نحو النمو أم الركود.. إلى أين يتجه الاقتصاد الأمريكي؟

عكس التباطؤ في الاقتصاد الأمريكي، خلال الربع الثاني من العام الجاري، تحولاً في سلوكيات المستهلكين والأعمال

نحو النمو أم الركود.. إلى أين يتجه الاقتصاد الأمريكي؟

ترجمات-السياق

أفادت صحيفة واشنطن بوست بأن الاقتصاد الأمريكي انكمش للمرة الثانية على التوالي، في الربع الثاني من العام الجاري، بمعدل نمو سنوي قدره 0.9%، ما يثير مخاوف من أن البلاد قد تتجه نحو الركود، ويفاقم التحديات السياسية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في الوقت الذي تكافح فيه معدلات التضخم الأعلى منذ عقود.

وقالت الصحيفة الأمريكية -في تقرير- إن الأرقام الجديدة، التي صدرت الخميس الماضي، في تقرير لمكتب التحليل الاقتصادي بالولايات المتحدة، تأتي في وقت مضطرب للاقتصاد، رغم اختلاف الاقتصاديين على احتمال حدوث ركود.

لماذا انكمش الاقتصاد الأمريكي؟

وتابعت: "لقد عكس التباطؤ في الاقتصاد الأمريكي، خلال الربع الثاني من العام الجاري، تحولاً في سلوكيات المستهلكين والأعمال، إذ اشترى تجار التجزئة عدداً أقل من السلع، بما في ذلك السيارات، بعدما حوَّل المستهلكون إنفاقهم بعيداً عن السلع ووجهوها نحو الخدمات مثل المطاعم والفنادق، كما أسهم انخفاض معدلات بناء المساكن والإنفاق الحكومي في الأرقام السلبية أيضاً".

ووفقاً للصحيفة، فإن الأرقام السيئة الخاصة بالناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، تعكس استمرار المشكلات الخاصة بمعدلات التضخم، التي بلغت أعلى مستوياتها في 40 عاماً على مدى أشهر، بخلاف ضعف مبيعات المنازل والتحديات التي تواجه بعض القطاعات، بما في ذلك التكنولوجيا والتمويل، حتى أن سوق العمل المحموم بدأ يظهر تصدعات، وهناك مخاوف أوسع بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا، والتوقعات المالية العالمية والزيادات الحادة في أسعار الفائدة، كل ذلك دفع العديد من الاقتصاديين إلى توقع ركود في الولايات المتحدة العام المقبل.

ونقلت الصحيفة عن جيسون فورمان، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، أحد كبار المستشارين الاقتصاديين السابقين للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قوله: "يبدو أن الاقتصاد الأمريكي يتباطأ بالفعل، فهذه البيانات مقلقة أكثر بكثير من بيانات الربع الأول من العام، ولا أعتقد أنه يمكننا تجاهلها، إذ لم يعد الأمر مجرد بعض العوامل المتقلبة، لكن يبدو أن هناك أجزاءً مهمة من الاقتصاد تتباطأ".

من جانبه، دفع البيت الأبيض بقوة ضد الآراء التي تقول إن الاقتصاد في حال ركود، حيث أشار كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن في ذلك وزيرة الخزانة جانيت يلين، إلى قوة سوق العمل كعلامة على أن الانتعاش لا يزال في المسار الصحيح، كما جادل مسؤولو البيت الأبيض، قبل تقرير الخميس الماضي، بأنه حتى لو كان معدل النمو خلال الربع الثاني سلبياً فإنه ينبغي ألا يُنظر إليه على أنه إشارة إلى ركود.

بينما ألقى المشرِّعون الجمهوريون باللوم على الإنفاق التحفيزي لإدارة بايدن، بالمساهمة في ارتفاع معدلات التضخم والانكماش الاقتصادي الأوسع، حيث ادعى الكثيرون منهم أن البلاد بالفعل في حال ركود.

وعارضت وزيرة الخزانة الأمريكية، الخميس الماضي، مزاعم الحزب الجمهوري بأن الاقتصاد في حال ركود، قائلة إنه أظهر علامات على استمرار التوسع في الاستهلاك، كما عكس تغييراً مُرحباً به بعيداً عن النمو الذي كان يسير بشكل سريع للغاية.

