العراق... هل يصل الانسداد السياسي إلى الاقتتال الطائفي؟

إيران تعمل في الكواليس، لتجميع نخبة شيعية مجزأة، مع احتمال زعزعة التوازن السياسي الدقيق مع الولايات المتحدة والدخول في حقبة جديدة من العنف بين الطوائف

العراق... هل يصل الانسداد السياسي إلى الاقتتال الطائفي؟
نوري المالكي يحمل السلاح عقب اقتحام أنصار مقتدى الصدر المنطقة الخضراء

السياق

بعد يومين من اقتحام المنطقة الخضراء شديدة التحصين في العاصمة بغداد، ودخول المتظاهرين قاعات البرلمان، في حدث «ألهب» الأزمة السياسية في العراق، انطلقت صافرات الإنذار خوفًا على مستقبل البلد الآسيوي.

فعلى أنغام توقعات بعودة أنصار التيار الصدري إلى الشارع مرة أخرى السبت، بعد «جرة الأذن» التي مُنيت بها القوى السياسية من زعيم التيار مقتدى الصدري، دخل العراق –الجمعة- في أطول فترة جمود بعد انتخابات بلغت 292 يومًا، إذ حال الصراع الداخلي، في التكتلات الشيعية والكردية، دون تشكيل حكومة، ما عطل إصلاحات مطلوبة.

وبعد مضي أكثر من تسعة أشهر على إجراء الانتخابات النيابية في أكتوبر، لا يبدو أن البرلمان العراقي قد اقترب من اختيار رئيس للبلاد ورئيس للوزراء، في شلل سياسي ترك العراق بلا موازنة لعام 2022، ما أدى إلى توقف الإنفاق على مشروعات للبنية الأساسية مطلوبة بشدة، وتعطلت الإصلاحات الاقتصادية.

وفي محاولة لفهم ما يحدث في العراق وأسبابه، هناك تساؤلات منها: ما الذي أدى إلى الشلل السياسي؟ وكيف يمكن أن تستمر المعركة خارج البرلمان؟ وما الدور الإيراني؟

أسئلة أجابت عنها وكالة أسوشيتد برس، في تقرير ترجمته «السياق»، قائلة إن التعبئة والسيطرة الجماهيرية استراتيجية قديمة لمقتدى الصدر، الذي وصفته بـ«الشخصية الزئبقية»، التي برزت كقوة فاعلة في المشهد السياسي العراقي، بأجندة قومية مناهضة لإيران.

وتقول الوكالة، إن اقتحام البرلمان –الأربعاء- جاء بعد أن رشح منافس الصدر السياسي المدعوم من طهران، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، سياسيًا "مواليًا لإيران "هو محمد شياع السوداني ليكون الزعيم العراقي الجديد. وفق أسوشيتد برس

الشلل السياسي

بعد ما يقرب من 10 أشهر من إجراء الانتخابات الوطنية، لم يتمكن العراق من تشكيل حكومة، في فترة هي الأطول منذ «الغزو» الأمريكي عام 2003.

وتقول «أسوشيتيد برس»، إن المأزق المستمر أدى إلى شل حركة الدولة الهشة بالفعل، مع عدم وجود مسار واضح للخروج، مشيرة إلى أن إيران تعمل في الكواليس، لتجميع نخبة شيعية مجزأة، مع احتمال زعزعة التوازن السياسي الدقيق مع الولايات المتحدة والدخول في حقبة جديدة من العنف بين الطوائف.

هذا الشلل الذي كان مدفوعًا -إلى حد كبير- بالثأر الشخصي، حوَّل النظام السياسي العراقي إلى لعبة شطرنج عالية المخاطر مع عواقب مزعزعة للاستقرار، بحسب الوكالة التي قالت إنه لا خيار أمام العراقيين العاديين سوى المشاهدة.

وأشارت إلى أن احتجاجات الأربعاء كانت تهدف إلى إيصال رسالة تحذيرية لخصوم الصدر، بأنه لا يمكن تجاهله أثناء محاولتهم تشكيل حكومة من دونه.

