الحياة في حرب المعلومات

دأب جونز على رسم  علاقات وهمية بين أعدائه، على غرار ما فعل رجال من أصحاب السمعة الجيدة، بالربط بين أسامة بن لادن وصدام حسين

الحياة في حرب المعلومات

ترجمات - السياق 

في الفيلم الوثائقي الجديد "حرب أليكس"، يتابع المشاهدون أليكس جونز بدءًا من طفولته المضطربة في دالاس، ثم انطلاقه عبر شاشات التلفاز المتاحة للجمهور، وصولًا إلى العار الذي يطارده في الوقت الحالي.

لقد اشتهر أليكس جونز من خلال التفوه بأشياء خاطئة وتآمرية تتسم بجنون العظمة (بارانويا).

وبهذه الوسائل والمزيد غيرها، فإن أليكس جونز يسير في ركب  أكثر  الإعلاميين الأمريكيين احترامًا.

إن مزاعمه بشأن ساندي هوك تسببت في معاناة حقيقية على غرار ما فعلت تقارير "نيويورك تايمز" بشأن أسلحة الدمار الشامل.

لقد دأب جونز على رسم  علاقات وهمية بين أعدائه، على غرار ما فعل رجال من أصحاب "السمعة الجيدة"، بالربط بين أسامة بن لادن وصدام حسين.

علاوة على ذلك، تفوه جونز بأكاذيب لا تحصى بشأن هيلاري كلينتون، رغم أن تلك الأكاذيب ليست أكثر مما تفوه به صحفيو التيار الرئيسي بشأن دونالد ترامب.

لو  كان أليكس جونز هو الذي روَّج لـ "روسيا جيت" بدلًا من مؤامرة صغيرة النطاق، ربما كان قد فاز بجائزة بوليتزر.

لو كان جونز كذلك ردد الأكاذيب بالنيابة عن النخبة، بدلًا من التفوه بأشياء صحيحة وخاطئة على حسابهم، ربما كان محررًا لمجلة أتلانتك.

 ولو كان جونز تظاهر بالجدية، بدلًا من دور المهرج، ربما كان الآن ينشر "البارانويا" على شبكة "إم إس إن بي سي".

ولأن الأمر على ما هو عليه، فإن جونز محظور من كل المنصات ويواجه ازدراءً واسع النطاق، وبات مدانًا من أشخاص ليس لديهم الحق في الحكم عليه.

 "حرب أليكس"، ذلك الفيلم الوثائقي الجديد، الذي أخرجته أليكس لي موير، يظهر أن أليكس جونز لديه الكثير ليعتذر عنه. بيد أن هذا العمل يكشف أيضًا أنه أبعد ما يكون عن كونه المذنب الفريد.

 فيلم موير السابق TFW No GF يتبنى نظرة غير متحيزة للشباب الساخط الذي يطلق عليهم أحيانا "الإنسيلز". وتنظر  المخرجة  إلى قضية أليكس جونز بالعين المتعاطفة نفسها التي تتسم بـالمفارقة الساخرة.

ومن خلال المقابلات واللقطات الأرشيفية، تتبع المخرجة جونز من طفولته المضطربة في دالاس إلى انطلاقه في عالم التلفاز المتاح جماهيريًا وصولًا إلى الخزي الذي يلاحقه الآن.

إنها قصة أمريكية قح. ورغم أنه يوصف أحيانًا، إلى جانب أعضاء آخرين من اليمين الأمريكي، كمروِّج للفاشية أو بعض الأيديولوجيات الأخرى، فإن جونز  يعكس سلالة أمريكية من عدم الثقة بالنخب.

هذا الارتياب يمثل غريزة أكثر عمقًا من الأفكار المبتذلة (البروميدات) الضحلة للأيديولوجيين المتحررين. إن جذوره تعود إلى تيارات متشابهة من العاطفة، التي شكلت الشعبوية الدينية الأمريكي بدءًا من "الصحوة الكبرى الثانية" وصولًا إلى "إحياء شارع أزوسا". إنه يجمع التعبير المتقد وإرضاء الجماهير مع الازدراء المستمر لرجال الدين.

ترعرع جونز في دالاس بالقرب من وعاظ التلفزيون، كان مفتونًا بنفاقهم. وقال للمخرجة موير: "لقد كانوا يعيشون في منازل كبيرة تطل مباشرة على البحيرة. كنت تراهم في الشرفة الخلفية يحتسون التكيلا ويتعاطون الكوكايين على أثداء العاهرات".

