ماذا تعني الفوضى السياسية في إيطاليا بالنسبة لأوروبا؟

استطلاعات الرأي تشير إلى أن تحالف الأحزاب اليمينية في إيطاليا سيشكل الحكومة المقبلة

ماذا تعني الفوضى السياسية في إيطاليا بالنسبة لأوروبا؟

ترجمات - السياق 

"إيطاليا تتجه نحو مستقبل سياسي مجهول"، هكذا رأت مجلة التايم الأمريكية، الأوضاع في البلد الأوروبي العتيق، بعد استقالة ماريو دراغي من رئاسة الوزراء، متسائلة عن تأثير ما سمتها هذه "الفوضى السياسية" في أوروبا.

وقالت المجلة، في تحليل للعالِم السياسي الأمريكي آيان بريمر، رئيس ومؤسس الجمعية الأوروبية الآسيوية، أستاذ البحث العلمي في جامعة نيويورك، إن إيطاليا تتجه نحو مستقبل سياسي مجهول، بعد أن تخلى رئيس الوزراء ماريو دراغي -الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي الذي أنقذ منطقة اليورو قبل عقد من الزمان تقريبًا من خلال تعهده بفعل كل ما يلزم لتوجيه أوروبا خلال أزمة الديون السيادية-  عن الآمال في رؤية إيطاليا تمر من أزمتها الحالية.

ففي أعقاب انهيار حكومة الوحدة الوطنية التي كان يقودها، قدَّم رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي استقالته إلى الرئيس سيرغيو ماتاريلا الذي قبلها وقرر إثرها حل البرلمان، لإجراء انتخابات مبكرة حُدّد موعدها في 25 سبتمبر.

تأتي هذه الاستقالة بعد فشل الجهود لإيجاد أرضية مشتركة بين الأحزاب، الأمر الذي يستوجب حملة انتخابية مبكرة قد تصل باليمين المتطرف إلى الحكم.

عواصف سياسية

أمام هذه الأزمات، بينت "تايم" أنه يتعين على إيطاليا أن تتغلب على العواصف التي أحدثتها الخسائر البشرية والاقتصادية من وباء كورونا، وأزمات الطاقة والأمن، الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، مع مسؤول غير دراغي.

وحسب المجلة، فإنه أيًا كان الفائز في انتخابات سبتمبر، يتعين عليه التفاوض على تمديد دين عام بـ 200 مليار يورو بحلول نهاية العام.

وأشارت إلى أن دراغي سيبقى في منصبه، حتى تتمكن إيطاليا من إجراء انتخابات وطنية قبل نهاية سبتمبر، لكن عمله كزعيم لحكومة وحدة وطنية نادرة في إيطاليا، سيظل غير مكتمل.

وحسب المجلة، فإنه على حد تعبير الروائي الأمريكي إرنست همنغواي، فقد جاء سقوط تحالف دراغي تدريجيًا، ثم فجأة.

وذكرت أن دراغي وافق على تشكيل الحكومة في فبراير 2021 -من بين 19 حكومة خلال 33 عامً - بدعم من اليسار واليمين، كما أن معظم الأطراف الأخرى اتفقت على منحه الفرصة لمواجهة الأزمة الاقتصادية الصعبة، التي أحدثتها كورونا، والحاجة الملحة للمساعدات من الاتحاد الأوروبي.

يرأس دراغي ائتلافًا يضم شريحة عريضة من الأحزاب منذ فبراير 2021، وهي غالبًا لا تتعاون معًا، لكنها تجمعت لإظهار الوحدة في جائحة كورونا، وضمت الحزب الديمقراطي من يسار الوسط، وحركة الخمس نجوم الشعبوية، والقومي المتشدد بزعامة ماتيو سالفيني، وفورزا إيطاليا، برئاسة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني.

ومع ذلك تعرض هذا التعاون لضربة، عندما رفض حزب حركة الخمس نجوم الشعبوي التصويت على إجراء بشأن مساعدات للشركات والأسر التي تتضررت من الحرب في أوكرانيا.

وكان يُنظر إلى القرار كتصويت على الثقة، ما يعني إضرارًا كبيرًا بالائتلاف، ومدى استمراره.

انهيار التحالف

وأشارت "تايم" إلى أنه على مدى الـ 17 شهرًا الماضية، واجه دراغي مشكلات عدة داخل الائتلاف، إلا أن الحاجة إلى تأمين أموال الإغاثة من الاتحاد الأوروبي، والخوف من أن تؤدي الانتخابات الجديدة إلى إطلاق العنان للفوضى، جعل الأمور تسير بشكل روتيني.

لكن في يونيو -حسب المجلة- بدأ التحالف الانهيار، إذ أدى الصدع العدائي بشكل متزايد داخل حركة الخمس نجوم، ثم بينها وبين حزب ليغا نورد اليميني المتطرف، بالائتلاف إلى طريق مسدود.

وفي بيان مشترك، قال حزب الرابطة اليميني المتطرف بزعامة ماتيو سالفيني وحزب "فورزا إيطاليا" المحافظ بزعامة سيلفيو برلسكوني: من الواضح أنه لم يعد من الممكن الاعتماد على حزب حركة الخمس نجوم.

وبينت المجلة الأمريكية، أنه "حين هدد حزب الخمس نجوم بمغادرة الحكومة، كان هناك أمل بأن يستمر دراغي رئيسًا للوزراء مع تحالف أضيق، لكن عندما أصر ليغا نورد وفورزا إيطاليا على أن ثمن استمرار دعمهما سيكون حكومة أكثر يمينية بدلاً من تحالف وحدة، اضطر دراغي للاستقالة".