الصدر والمالكي

رغم أن تحالف الصدر فاز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أكتوبر، فإن الأحزاب السياسية المتنازعة فشلت في الوصول إلى أغلبية الثلثين اللازمة لاختيار رئيس، وهي خطوة مهمة قبل اختيار رئيس الوزراء.

وبعد تعثر المفاوضات سحب الصدر كتلته من البرلمان، وأعلن انسحابه من محادثات تشكيل الحكومة، إلا أنه يمكن للصدر -القادر على استدعاء أتباعه على ما يبدو بنقرة إصبع- أن يعيد البلاد إلى طريق مسدود، وسط توقعات بخروج احتجاجات مرة أخرى إلى الشوارع في العاصمة بغداد.

المالكي يرأس تحالف الإطار التنسيقي، وهو مجموعة بقيادة الأحزاب الشيعية المدعومة من إيران، ومع زوال العائق الرئيس الممثل في كتلة الصدر، حل الإطار محل نواب الصدر المستقيلين. ورغم أن هذه الخطوة كانت قانونية، فإنها كانت استفزازية أيضًا، ما منح الإطار الأغلبية المطلوبة في البرلمان، بحسب «أسوشيتيد برس».

كان التحالف أعلن –الاثنين- ترشيح محمد السوداني، وزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي السابق، لرئاسة الوزراء، في ترشيح نظر إليه الموالون للصدر على أنه شخصية يمكن للمالكي أن يفرض السيطرة من خلالها، خاصة بعد أن كان الأخير يريد منصب رئيس الوزراء لنفسه، إلا أن التسريبات الصوتية أفشلت خطواته. حسب محللين

اقتحام البرلمان

احتجاج الأربعاء في البرلمان، كان فريدًا لأن شرطة مكافحة الشغب لم تتدخل لمنعه، ما أدى إلى القليل من العنف، في حدث فسره توبي دودج، الزميل المشارك في معهد تشاتام هاوس، بأن أيًا من الجانبين لا يريد أي تصعيد لإراقة الدماء.

وقال دودج: "كانت هناك ثلاث رسائل كبيرة... هذا مسرح... لم يكن هناك عنف وهذا متعمد من الجانبين (...) هذه معركة داخل النخبة، ولا علاقة لها ببقية المجتمع، هذه النخبة فقدت شرعيتها".

وتقول «أسوشيتيد  برس»، ربما يكون معسكرا المالكي والصدر قادرين على تسوية خلافاتهما، إلا أن هناك لاعبًا ثالثًا كبيرًا في السياسة العراقية، يتمثل في الحزبين الكرديين الرئيسين (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني)، اللذين يعانيان الانقسام، ويحتاجان أولًا إلى الاتفاق على مرشح لرئاسة العراق.

كان الحزب الديمقراطي الكردستاني قد تحالف مع الصدر، بينما ينتمي الاتحاد الوطني الكردستاني إلى فصيل إطار المالكي.

معركة خارج البرلمان

لا يمكن لفصائل الصدر والمالكي أن تُستبعد من العملية السياسية، فلديهما موظفون مدنيون في مؤسسات الدولة ، يتم نشرهم للقيام بمهامهم عندما تتطلب الظروف، عن طريق وقف صنع القرار وتشكيل عوائق بيروقراطية.

وبحلول الوقت الذي انتهت فيه فترة ولايته رئيسًا للوزراء، التي استمرت ثماني سنوات عام 2014، بنى المالكي دولة عميقة منتشرة في كل مكان، من خلال تعيين موظفين مدنيين في المؤسسات الرئيسة، بما في ذلك القضاء، بينما زرع الصدر دولة عميقة موازية مع تعيينات رئيسة بلغت ذروتها عام 2018.

تلك الدولة العميقة يعلم جيدًا الإطار التنسيقي أنها ستمنح الصدر سلطة كبيرة داخل الدولة أو في الشارع حتى من دون وجوده في البرلمان.

وتقول «أسوشيتيد برس»، إن الجانبين فقدا أيًضا بعض الدعم الشعبي، فخفتت الاحتجاجات الحاشدة التي انطلقت عام 2019 ضد الحكومة، وفقد الصدر أصواتًا كثيرة في انتخابات البرلمان، في أكتوبر 2021، رغم فوزه بأكبر حصة من المقاعد.

