مَنْ تاجر الموت الذي تريد روسيا مبادلته بجاسوس ولاعبة كرة سلة؟

حُكم عليه بالسجن 25 عامًا في أبريل 2012 بعد إدانته بالتآمر لقتل مواطنين ومسؤولين أمريكيين، وتسليم صواريخ مضادة للطائرات ومساعدة منظمة إرهابية

مَنْ تاجر الموت الذي تريد روسيا مبادلته بجاسوس ولاعبة كرة سلة؟

ترجمات - السياق

في سجن أمريكي بولاية آيوا، يجلس رجل ذو صدر عريض وشارب يلقب بـ«تاجر الموت»، لاتهامه بالتربح من الأسلحة التي أججت الصراع في أماكن مختلفة من العالم، إلا أنه بعد أعوام من إحداثه أزمة دبلوماسية بين موسكو وواشنطن، عاد إلى صدارة الأخبار مرة أخرى.

ذلك الرجل الذي يدعى فيكتور بوت، ويبلغ من العمر 55 عامًا، يجلس في وحدة خاصة مقيدة للغاية، حاملًا لقب «ليتل غوانتانامو».

ويعد أشهر تاجر أسلحة في عصره، لتمكنه من بناء امبراطورية لتهريب الأسلحة، انتشرت في جميع أنحاء العالم.

إلا أن الرجل الذي ألقي القبض عليه عام 2010، عاد ليتصدر الأحداث مرة أخرى، كجزء من عرض لتبادل المحتجزين المحتمل، مقابل نجمة كرة السلة الأمريكية بريتني غراينر والجندي الأمريكي السابق بول ويلان المتهم بالتجسس في روسيا، بحسب صحيفة واشنطن بوست.

وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكين -هذا الأسبوع- إن الولايات المتحدة اقترحت على روسيا «عرضًا جوهريًا» لتأمين الإفراج عن أمريكيين محتجزين في موسكو، بينما توقع مسؤولون روس إبرام الصفقة.

وتقول صحيفة واشنطن بوست، إنه ليس هناك شك في أن فيكتور بوت سيكون أكبر جائزة للمسؤولين الروس، الذين احتجوا على معاملته منذ اعتقاله عام 2008 في تايلاند، ضمن عمليه لوكالة مكافحة المخدرات الأمريكية.

وبينما حذر ستيف زيسو، محامي بوت المقيم في نيويورك -هذا الشهر- من أنه «لن يتم تبادل أي أمريكي ما لم تتم إعادة فيكتور بوت إلى وطنه، يأمل المسؤولون الأمريكيون أن يؤدي الضغط العام إلى إطلاق سراح الروس للسجناء. 

روسيا مهتمة

صحيفة واشنطت بوست تساءلت: ما يبدو أقل وضوحًا هو سر اهتمام روسيا كثيرًا ببوت، وأكد على هذا مدير وكالة المخابرات المركزية وليام جيه بيرنز، في منتدى آسبن الأمني ​​-هذا الشهر- عن أن لروسيا رغبة كبيرة في بوت.

ورغم أن موسكو اشتكت من أن بوت وقع في شرك إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، فإن العديد من المسؤولين والمحللين الأمريكيين يعتقدون أن غضبها ليس مرتبطًا بالقضية، بل لعلاقة بوت بالمخابرات العسكرية الروسية.

وقال لي وولينسكي، مسؤول مجلس الأمن القومي في إدارة كلينتون، الذي قاد الجهود المبكرة للتعامل مع شبكة بوت: «من الواضح أن لديه علاقات مهمة بدوائر الحكومة الروسية».

ورغم أنها أقل شهرة من الاستخبارات السوفيتية وخليفتها جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، فإن وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية، المعروفة باسمGRU ، تتمتع بسمعة اتخاذ إجراءات أكثر جرأة وخطورة، بحسب «واشنطن بوست»، التي قالت إنها اتهمت في السنوات الأخيرة بكل شيء، من قرصنة الانتخابات إلى اغتيال المعارضين.

وتشير التقارير إلى أن بوت قد تكون له علاقات وثيقة بإيغور سيتشين، نائب رئيس الوزراء الروسي السابق، حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فكل من سيتشين وبوت خدم مع الجيش السوفييتي في إفريقيا خلال الثمانينيات.

