السياسة في مكان العمل... كيف نتعامل مع اختلاف وجهات النظر؟
تصاعد الخلافات بين الأفراد من ذوي الآراء المتعارضة، أدى إلى مطالبة بعض العمال من المديرين بفصل زملائهم بدعوى أنهم غير لائقين، بينما يضطر آخرون للانسحاب لأنهم لا يشعرون بالتوافق مع قيم المنظمة

ترجمات - السياق
تساءلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن كيفية التعامل مع اختلاف وجهات النظر في مكان العمل، مشيرة إلى أنه يجب على المديرين مواجهة التحدي المتمثل في تصاعد الاستقطاب بحساسية والتزام بالتنوع.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير للكاتب أندرو إيدجكليف جونسون- أن المشكلة بدأت عندما بدأ أرباب العمل مطالبة العاملين، بضرورة الحضور إلى أماكن العمل، بعد أن انقشع تأثير كورونا، وباتت الأمور أكثر أمانًا.
ونقلت الصحيفة عن جوني تايلور جونيور -الرئيس السابق لصندوق كلية ثورغود مارشال للكليات والجامعات الأمريكية الإفريقية- قوله: مع ترسيخ شعار الإدارة الشاملة، يبدو أن الموظفين تناقلوها حرفيًا، حيث باتوا يجلبون معهم التحيزات السياسية، كما يجلبون (ملابسهم وخبراتهم).
وأوضح، جونيور -المسؤول عن جمعية إدارة الموارد البشرية (SHRM) وهي أكبر جمعية في العالم تكرِّس جهودها لإدارة الموارد البشرية- أنه مع زيادة استقطاب الناخبين في الفترة الأخيرة، مع قرب انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر المقبل، فإن المديرين في أماكن العمل "يكافحون بقوة" لاحتواء خلافات الموظفين والعمال السياسية.
وأشارت الصحيفة، إلى أن مهنة الموارد البشرية ركزت جيدًا على ضرورة الالتفات لتأثير الخلفيات المختلفة والرؤى العالمية لعالم الأعمال، لافتة إلى أن المديرين يفضلون توظيف الذين يشبهونهم في الفكر والتوجه، إلا أن ما قللت -الموارد البشرية- من قيمته أن "الاندماج في العمل سيكون أصعب بسبب الاختلاف في وجهات النظر".
الاستقطاب
وقال تايلور: "حتى عندما أصبح الرؤساء التنفيذيون يتحدثون بصوت عالٍ عن مواضيع الاستقطاب من العدالة العرقية إلى الإجهاض، فقد أولينا اهتمامًا أقل للتوترات التي تسببها تلك الموضوعات داخل مؤسساتهم"، واستشهد أنه إذا أراد موظف -مثلًا- بيان عدم رضاه عن قرار المحكمة العليا بإلغاء الحق الدستوري للأمريكيين في الإجهاض، فإنه يرفض بالتبعية أي قرار مناهض لرأيه، وهو ما يعكر صفو علاقة العمل بين الطرفين.
وبيّن أن تصاعد الخلافات بين الأفراد من ذوي الآراء المتعارضة، أدى إلى مطالبة بعض العمال من المديرين بفصل زملائهم "بدعوى أنهم غير لائقين"، بينما يضطر آخرون للانسحاب لأنهم لا يشعرون بالتوافق مع قيم المنظمة.
الشهر الماضي -على سبيل المثال- ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن شركة ميتا -عملاقة وسائل التواصل الاجتماعي- طلبت من موظفيها، عدم مناقشة الحكم الأخير للمحكمة العليا الأمريكية بإلغاء قضية "رو ضد وايد" التي أُلغي على أثرها حق الإجهاض في العديد من الولايات، وحذفت الشركة الرسائل الموجودة على أدوات الاتصال الداخلية الخاصة بها، التي تشير إلى هذا الموضوع.
وبينت "فايننشال تايمز" أن "ميتا"، بررت قرارها بأن "مناقشة الإجهاض في العمل تنطوي على مخاطر متزايدة لتوفير بيئة عمل معادية".
وأفادت بأنه عند البحث في تكاليف الاستقطاب مكان العمل ونتائجه الخطيرة على بيئته، يمكن فهم محاولات موظفي الموارد البشرية إنهاء المناقشات التي تقسم العاملين إلى فرق، ما يضر بالإنتاجية وبيئة العمل ككل.
وأشارت إلى أن جمعية إدارة الموارد البشرية، وجدت في بحث أجرته مؤخرًا، أن 41 في المئة من الموظفين الأمريكيين تركوا وظائفهم في مرحلة ما لأنهم شعروا بأن قيمهم تتعرض للوصم.