الدور الإيراني

رغم العواقب، أشار الإطار العام إلى استعداده للمضي قدمًا في تشكيل الحكومة، بينما وصف النائب محمد سعدون، عضو الإطار، احتجاج الأربعاء بأنه محاولة انقلاب، لكنه قال إنه لن يردع جهود التحالف.

وقال: "لن نسمح بذلك. نحن في طور تشكيل الحكومة ولدينا أعداد كافية لانتخاب الرئيس والتصويت للحكومة المقبلة".

وقال حمدي الملك، الزميل المشارك في معهد واشنطن: «إنهم لا يتوقعون أن تكون الشوارع هادئة، وهم يستعدون لذلك»، مشيرًا إلى أن الترشيح السريع للسوداني شهادة على جهود إيران للجمع بين الأحزاب الشيعية في التحالف، في تحول دراماتيكي.

وتقول «أسوشيتيد برس»، إن إسماعيل قاني، قائد فيلق القدس الإيراني  في العاصمة بغداد خلال احتجاجات الأربعاء، وحث قادة الفصائل على عدم استفزاز الصدر، بحسب أحد المسؤولين.

ماذا سيحدث؟

تقول وكالة رويترز: تواصل حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي المنتهية ولايتها تصريف الأعمال، مشيرة إلى أنه إذا لم تتفق الأحزاب على حكومة جديدة قد تستمر حكومة الكاظمي كحكومة انتقالية إلى حين إجراء انتخابات جديدة.

ذلك السيناريو أثاره إعلاميون وناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فالأكاديمي زيد عبدالوهاب الأعظمي، قال عبر «تويتر» إن «تظاهرات التيار ليست ضد مرشح الإطار، مضمون الرسالة (جرة الأذن) هي لا تفرضوا حكومة أمر واقع، وتعالوا نتفق على موعد انتخابات مبكرة، تديرها حكومة تصريف أعمال».

ووصف الخبير في شؤون العراق في مركز دراسات الشرق الأوسط «أورسام»، رسالة التيار الصدري لمرشح الإطار التنسيقي بـ«شديدة اللهجة»، مشيرًا إلى أن ورقة الشارع والتصعيد الجماهيري آخر الدواء في صراع السلطة وفرض الإرادات السياسية، ويبدو أن وقتها قد حان.

وقال المحلل السياسي العراقي علي فرحان، عبر «تويتر»، إنه لن تعقد جلسة للبرلمان السبت، ولن يتم تمرير مرشح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، مشيرًا إلى أن الأوضاع على ما هي عليه، باستمرار الكاظمي وحكومته.

عمار يوسف حمود، نائب الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي، أكد أنه لمنع تنفيذ الأجندات الخارجية، على الإطار التنسيقي ترك تشكيل الحكومة، والذهاب إلى تعديل قانون الانتخابات، وإعلان انتخابات مبكرة جديدة وسريعة، للبرلمان ومجالس المحافظات.

بدوره، قال الأكاديمي والخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية سمير عبيد، إنه ليكن شعار إنقاذ العراق بـ«الفلوس لا بالنفوس»، مشيرًا إلى أنه مادام الانسداد السياسي وصل إلى حافة الخطر والدم!

وأوضح عبيد، عبر «تويتر»، أن إبقاء حكومة الكاظمي أسلم،  والذهاب نحو انتخابات مبكرة بعد عام، سيُنقذ العراق والشعب من الدم، مشيرًا إلى رصد أموال الانتخابات المبكرة.

وبحسب «رويترز»، فإن الشلل السياسي ترك العراق بلا موازنة لعام 2022، فتوقف الإنفاق على مشروعات للبنية الأساسية مطلوبة بشدة، وتعطلت الإصلاحات الاقتصادية، في وضع يقول عنه العراقيون إنه يفاقم نقص الخدمات والوظائف، حتى مع تحقيق بغداد عائدات نفطية قياسية، بسبب ارتفاع أسعار الخام.