وبينما نفى بوت أي رابط من هذا القبيل، قائلًا إنه لا يعرف سيتشين، إلا أن «واشنطن بوست»، قالت إن هذا الصمت يمكن أن يكون الهدف، فمهرب الأسلحة رفض التعاون مع السلطات الأمريكية، حتى وهو جالس أكثر من عقد، منعزلًا وحيدًا، في زنزانة على بعد آلاف الأميال من منزله في موسكو.

وقال الصحفي الروسي أندريه سولداتوف: «لقد احتفظ بهدوئه في السجن، ولم يكشف أي شيء للأمريكيين، على حد علمي».

وقال سايمون سارادجيان، من مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بجامعة هارفارد، إن بوت لم يكن ليدير هذه الأعمال التجارية الضخمة للتهريب بلا حماية حكومية، لكنه لم يتحدث عن ذلك مطلقًا، مضيفًا أن «الحكومة الروسية حريصة على استعادته حتى يظل على هذا النحو».

مارك جاليوتي الخبير في الأمن الروسي، قال إن تحرير بوت سيوصل رسالة إلى الآخرين، الذين قد ينتهي بهم الأمر في ورطة، مفادها أن الوطن الأم لن ينساهم، مضيفًا أن «عودة الروس بنجاح تعد انتصارًا. دعونا نواجه الأمر، في الوقت الحالي يبحث الكرملين عن الانتصارات».

وقالت المحللة السياسية الروسية تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة مجموعة آر بوليتيك للتحليل السياسي، إن بوتين يريد شيئًا أعمق من المكاسب السياسية. لدينا كلمة خاصة في اللغة الروسية لأشخاص مثل بوت«svoi» إنه يعني من نحن. إنه شخص عمل للوطن الأم، على الأقل في نظر الحكومة».

فيكتور بوت

بوت، الذي قال في مقابلات إنه وُلد في طاجيكستان عام 1967، درس اللغات في المعهد العسكري السوفييتي للغات الأجنبية في موسكو، ودُفع إلى دراسة اللغة البرتغالية، ثم أُرسل إلى أنغولا للعمل مترجمًا في القوات الجوية السوفيتية.

ويقول الخبراء إن المعاهد العسكرية كانت أرضية لتجنيد بوت، مشيرين إلى أنه في حين أن صلاته بـ«سيتشين» غير واضحة، فقد درس كلاهما اللغة البرتغالية وانضما للجيش السوفييتي في موزمبيق.

بعد وقت قصير من انهيار الاتحاد السوفييتي، أصبح بوت -مثل كثيرين- رأوا فرصة للربح وسط الفوضى، فاستخدم أسطولًا صغيرًا من طائرات أنتونوف إن -8 سوفيتية الصنع لتأسيس شركة شحن جوي، بينما كان على استعداد لتحمُّل مخاطر لا يفعلها الآخرون، بالطيران إلى مناطق الحرب، بحسب «واشنطن بوست».

ويعتقد أيضًا أن بوت أراد الحصول على شيء أكثر قيمة من الطائرات، وهي معرفة مصير مخابئ الأسلحة الهائلة للاتحاد السوفييتي، بحسب دوغلاس فرح، رئيس شركة الأمن القومي والمؤلف المشارك لكتاب عن بوت، مشيرًا إلى أنه كان ينقل الأسلحة لعقد من الزمن، من أماكن مثل أوكرانيا.

عام 2000، كان بوت أحد أشهر المهربين في العالم، ولُقِّب بـ«تاجر الموت» في البرلمان البريطاني، وورد اسمه في تقارير الأمم المتحدة لتزويده بأسلحة ثقيلة لحركة متمردة في أنغولا، وكذلك تشارلز تايلور في ليبيريا، ثم دعم حرب أهلية مميتة في سيراليون المجاورة.

قالت عنه الأمم المتحدة، إنه رجل أعمال وتاجر وناقل للأسلحة والمعادن، دعم نظام الرئيس السابق تيلور، في محاولة لزعزعة استقرار سيراليون، والحصول على الماس بطريقة غير مشروعة.

وتتم مناقشة مدى عمل بوت من أجل المصالح العسكرية الروسية، بحسب دوغلاس فرح، الذي قال إنه يعتقد أنه بالنظر إلى حجم المعدات العسكرية التي يتم نقلها، قد يكون هذا العمل بموافقة ضمنية من المخابرات العسكرية الروسية.