ورأت المجلة أن هذا الاضطراب يأتي في وقت عصيب بالنسبة لإيطاليا، حيث ستكون الانتخابات المقبلة، المرة الأولى منذ عقود، التي يتم فيها إجراء تصويت وطني في الخريف، وهي فترة مخصصة عادةً لتمرير الميزانية.

وأوضحت أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن انتخابات الخريف ستقدم الحكومة اليمينية الأكثر تطرفًا في أوروبا الغربية، التي تضم حزب إخوان إيطاليا المتطرف بزعامة جورجيا ميلوني، والرابطة القومية، وحزب فورزا إيطاليا بزعامة سيلفيو برلسكوني كشريك صغير.

وتحتاج إيطاليا إلى إقرار الميزانية، لتنفيذ الإصلاحات التي تطالب بها المفوضية الأوروبية مقابل 200 مليار يورو الموعودة في شكل مِنح وقروض من صندوق الاتحاد الأوروبي للإغاثة من الأوبئة.

وحسب المجلة، سيتم تأجيل هذه العملية، لأن الرئيس الإيطالي حل البرلمان قبل انتخابات سبتمبر، وبدلاً من محاربة التضخم، والبحث عن طرق لتجاوز فصل الشتاء الصعب من دون إمدادات الطاقة الروسية، فإن القادة الإيطاليين اختاروا (اللعب السياسي) واللجوء للانتخابات، وهو ما يحتاج لفترة قد تتجاوز أسابيع لتشكيل حكومة جديدة، ومن ثمّ بدء العمل لمواجهة هذه التحديات.

مَنْ المستفيد؟!

وعن المستفيد من هذه الفوضى، أشارت "تايم" إلى أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن تحالف الأحزاب اليمينية في إيطاليا سيشكل الحكومة المقبلة.

وحسب هذه الاستطلاعات، سيكون لحزب ليغا برئاسة سالفيني، وفورزا إيطاليا برئاسة برلسكوني، مقاعد على طاولة الحكومة الجديدة، لكن من المرجح أن يكون الفائز الأكبر هو الحزب الرئيس الوحيد، الذي رفض منذ البداية دعم حكومة دراغي، وهو حزب (الإخوة الأصليون) بزعامة جورجيا ميلوني.

وترى المجلة أن ذلك يعني أنه حين ينتخب الإيطاليون حكومة جديدة في 25 سبتمبر -بعد الانفراط الدراماتيكي الأسبوع الماضي للحكومة الائتلافية التي قادها رئيس الوزراء التكنوقراطي ماريو دراغي- قد يختارون ميلوني كأول رئيسة للوزراء في البلاد.

مَنْ هي مليوني؟

ووصفت "تايم" ميلوني -التي تبلغ من العمر 45 عامًا، وتعد أصغر سنًا بنحو 30 عامًا من الرجل الذي تأمل أن تحل محله رئيسة للوزراء- بأن خبرتها في الإدارة الحكومية محدودة، لكن أفكارها اليمينية متجذرة.

وأشارت إلى أنها عندما كانت في سن المراهقة، انضمت إلى الحركة الاجتماعية الإيطالية، وهو حزب مستوحى من الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني.

ثم كعضو في التحالف الوطني اليميني، أصبحت وزيرة للشباب في حكومة برلسكوني عام 2008، وشغلت هذا المنصب -الوظيفة الحكومية الوحيدة- ثلاث سنوات.

عام 2014، أصبحت ميلوني عضوًا مؤسسًا في جماعة الإخوة الإيطالية المعادية للمهاجرين.

وأمام هذه الخلفية، توقعت المجلة الأمريكية، أن ترفع ميلوني شعارات "الدفاع عن الله والوطن والأسرة"، والتعهدات بإبعاد المهاجرين في خطابات حملتها الانتخابية. 

وعن موقفها من أوروبا، بينت المجلة، أن ميلوني تصر على ضرورة تعديل معاهدات الاتحاد الأوروبي، وأن يحل القانون الإيطالي محل قواعد الاتحاد الأوروبي، لكنها لم تحبذ خروجًا إيطاليًا من الاتحاد الأوروبي.

وحسب المجلة، فإنه في وقت تعد فيه الأموال الأوروبية أمرًا حاسمًا للتعافي الإيطالي، ورغم الإشارة المألوفة في بعض الأحيان إلى "بيروقراطيي بروكسل"، من المحتمل أن تقلل ميلوني من شأن شكوك حزبها في اليورو.

كان دراغي قد وعد أوروبا بأن حكومته ستحرر قوانين المنافسة، وتعيد كتابة القواعد الضريبية، بينما تعرف ميلوني أنه ما لم تكن الحكومة المقبلة مستعدة للوفاء ببعض هذه الوعود، فإن إيطاليا ستواجه تخفيضات كبيرة في تمويل الاتحاد الأوروبي.

وترى المجلة أيضًا، أنه من غير المحتمل أن تقلب ميلوني - حال نجاحها في تشكيل الحكومة الجديدة- إجماع الاتحاد الأوروبي بشأن دعم أوكرانيا، إذ أدانت الغزو الروسي ودعمت جهود دراغي لتزويد أوكرانيا بالأسلحة وأنواع الدعم الأخرى.