ما يحدث في كابل لن يبقى في كابل

دبلوماسي باكستاني يعدِّد أخطاء أمريكا في أفغانستان ويعرض حلولًا لعودة أمريكا العظمى

ما يحدث في كابل لن يبقى في كابل

ترجمات - السياق

انتقد سفير باكستان السابق في أمريكا، حسين حقاني، الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، مؤكدًا أن الكارثة في كابل قوَّضت مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى، سواء اعترف الرئيس جو بايدن بذلك أم لا.

وقال حقاني، في مقال نشرته صحيفة ذا هيل الأمريكية، إن مصداقية أمريكا كحليف تآكلت، بسبب الطريقة التي حدث بها التخلي عن الحكومة الأفغانية خلال محادثات الدوحة، مشيرًا إلى أن الخوف من الولايات المتحدة تضاءل –كذلك- بين أعدائها.

وأشار الدبلوماسي الباكستاني، إلى أنه إذا تعرَّضت السفارة الأمريكية في كابل، للهجوم، فقد ينتهي الأمر ببايدن في عامه الأول، بالبحث كثيرًا مثلما فعل جيمي كارتر في سنته الأخيرة كرئيس.

طالبان الآن وقبل 20 عامًا

وقارن حقاني في مقاله، بين ظروف مغادرة طالبان كابل عام 2001 وسيطرتها عليها عام 2021، قائلا، إن طالبان استولت على كابل، من دون الكثير من القتال، تمامًا كما فعلت عام 1996، حينما غادرت المدينة في ظِل ظروف مماثلة عام 2001، عندما تحدَّت القوات المدعومة من الولايات المتحدة حُكمها الوحشي، في أعقاب 11 سبتمبر، مشيرًا إلى أن الميليشيات تجيد الذوبان في أفغانستان، عندما يرون أن جانبهم يخسر.

إلا أنه أكد أن هناك فرقًا كبيرًا بين 2001 و2021، فما يحدث في كابل لن يبقى في كابل، مؤكدًا أن «المتطرفين، المسلَّحين بالرواية القوية المتمثِّلة في طرد قوتين عظميين من خلال الجهاد، سيتحدَّون النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، في معظم أنحاء العالم الإسلامي، من المغرب إلى إندونيسيا».

ورغم أن الولايات المتحدة، أكثر استعدادًا للتعامل مع الإرهاب، مما كانت عليه في 11 سبتمبر، فإنه يجب توقُّع عودة الإرهاب الجهادي العالمي، بحسب حسين حقاني، الذي قال إن الرئيسين ترامب وبايدن، ارتكبا خطأ رسم السياسة الخارجية، على أساس ملصق ممتص الصدمات، يعتمد على مبدأ «لا حروب للأبد».

وكشف الدبلوماسي الباكستاني، أن إدارتي ترامب وبايدن، انخرطتا في محادثات مع طالبان، متجاهلة التحذيرات من أن نظرة طالبان للعالم، لا تتوافق مع المصالحة.

وأشار إلى أنه رغم أن دوافع الرئيسين الأمريكيين السابق والحالي، السياسية الداخلية مفهومة، فإن الانسحاب يجب ألا يكون فوضويًا كما حدث، فلم تكن هناك حاجة لتجاوز الحكومة الأفغانية في المفاوضات، ما أدى إلى تآكل الروح المعنوية لقواتها، أو الانسحاب المفاجئ للمقاولين الأمريكيين، الذين ساعدوا في استمرار تحليق القوات الجوية الأفغانية.

 

فهم ضعيف

وأكد الدبلوماسي الباكستاني، أنه نتيجة لهذه السياسة، اضطرت الولايات المتحدة، إلى إرسال مشاة البحرية إلى كابل، لتأمين إجلاء الأمريكيين، ما يدل على عدم جدوى المفاوضات مع طالبان، التي تعكس فهمًا للعدو ووصفه بـ«الضعيف».

يقول حسين حقاني إن «الخروج من الحروب يستلزم الذكاء والتخطيط، بقدر ما هو مطلوب للدخول فيها»، مشيرًا إلى أنه مع وجود عدو عنيد مثل طالبان، ينبغي ألا تسبق الانسحاب العسكري تسوية سياسية، ولم يكن ينبغي سحب دعم حلفاء أمريكا الأفغان، من دون وقف إطلاق النار.