وأثناء ندوة بمناسبة افتتاح الفيلم في أوستن، قال جلين جرينوالد إن جونز كان شبيهًا بهذه الشخصيات المقدسة. واتفق جونز مع ذلك قائلا: "أنا واعظ، أنا الواعظ المجنون".

ثمة تأثير مهم آخر يتعلق بجونز  يتمثل في كتاب بعنوان  "لا يجرؤ أحد على تسميتها مؤامرة" للكاتب جاري ألين عام 1971.

 ألين، العضو البارز بـ "جمعية جون بيرش" ذكر أن النواحي المالية والسياسات كانت تحت سيطرة مجموعة شديدة الارتباط من "المطلعين" الذين أحدثت أعمالهم السرية تأثيرات واسعة النطاق... "في السياسة، لا شيء يحدث صدفة. عندما يحدث، تستطيع أن تراهن أنه تم التخطيط له على هذا النحو".

 وبصرف النظر عن تأثير الكتاب في أليكس جونز، ثمة ملاحظة مفادها أن ألين هو والد مايكل ألين مؤلف نشرة أخبار "بلايبوك" بمجلة بوليتيكو فترات طويلة والمؤسس المشارك لموقع "أكسيوس".

وعلى غرار والده، فإن عمل ألين يفترض أهمية المطلعين السياسيين ويستغل الاهتمام بهم. علاوة على ذلك، وفقًا لكلمات "نيويورك تايمز"، فإنه يسعى ليكون "الأول بهذا القدر الضئيل من المعلومات، سواء أثبت هذا المقدار الصغير مدى صلته بالأمر أم حتى صحته على المدى الطويل".

إن هذا الفضول المتعلق بالسيرة الذاتية يؤكد التشابه العائلي بين "التضليل المعلوماتي" و"التقرير الذي يتحلى ظاهريًا بالمسؤولية". لو كان إبعاد جونز من مراكز القوى النخبوية قاده إلى استنتاجات خاطئة ومبالغ فيها، فإن الكثير من ذلك يحدث للصحفيين أصحاب الترابط الجيد، الذين يرددون ماذا ينبغي أن تتفوه به مؤسسة تحكمها المصالح الذاتية.

القليل جدًا من الأدباء مستعدون للمخاطرة، خوفًا من النظر إليهم كمتعاطفين مع شخصيات صممت مؤسستنا على تدميرهم.

ويمنح  هذا الأمر قيمة للفيلم. إن وثائقي موير ليس سيرة ذاتية عن قديس، بيد أن رفض المخرجة الانضمام إلى جوقة الإدانة ضد جونز جعلها قادرة على عمل فيلم يجمع بين الذكاء والبراعة. إن المذاق نفسه يتضح  في الاتجاه الذي يؤدي إلى النتيجة، حيث الجمع بشكل غير متوقع بين فاجنر وريميكس لثرثرة هيلاري على خلفية وفاة معمر القذافي وموسيقى من أريال بينك.

تبدأ موير فيلمها بلقطات لتجمع لمحتجين موالين لترامب في واشنطن. ويتضمن الفيلم عودة متكررة للأدوار التي لعبها جونز في الترويج للاحتجاجات الانتخابية في السادس من مايو.

وعلى نحو مدهش ربما، يظهر الفيلم أنه في يوم الاحتجاج، كان جونز صوتًا للوسطية، ويمكن سماعه بصوت مرتفع وهو يحث الناس على السلام، ويطلب من الناس الامتثال للسلطات.

ربما يستحق جونز اللوم، لأنه من قاد الناس إلى العتبة ثم يطلب منهم بعد ذلك عدم التقدم من خلالها، بيد أنه كان يرى بوضوح كيف يستغلون ذلك لتبرير العقوبات القاسية.

وبعد أعوام من تصوير المؤسسة (النظام) باعتبارها ليست فقط خبيثة لكنها صاحبة قوة شاملة، اتضح  أنها أحيانًا أضعف مما تبدو.

وخلال مناقشة لأحداث 6 يناير، تحدث جونز عن شعوره بالدهشة من عدم وجود عدد كاف من الشرطة هناك للحفاظ على النظام، مضيفًا: "لقد توقعت فقط أن النظام سيكون قيد التفعيل لكن ذلك لم يحدث".

ماثيو شميت، مؤسس ومحرر مجلة "كومباكت" ومحرر مساهم في "أمريكان كونسرفاتيف".