وقال لي وولينسكي، مسؤول مجلس الأمن القومي في إدارة كلينتون، إن بوت لفت انتباه إدارة كلينتون، لأنه كان يعطل "عمليات السلام" التي كان الرئيس يدعمها في إفريقيا، مضيفًا: «في بعض الحالات، كان يسلح طرفي النزاع».

ووسط ضغوط دولية متزايدة، بما في ذلك مذكرة توقيف من الإنتربول صدرت عام 2004، عاد بوت إلى موسكو، وتراجع في ذلك الوقت عن أعنف أعماله في تجارة الأسلحة، وعاش في جوليتسينو، وهي بلدة صغيرة خارج موسكو.

القبض على بوت

ولاحظ صديق زار منزله عام 2008 أنه كان مليئًا بالكتب، إلا أن ذلك الضيف، الذي تظاهر بأنه وآخرون ممثلون للقوات المسلحة الثورية في كولومبيا، المعروفة باسم فارك، كانوا يعملون لصالح إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، ما أدى إلى إلقاء القبض على بوت في تايلاند، بعد تمكنهم من تسجيل محادثة مع «تاجر الموت».

تلك المحادثة التي كانت سرية، كان يخطط فيها بوت لشراء 100 صاروخ أرض-جو، و20 ألف بندقية من طراز AK-47، و 20 ألف قنبلة يدوية، و 740 قذيفة هاون، و350 بندقية قنص، وخمسة أطنان من سي- 4 متفجرات و 10 ملايين طلقة ذخيرة، للذين كان يعتقد أنهم عملاء للقوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك).

ونجحت عملية «اللدغة المعقدة» لمكافحة المخدرات الأمريكية، في التغلب على مشكلة رئيسة في مطاردة الولايات المتحدة لبوت، ما أدى لإدانته عام 2011، من محكمة فيدرالية في نيويورك، بارتكاب مجموعة من التهم، بما في ذلك التآمر لقتل أمريكيين.

واشتكى المسؤولون الروس -بشكل خاص- من الاستهداف العدواني وغير المعتاد لبوت، لكن تسجيل بوت ساعد في جعل الحجة الأوسع نطاقًا أنه لم يكن رجل أعمال بسيطًا.

وعندما قال العملاء، الذين تظاهروا بأنهم مشترون للقوات المسلحة الثورية الكولومبية، إن الأسلحة ستُستخدم ضد طياري القوات الجوية الأمريكية، الذين يعملون مع الحكومة الكولومبية، كان من الممكن سماع بوت وهو يخبرهم بأن لديهم «العدو نفسه»، قائلًا: «هذا ليس عملاً... إنها معركتي»

بوت ينفي

أثناء محاكمته، قال برندان ماكغوير مساعد المدعي العام حينئذ: «هذا الرجل، فكتور بوت، وافق على توفير كل ذلك إلى منظمة إرهابية أجنبية كان يعتقد أنها ستقتل أمريكيين»، إلا أن بوت نفى التهم الموجهة إليه، ورفض التعاون مع القضاء الامريكي مقابل تخفيض عقوبته.

وقال بوت، في حوار صحفي من سجنه بنيويورك، إن القضاء عرض عليه تخفيض مدة سجنه إذا قدَّم لائحة بمن يتعامل معهم في روسيا وبلدان أخرى، مشيرًا إلى أن واشنطن شنت حملة منظمة لتشويه سمعته، وأنه لم يتوقع العدل في الولايات المتحدة.

وتسببت قضيته في نزاع دبلوماسي آنذاك بين موسكو وواشنطن، بينما تعهد وزير الخارجية سيرغي لافروف بالقتال لضمان عودة بوت إلى روسيا، واصفًا قرار المحكمة التايلاندية عام 2010 بتسليمه للولايات المتحدة، بأنه غير عادل وسياسي.

وبعد نقله لأمريكا، حُكم عليه بالسجن 25 عامًا في أبريل 2012 بعد إدانته بالتآمر لقتل مواطنين ومسؤولين أمريكيين، وتسليم صواريخ مضادة للطائرات ومساعدة منظمة إرهابية.