سيناريوهات كارثية أمام الحرب في أوكرانيا

يقدر معظم الخبراء والإستراتيجيين أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل بوتين يتوقف عن استخدام سلاح نووي، بينها الخطر المحتمل للتساقط الإشعاعي الذي يعبر إلى روسيا، أو حقيقة أن استخدام سلاح نووي تكتيكي قد لا يكون في الواقع إستراتيجية منطقية.

سيناريوهات كارثية أمام الحرب في أوكرانيا

السياق

فيما لم تجد الحرب الأوكرانية شاطئًا هادئًا حتى الآن للرسو بعد، بات الطريق إلى المفاوضات مسدودًا، وسط تلويح روسي باستخدام السلاح النووي، وتحذير أمريكي من الوصول إلى هذه النقطة.

ومع تصاعد التوترات بين روسيا والغرب، فإنه لن يكون من الطبيعي أبدًا سماع رئيس يناقش خطر «هرمجدون» - خاصة الآن أمام الكاميرا، إلا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن استخدم مقابلة حصرية مع شبكة «سي إن إن» يوم الثلاثاء، لإرسال رسالة أخرى حذرة وواضحة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول العواقب الوخيمة لاستخدام الأسلحة النووية في الحرب في أوكرانيا.

وتقول شبكة «سي إن إن»، في تحليل، إن بايدن أول رئيس منذ الثمانينيات من القرن الماضي يضطر حقًا إلى التلاعب بالحسابات المتعلقة بالترسانات النووية والردع. وسُئل بايدن من قبل جيك تابر عما إذا كان يعتقد أن بوتين- الذي حذره من استعداده لاستخدام كل خيار في ترسانة روسيا- قد يفكر في تفجير أحد هذه الخيارات والتي تعد أبشع أسلحة العالم كعمل يائس في حرب خاسرة.

 

عواقب خطيرة

إلا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي قال: «لا أعتقد أنه سيفعل»، تحدث مع جيك تابر خلال مقابلة في غرفة الخريطة بالبيت الأبيض في العاصمة الأمريكية واشنطن، قائلا: إن بوتين «أخطأ تمامًا في الحسابات بغزو أوكرانيا لكنه لاعب عقلاني».

لكن الرئيس الذي تطرق لأول مرة إلى هذا الموضوع في حملة لجمع التبرعات خارج الكاميرا في نيويورك الأسبوع الماضي، قال بوضوح إنه كان يرسل رسالة عامة إلى بوتين حول مخاطر التفكير في أن استخدام قنبلة نووية تكتيكية ذات إنتاجية أقل سيكون بمثابة حدث منعزل.

«ما أتحدث عنه، أنا أتحدث إلى بوتين» قال بايدن قبل أن يحذر من عواقب خطيرة لمثل هذه الخطوة، مشيرًا إلى أنه في الواقع لا يمكنه الاستمرار مع الإفلات من العقاب في الحديث عن استخدام سلاح نووي تكتيكي كما لو كان ذلك أمرًا عقلانيًا.

وقال الرئيس الأمريكي: «الأخطاء تقع، وسوء التقدير يمكن أن يحدث، ولا يمكن لأحد أن يكون متأكدًا مما سيحدث ويمكن أن ينتهي في هرمجدون»، مشددًا على أن الانفجار النووي الذي يقتل الآلاف من الناس يمكن أن يؤدي إلى أحداث تخرج عن نطاق السيطرة.

 

خطر التصعيد

ويصرح بايدن بخوف بعض الإستراتيجيين الذين يحذرون من سلم تصعيد يمكن أن يحدث إذا تم استخدام قنبلة نووية وتسبب في أعمال انتقامية من قبل الغرب، على الرغم من أن أي رد أمريكي أولي لن يذهب إلى أبعد من العمل العسكري التقليدي.

وبحسب تحليل «سي إن إن»، فإنه يبدو أنه يحاول إنشاء سرد للردع حول الوضع المحدد في أوكرانيا، مشيرًا إلى أن منطق الترسانات النووية الإستراتيجية بعيدة المدى للولايات المتحدة وروسيا مرفوض لأن الصراع سيكون بمثابة انتحار لكلا الجانبين.

وتقول الشبكة الأمريكية، إن هذه المعادلة غير موجودة في أوكرانيا، لأن الدولة لا تملك ترسانة نووية ومن الصعب استنتاج أنها تمثل مصلحة وطنية حيوية من شأنها أن تدفع واشنطن إلى الرد بالمثل على تحول بوتين إلى برنامج نووي».

ومن خلال التأكيد على أنه حتى الجهاز التكتيكي- الذي يمكن أن يكون صغيرًا بما يكفي لتدمير قاعدة جوية أو كبيرًا بما يكفي لتحويل مدينة إلى أنقاض- يمكن أن يؤدي إلى شيء أسوأ، يبدو أن بايدن يسعى تقريبًا إلى إنشاء سلسلة جديدة من الحسابات في ذهن بوتين، بحسب «سي إن إن».

وأعادت مقابلة تابر مع الرئيس الأمريكي، إلى الأذهان العبء الذي يتحمله الآن الرجل الذي يتبعه في كل مكان يذهب إليه ضابط عسكري يحمل الرموز النووية الأمريكية.

وردًا على سؤال من مذيع شبكة سي إن إن حول الخط الأحمر الأمريكي للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا وماذا ستفعل واشنطن إذا قصف بوتين محطة نووية في أوكرانيا أو أطلق سلاحًا نوويًا تكتيكيًا، قال بايدن: «سيكون تصرفًا غير مسؤول بالنسبة لي أن أتحدث عما سنفعله أو لا نفعله».