وأكد أن مسيرة طالبان المنتصرة إلى كابل، أسوأ من سقوط سايغون، فالفيتكونغ والفيتناميون الشماليون، انتظروا عامين بعد رحيل القوات الأمريكية، قبل احتلال عاصمة فيتنام الجنوبية، إضافة إلى أن مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر نجح في التفاوض بشأن ما سماها «فترة زمنية مناسبة» بين الانسحاب الأمريكي وانهيار فيتنام الجنوبية.

 

استعداد للحرب

إلا أن ذلك لم يحدث في أفغانستان، فحركة طالبان لم تمنح المفاوضين الأمريكيين الحاليين تلك المجاملة، مشيرًا إلى أنه بالنظر إلى حجم هجومها العسكري، من الواضح أن طالبان كانت تستعد للحرب، بينما تتظاهر بمناقشة السلام في الدوحة.

وقال حقاني، الذي يشغل منصب مدير منطقة جنوب ووسط آسيا في معهد هدسون، إن الحلقة برمتها تمهد الطريق لتقليص النفوذ الدبلوماسي الأمريكي، مشيرًا إلى أنه تم اختزال الدبلوماسيين الأمريكيين إلى حث طالبان، عبر "تويتر"، على الحد من العنف.

وأشار إلى أنه يمكن خداع مبعوثي الدولة الأقوى على وجه الأرض، وتجاهل قادتها بسهولة، ما يشجع الآخرين على الانخراط في دبلوماسية مزدوجة مماثلة، مؤكدًا أن الدبلوماسية، التي لا يدعمها الاستخدام المحتمل للقوة، كالتزحلق على الجليد.

 

الشرعية الدولية

حركة طالبان لم تهتم بالشرعية الدولية، بقدر ما اعتقد فريق بايدن أنهم فعلوا ذلك، بحسب حقاني، الذي قال إنه بعد مناورة الانسحاب العسكري الأمريكي، ليس لدى الصين وروسيا وباكستان، سبب وجيه للوفاء بوعدهم، بعدم الاعتراف بنظام طالبان، الذي تم تأسيسه بالقوة، ومن المحتمل أن يستشهدوا بعدم وجود معركة في سقوط كابل، كمبرر للاعتراف، ما يوجه ضربة دبلوماسية أخرى للولايات المتحدة.

وأكد الدبلوماسي الباكستاني، أنه يتعين على الحلفاء الأمريكيين، أن يقلقوا من أن الولايات المتحدة، يمكن أن تتخلى عنهم، في غضون مهلة قصيرة لأسباب سياسية محلية، وهي ليست سُمعة طيبة يجب أن يتحلى بها الأمريكيون، أثناء الاستعداد لمنافسة الصين.

 

اللعبة الأفغانية

وعلى القدر نفسه من الأهمية، يأتي تأثير نهاية اللعبة الأفغانية في الأعداء الأمريكيين، فالإدارات الأمريكية المتعاقبة، اتهمت باستمرار باكستان بإيواء قادة طالبان، وتسهيل شؤونهم المالية، وتقديم العلاج في المستشفيات لمصابيهم، والسماح لهم بالتسلح والتدريب والعمل عبر الحدود، إلا أن باكستان نفت هذه الادعاءات.

فإذا كانت التهم الأمريكية، لا أساس لها من الصحة، فإن أمريكا تفقد المصداقية، بحسب الدبلوماسي الباكستاني، الذي قال إنه إذا اقتنعت الولايات المتحدة بدور باكستان في أفغانستان، لكنها فشلت في إحداث أي عواقب، فقد شكلت سابقة سيئة.

ونتيجة لهذه التداعيات، يمكن للدول الأخرى المتوسطة الحجم، التي تبدو صديقة للولايات المتحدة، أن تقوِّض السياسة الأمريكية، من دون خوف من دفع الثمن، ما يقلل من مكانة أمريكا، كقوة عالمية يجب على الآخرين احترامها أو الخوف منها.

ويقول حقاني: بعد أن فشلت في إدارة خروجها من أفغانستان بشكل جيد، يجب على الولايات المتحدة، التركيز على عواقب الدرجة الثانية من نهايتها الكارثية، وأن تحذر عودة الإرهاب، مطالبًا إياها بطمأنة الحلفاء المحبطين، وإيجاد طريقة لاستعادة المصداقية كقوة عظمى.