الجوع يفترس الأفغان تحت حكم طالبان
يمكنك قضاء اليوم كله في البحث عن طعام ولا تجده، فلقد انهار كل شيء، ولا يهمنا سوى أن نجد رغيف الخبز لإطعام أطفالنا

ترجمات - السياق
سلَّطت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الضوء على الأوضاع الاقتصادية في أفغانستان تحت حكم طالبان -التي تسيطر على البلاد منذ نحو عام- مشيرة إلى أن الانهيار الاقتصادي يترك العديد من الأفغان يكافحون لتغطية نفقاتهم.
كانت حركة طالبان سيطرت على أفغانستان، في 15 أغسطس 2021، بعد ما يقرب من 20 عامًا على إطاحتها من قِبل تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة.
وبينت الصحيفة، أن جُل ما يشغل العديد من الأفغان، هو البحث عن الوجبة التالية لأطفالهم، مع تزايد البطالة، ولجوء العديد منهم إلى بيع كل ما يمتلكونه من أجل الحصول على الطعام.
الوجبة التالية
وروت "فايننشال تايمز" تايمز قصة الزوجين (نورزيا رشيد وراحت الله قلنداري)، مشيرة إلى أن كل ما يشغلهما، هو إمكانية العثور على الوجبة التالية لأطفالهما الستة.
وأوضحت أن راشد وقلنداري -اللذين كانا يعملان مربية أطفال وحارس أمن، في الوزارات الحكومية بالعاصمة كابل، قبل أن تستعيد طالبان السلطة العام الماضي- باتا عاطلين عن العمل، ما اضطر الأسرة إلى أن تقليص وجبات الطعام، وبيع مجوهرات الزوجة، كمحاولة لضمان توفير الطعام لأولادهما.
ونقلت الصحيفة عن نورزيا رشيد -التي لا تدعم النظرة العالمية شديدة المحافظة للجماعة الإسلامية- قولها: "لا يهمني ما إذا كانت عودة طالبان شيئًا جيدًا أم سيئًا، ما يهم هو أننا جوعى".
وأشارت الصحيفة، إلى أن حياة سكان أفغانستان -البالغ عددهم نحو 40 مليون نسمة- تغيرت بشكل ملحوظ، منذ انسحاب قوات "الناتو" وانتصار المسلحين قبل عام واحد، مع انهيار اقتصادي دراماتيكي جعل العديد من الأفغان أكثر فقرًا وجوعًا.
وأعربت هسياو وي لي، نائبة مدير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في أفغانستان، عن قلقها الشديد بشأن الشتاء المقبل، مشيرة إلى أن البلاد في حاجة ماسة إلى مساعدات غذائية إلى جانب برنامج استثماري أوسع، مضيفة: "نحن بحاجة إلى دعم الاقتصاد الأفغاني لكي يتنفس، وحتى لا يكون الأفغان في الوضع الصعب نفسه الذي هم عليه الآن".
وحسب الصحيفة، فإن عودة طالبان للحكم، تلقى تباينًا بين الأفغان، إذ إنه بالنسبة للبعض، فإن الهدوء النسبي بعد تمرد الإسلاميين، الذي استمر 20 عامًا فرصة جيدة لإعادة بناء الحياة، بينما يرى آخرون أنهم يعيشون في خوف واضطهاد شديدين، بعد أن فقدوا العديد من الحريات المكتسبة، مثل الحق في التعليم للفتيات.
وحكمت حركة طالبان أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يتدخل تحالف تقوده الولايات المتحدة، ويطيح النظام عام 2001 ما أدى إلى إطلاق حملتهم الطويلة لاستعادة السلطة.
فقر وقمع
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه بينما أدى انهيار الحكومة -المدعومة من الغرب العام الماضي- إلى تقليص سُبل عيش الناس بين عشية وضحاها، رحب بعض الأفغان بمحاربة طالبان للفساد.
وعن ذلك، نقلت الصحيفة عن تاجر يدعى الحاج حمايون (56 عامًا) -الذي أجبره القتال على الفرار من قريته الواقعة وسط ولاية وردك منذ أكثر من عقد من الزمن، إلى ضواحي كابل- قوله: "طالبان تصدت لأعمال الرشوة، التي عانيت بسببها كثيرًا في أعمالي بمجال الواردات الاستهلاكية".
وأضاف حمايون، الذي ينتمي كأغلبية مقاتلي طالبان، إلى عرقية البشتون الكبيرة في البلاد، ومن ثمّ يشاركهم الكثير من معتقداتهم المتطرفة: "أنا سعيد للغاية لدرجة أنني لا أهتم حتى بما إذا كنت آكل أم لا".
واستطرد التاجر، المتزوج بأربع نساء: "أنا أحب طالبان لأن "الظالمين والقتلة" رحلوا عن البلاد".
وأشارت الصحيفة، إلى أنه بعد غزو طالبان، حاولت القوى الغربية عزل النظام من خلال فرض عقوبات، والاستيلاء على احتياطات أفغانستان من العملات الأجنبية البالغة 9 مليارات دولار، وقطع المساعدات التي كانت تشكل 75 في المئة من ميزانية الحكومة.