وأضافت يلين: "عادةً ما يصف الاقتصاديون حالات الركود بأنها خسائر كبيرة في الوظائف وتسريح جماعي للعمال، وإغلاق الأعمال، وتراجع أنشطة القطاع الخاص، وإضعاف واسع النطاق للاقتصاد، لكن التقرير الأخير يشير إلى انتقال الاقتصاد الأمريكي إلى نمو أكثر ثباتاً واستدامة".

وأضافت الصحيفة: "يبدو أن زيادات سعر الفائدة، التي أقرها بنك الاحتياطي الفيدرالي، منذ مارس الماضي، بدأت تهدئة الطلب في أجزاء معينة من الاقتصاد، إذ أشار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم إتش باول، الأربعاء الماضي، إلى عدد من البيانات بما في ذلك تباطؤ نمو الإنفاق الاستهلاكي، وضعف الطلب على الإسكان وانخفاض استثمارات الأعمال، كإشارات إلى أن جهود البنك المركزي تؤتي ثمارها، لكنه أضاف أن تهدئة الاقتصاد من دون تعريضه للانهيار أصبح أكثر صعوبة".

ومع ذلك، فإن معظم الاقتصاديين يتوقعون أن ينهي الاقتصاد الأمريكي العام الجاري بالنمو، وإن كان بوتيرة أبطأ بكثير من النمو البالغ 5.7% الذي حققه العام الماضي، فعلى سبيل المثال، تتوقع كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين في مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس ليديا بوسور أن يتباطأ النمو الاقتصادي إلى 1.9% هذا العام و1.1% عام 2023.

 وقالت بوسور: "نتوقع أن يتباطأ الاقتصاد بشكل حاد للغاية، لكن السؤال: ماذا يحدث في النصف الثاني من العام؟ وأين سيكون الاقتصاد نتيجة لذلك؟".

وأظهر تقرير الناتج المحلي الإجمالي أن الأمريكيين ينفقون بشكل أقل على شراء السلع، خاصة على الطعام والمشروبات واللوازم المنزلية، ومع ذلك، ارتفع معدل إنفاقهم على الخدمات، مثل السفر وتناول الطعام بالخارج، في الربع الثاني من هذا العام، حسب الصحيفة.

وذكرت "واشنطن بوست" أن الشركات والأسر، التي تكافح بالفعل للتعامل مع الأسعار المرتفعة، تقول إن حالة عدم اليقين الاقتصادي التي تلوح في الأفق جعلت من الصعب عليهم وضع خطط طويلة الأجل، إذ تؤجل بعض العائلات عمليات الشراء باهظة الثمن، بينما يقول أصحاب العمل إنهم يعيدون التفكير في خطط التوظيف، ويستعدون لتراجع أكبر في الإنفاق.

من جانبها، خفضت شركة وول مارت الأمريكية، هذا الأسبوع، توقعاتها لأرباحها عام 2022، ما تسبب في انخفاض سعر أسهمها بنحو 9%، وفي الوقت نفسه، أعلنت شركة جنرال موتورز انخفاضًا بنسبة 40% في أرباحها ربع السنوية، وقالت إنها تخطط لوقف التوظيف، بينما ذهبت الشركات الأمريكية الرئيسة، بما في ذلك "فورد موتور" إلى أبعد من ذلك، حيث أعلنت تسريح مئات، بل آلاف العمال.

ولفتت الصحيفة إلى أنه رغم هذه الأرقام السلبية فإن سوق العمل لا يظهر إشارات التدهور مثل بقية عناصر الاقتصاد، كما أنه لا يشير إلى أن البلاد في حال ركود، رغم علامات التباطؤ الواضحة، إذ إن معدل البطالة لا يزال ثابتاً عند 3.6%، كما أن عوامل توفير فرص العمل ما زالت قوية، ما يشير إلى أن العمال لا يزالون يحتفظون بالنفوذ في سوق العمل.

وحذرت الصحيفة من أن فقدان الوظائف، أو مجرد الخوف الذي يلوح في الأفق، قد يؤدي إلى شد الأمريكيين الأحزمة بشكل أكبر، ما يؤدي إلى زيادة تباطؤ الاقتصاد.