراء الحرب والاقتصاد في أيدي عدد قليل من العائلات"، مضيفًا: "من الصعب القول إننا قضينا على الفساد، لكننا قللنا منه".
بينما قال محللون ومسؤولون أجانب إن النظام حقق ذلك إلى حد كبير من خلال الانضباط الداخلي الصارم والخوف والقوة العسكرية بدلاً من تحسين قدرة الدولة.
ففي يونيو -على سبيل المثال- شنت قوات طالبان هجومًا على الزعيم المتمرد مولوي مهدي في إقليم سار إي بول الغني بالفحم، وهو صراع على السلطة نبع جزئيًا من التوترات بشأن التجارة المربحة في الوقود الأحفوري، حيث أعاد النظام تأكيد سيطرته في حملة دموية أدت إلى نزوح آلاف العائلات وقيل إنها أدت إلى قتل مدنيين.
منافسة داخلية
ووفقًا لبعض المسؤولين، فإن طالبان واجهت منافسات داخلية شديدة منذ استيلائها على السلطة، لا سيما بشأن تعليم الفتيات.
فقد أدى قرار هيبة الله -في مارس الماضي- بمنع الفتيات الأكبر سنًا من الذهاب إلى المدرسة إلى أجل غير مسمى، إلى انقسام داخل الحركة، إذ أيدت شخصيات بارزة مثل رئيس المحكمة العليا عبدالحكيم اسحقزي الحظر، بينما عارضه آخرون بمن فيهم وزير الدفاع محمد يعقوب ووزير الداخلية سراج الدين حقاني، بحسب مصادر مطلعة.
وتعليقًا على ذلك، قال أحد المسؤولين: "تسعة وتسعون في المئة من طالبان -من ذوي الرتب العالية والمتوسطة والمنخفضة- يدعمون استئناف تعليم الفتيات".
بينما قال مسؤول دولي: "طالبان حركة قوية ومتماسكة للغاية تجاه العالم الخارجي، لكن داخليًا هناك الكثير من التصدعات، ففي السابق كانت حركة مقاومة ذات هدف واضح -الاستيلاء على السلطة- بينما الآن الأمور باتت أكثر تعقيدًا".
لكن محللين ومسؤولين من طالبان قالوا إنه مع الانضباط خلال عقدين من التمرد، فإن أي نزاع بعيد كل البعد عن الاندلاع إلى مواجهة مفتوحة، يمكن أن تؤدي إلى تقسيم النظام.
وقال أحد الأعضاء المخضرمين: "طاعة طالبان عالية جدًا، فعندما أعلن المرشد الأعلى إغلاق مدارس البنات، لم أكن أرغب في ذلك في قلبي، لكنني سأطيع".