لكن بعض المحللين يرون أن هذه القرارات، أضرت فقط بالأفغان العاديين، بينما لم تفعل شيئًا يُذكر لكبح جماح طالبان.
من جانبه، قدَّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة 20 في المئة عام 2021 وسيتقلص بنسبة 5 في المئة هذا العام، كما قدَّر أن انعدام الأمن الغذائي الحاد يؤثر في ما يقرب من 20 مليون شخص.
فقر وكبت
وربطت "فايننشال تايمز" بين تفشي الفقر في أفغانستان، وزيادة كبت الحريات، مشيرة إلى أنه مع ارتفاع مستويات الفقر ، شرع قادة طالبان في إعادة تشكيل المجتمع الأفغاني، وفقًا لتفسيرهم الصارم للشريعة، وفرض قيود صارمة، وأمر النساء بتغطية وجوههن، ومنع الفتيات من الذهاب إلى المدرسة.
لذلك، فقد كان نظام طالبان -حسب الصحيفة- كارثة بالنسبة لآخرين، منهم (خاطرة وابنتها حسنات البالغة من العمر 16 عامًا)، لافتة إلى أن خاطرة -35 عامًا- فقدت وظيفتها مدرسة بإحدى مدارس كابل، بينما لم تكن حسنات أفضل حالًا، وفقدت دراستها منذ أغسطس الماضي.
وتعليقًا على هذه الظروف الصعبة، قالت خاطرة: إن ابنتها -حسنات- تمر بظروف صحية صعبة للغاية، جراء بقائها في المنزل فترات طويلة، إذ إنها تخشى الاحتكاك بها من قِبل مسلحي طالبان، مضيفة: "لا مانع من ارتداء النقاب لكننا بحاجة شديدة لإعادة فتح المدارس والمكاتب".
كانت طالبان أعلنت مرارًا وتكرارًا منذ أغسطس الماضي، أنها تعتزم إعادة فتح مدارس البنات الثانوية، مع إعداد منهاج دراسي جديد، لكن التأخير جعل الكثيرين يخشون تكرار سياسة التسعينيات الخاصة بفرض حظر منهجي على تعليم الفتيات.
كما تتهم جماعات حقوقية نظام طالبان، بعودة الوحشية التي اتسمت بها حركة التمرد والحكم السابق.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه بينما أعلنت حركة طالبان -العام الماضي- عفوًا عن أعضاء الحكومة والقوات المسلحة السابقة، زعم مراقبون دوليون وقوع انتهاكات عدة، تنافي قرارات العفو هذه.
وزعمت الأمم المتحدة -في تقرير الشهر الماضي- أن طالبان نفذت ما لا يقل عن 160 عملية قتل خارج نطاق القانون، وما يقرب من 200 عملية اعتقال تعسفي، وعذبت العشرات من المسؤولين العسكريين والحكوميين السابقين بين أغسطس ويونيو الماضي.
من جانبه، نفى ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم طالبان هذه المزاعم، ووصفها بأنها دعاية لا أساس لها، وقال: "الحوادث الموثقة غير صحيحة، لا يوجد قتل ولا اعتقال تعسفي في البلاد".
بينما قالت الأمم المتحدة إن الهجمات الإرهابية أسفرت عن قتل نحو 700 مدني وجرح 1400 بين أغسطس ويونيو، مشيرة إلى أن هؤلاء ينتمون -في الغالب- إلى أقلية الهزارة العرقية، التي تُنسب إلى الفرع المحلي لداعش، الخصوم الإسلاميين لطالبان.
وتقول حركة طالبان، التي اضطهدت الشيعة: إن من واجبهم الآن حماية الأقليات، لكن العديد من الهزارة لا يثقون كثيرًا بالجماعة.
ونقلت الصحيفة عن رجل من الهزارة يبلغ من العمر 25 عامًا في كابل، قوله: "كان هناك تمييز في ظل النظام السابق، لكنه الآن أكثر انتشارًا".
وشددت الصحيفة، على أنه بالنسبة لمعظم الأفغان، فإن تغطية نفقاتهم التحدي الأكبر، ونقلت عن مواطن يدعى رجب علي يوسفي -صاحب متجر يبلغ من العمر 35 عامًا في كابل- قوله، إن مبيعات المواد الغذائية الأساسية تراجعت إلى النصف، ما اضطره إلى الديون لمواصلة دفع إيجاره.
وأضاف يوسفي: "الأعمال تتدهور، والذين اعتادوا شراء شيء ما يشترون الآن نِصفه".
وبينت الصحيفة، أنه بينما ساعدت المساعدات الإنسانية في درء المجاعة الجماعية جزئيًا، تخشى وكالات الإغاثة عجز الأفغان المستضعفين عن تحمُّل المزيد من الصدمات الاقتصادية.
وفي ذلك، يقول قلنداري: "يمكنك قضاء اليوم كله في البحث عن طعام ولا تجده، فلقد انهار كل شيء، ولا يهمنا سوى أن نجد رغيف الخبز لإطعام أطفالنا".