ويقول جيف جولتون، رئيس الأبحاث والرؤى في كنسنتريك، -وهي مجموعة أبحاث لتطوير القيادة والموظفين يملكها سبنسر ستيوارت- إن بعض الموظفين يضطرون للانسحاب عندما يحيط بهم زملاء يختلفون معهم في الرأي، ما يزيد الفرقة بين العاملين.
انتفاضة المواهب
وحسب "فايننشال تايمز" يشير زميل جولتون في كنسنتريك، سيمور أدلر، إلى أن "انتفاضة المواهب" التي أدت إلى ظاهرة "الاستقالة العظيمة" تسببت في ترك أعداد قياسية من العمال -من الذين كانوا يحاولون مواءمة عملهم مع قيمهم- في الولايات المتحدة لوظائفهم.
كان أكثر من 24 مليون شخص في الولايات المتحدة، اتخذوا هذه الخطوة بين أبريل وسبتمبر من هذا العام، وسيبقى العديد منهم خارج قوة العمل، كما تشهد ألمانيا واليابان وغيرهما من الدول الغنية، شيئًا من هذا الاتجاه أيضًا.
وعما يجب على المديرين فعله، إذا وجدوا أعضاء الفريق على خلاف مع بعضهم، رأت "فايننشال تايمز" أن الإعلانات التي تحظر المناقشة السياسية ليست الحل، فقد أظهر استطلاع لمؤسسة "مورنينغ كونسلت" البحثية، أن واحدًا فقط من كل خمسة أمريكيين دافع عن استجابة الشركات بهذه الطريقة لقرار المحكمة العليا بشأن الإجهاض.
بينما يعتقد تايلور أن الأسلوب الأفضل إدارة تلك المحادثات، على أن يبدأ ذلك بتكرار التزام الشركة بالتنوع، بما في ذلك التنوع السياسي.
ويشير أدلر إلى أن البديل لتضمين وجهات النظر المختلفة هو التفكير الجماعي، في حين أن تطوير "القدرة على الاختلاف بشكل جيد" يمكن أن يجعل الشركة أكثر ابتكارًا، كما كتب ميغان ريتز وجون هيجينز في هارفارد بيزنس ريفيو العام الماضي.
ومع ذلك، يرى تايلور، أن الاختلاف الجيد مفتاح النجاح، مضيفًا: "عندما يُظهر الموظف سلوكيات غير متوافقة مع قيمنا، فإننا نتخلص منها" ، موضحًا الحاجة إلى الإصرار على أن يظل الموظفون متحضرين.
وحسب الصحيفة البريطانية، يعقد بعض المديرين جلسات استماع عندما تبدأ السياسة التدخل في العمل، كمحاولة لوقف أي خلاف قد يطرأ، لكن تايلور يشك في أن هذه الجلسات تساعد دائمًا، محذرًا من أن أغلبية هذه النقاشات تتحول إلى خلافات أعمق.
ويرى أدلر أن بعض هذه النزاعات قد يؤدي ببساطة إلى تآكل التعاون بين الموظفين، لذلك يحق للقادة وضع "حواجز حماية" ، أو رؤية مشتركة لما يجب أن يتجه جميع الموظفين نحوه، لضمان استمرار تركيز العمال على إنجاز العمل، بعيدًا عن أي خلافات جانبية.
ويؤيد جولتون هذا التوجه، موضحًا أن هذه الحواجز قد تكون (حائط الصد) أمام أي نزاعات بين العمال في قضية خلافية ما، مشيرًا إلى أن أغلبية الموظفين والعمال يؤيدون تطبيق هذه الرؤية في كواليس العمل، حتى لا يتأثر، وحتى لا يفقد أحدهم عمله نتيجة أي خلاف.
وترى "فايننشال تايمز" أنه من الصعب في أي وقت إقناع موظف لديه آراء راسخة بالتعاطف مع وجهة نظر أخرى معارضة، مشددة على أن ذلك في سياق الانقسامات السياسية الحالية أكثر صعوبة.
ولكن -تضيف الصحيفة- حتى في الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات الرأي أن الناخبين أصبحوا أكثر استقطابًا ، فإنها تظهر أيضًا أنهم يتوقون إلى قدر أقل من الاستقطاب، ومن ثمّ إذا فهم المدراء ذلك بشكل صحيح، فقد تلعب أماكن العمل دورًا مهمًا في تحقيق هذا الهدف المشترك.