وبعد ذلك، حثّ تابر الرئيس بشأن ما إذا كان البنتاغون قد وضع السيناريوهات، فأجاب بايدن: «لم يكن من الضروري أن يُسأل البنتاغون».

 

أسباب قد تدفع بوتين للتوقف

ويقدر معظم الخبراء والإستراتيجيين أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل بوتين يتوقف عن استخدام سلاح نووي، بينها الخطر المحتمل للتساقط الإشعاعي الذي يعبر إلى روسيا، أو حقيقة أن استخدام سلاح نووي تكتيكي قد لا يكون في الواقع إستراتيجية منطقية.

لكن حقيقة أنه وضع نفسه في الزاوية، تشير إلى أنه من غير المرجح أن يكون الدافع الإنساني جزءًا من حساباته، فبايدن نفسه قال في المقابلة إنه بينما يعتقد أن بوتين كان «فاعلًا عقلانيًا، إلا أنه ارتكب أخطاء كبيرة في الحسابات وأن أهدافه لم تكن عقلانية»، مما يترك الباب مفتوحًا أمام إمكانية اتخاذ المزيد من القرارات التي تبدو غير عقلانية للغرب ولكنَّها قد تبدو معقولة في منطق بوتين «المشوه».

وتقول «سي إن إن»، إنَّ هذا هو السبب في أن بايدن والخبراء الذين كرسوا حياتهم المهنية لتجنب حدوث كارثة نووية يقولون إن احتمال تحول بوتين إلى عالم نووي يجب أن يؤخذ على محمل الجد- حتى لو ظلت الفرص منخفضة للغاية، مشيرة إلى أنه من المرجح أن تكون الولايات المتحدة قادرةً على اكتشاف ذلك قبل هذا الوقت بكثير.

«إنه ليس حدثًا محتملًا»، قال جوزيف سيرينسيون خبير حظر انتشار الأسلحة النووية والرئيس السابق لصندوق بلاوشيرز، «إن هذا ليس من المحتمل حتى»، في إشارة إلى استخدام بوتين السلاح النووي.

لكن هذا حدث ذو احتمالية منخفضة وعواقب عالية، بحسب «سي إن إن»، التي قالت إنه إذا كان يستخدم حتى سلاحًا نوويًا واحدًا، فإنه يقودنا إلى عالم جديد تمامًا، يتسبب فيه بأضرار جسيمة، وهو يخاطر بالتصعيد مع الغرب التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الردود.

وأوضح سيرينسيون أنه «حتى لو كانت قعقعة السيوف التي أطلقها بوتين تمثل تهديدًا سياسيًا يهدف إلى تخويف الغرب، فلا يمكن استبعاده»، مضيفًا أنَّ الرئيس الروسي «لديه الوسائل. لديه العقيدة التي تسمح له باستخدامها. ولديه الدافع. إنه يخسر هذه الحرب. عليه أن يفعل شيئًا لمحاولة قلب دفة المعركة. في حالة يأس قد يلجأ إلى سلاح نووي».

بينما انتقد بعض النقاد الرئيس الأمريكي لأنه ذكر كلمات مثل «هرمجدون» ومقارنته خطاب بوتين، فإن دوافع الرجلين مختلفة تمامًا. على الأقل، ففيما يتباهى الزعيم الروسي بالأسلحة النووية لإخافة العالم، يتحدث بايدن علنًا لتجنب احتمال وقوع كارثة، بحسب «سي إن إن».

 

أحد أسباب الخطورة

أحد أسباب خطورة الحرب في أوكرانيا هو أنه بعد مرور ثمانية أشهر تقريبًا، لا يوجد أي احتمال لأي عملية دبلوماسية حقيقية يمكن أن تنزع فتيلها، بحسب «سي إن إن»، التي قالت إن القوات الأوكرانية تحرز باستخدام أنظمة الأسلحة الأمريكية والحلفاء، تقدمًا ملحوظًا في ساحة المعركة وهي مصممة على صد العملية العسكرية الروسية التي تسببت في «مذابح ودمار» واسعي النطاق.

وتقول «سي إن إن»، إن بوتين ألقى الكثير من الهيبة الشخصية و«الدم» الروسي في الحرب، لدرجة أنه بالكاد يستطيع تحمل أي نتيجة، لا تؤدي إلى انتصار، على الرغم من قبضته الاستبدادية على روسيا.

 

سيناريو خطير

من جانبه، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون، إن الولايات المتحدة قد «تغتال» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذا لجأ لاستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا.

وفيما حذر بولتون، من أن استخدام بوتين الأسلحة النووية بمثابة «توقيع على مذكرة انتحاره»، أكد أن هذا التهديد «ما قد يتطلبه الأمر لردعه، إذا وقع تحت ضغط ظروف قاسية».

وأضاف: «أعتقد أنه في أي وقت نفكر فيه في استخدام محتمل للأسلحة النووية، فإنه يتعين علينا أن نحمل الأمر على محمل الجد، ولكنني أعتقد أيضًا أنه يتعين علينا أن نكون واضحين للغاية بهذا الخصوص».

وشدد المسؤول الأمريكي السابق على أنه «لا يمكن أن نسمح باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا أو أي مكان آخر من إرهابيين مثل إيران وكوريا الشمالية، ولا من روسيا أو الصين، بدون أن نحمل الشخص الذي اتخذ القرار كامل المسؤولية»، مؤكدًا أن هناك مقترحات كثيرة لتدمير القوات الروسية داخل أوكرانيا وأسطول البحر الأسود وغيرها.