نيويورك تايمز: خطوة أوبك تُظهر حدود دبلوماسية بايدن المتعثرة مع السعوديين
نيويورك تايمز: بعد قرار أوبك.. بايدن قليل الحيلة

ترجمات - السياق
رأت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أنَّ اتفاق أعضاء أوبك+، في ختام اجتماعهم الأربعاء الماضي، على خفض الإنتاج بواقع مليوني برميل يوميًا في نوفمبر، أظهر حدود دبلوماسية إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المتعثرة مع السعوديين.
وأشارت إلى أن قرار أوبك للحد من إنتاج النفط كان إشارة إلى أن تأثير إدارة بايدن على حلفائه الخليجيين "أقل بكثير مما كان يأمل".
وأوضحت أن "تحرك أوبك لخفض إنتاج النفط" بشكل حاد، يقوض جهود بايدن لتجنب زيادة أسعار الغاز قبل انتخابات التجديد النصفي، بينما يبطئ مساعيه لتقييد عائدات النفط التي تستخدمها روسيا لدفع ثمن حربها في أوكرانيا، كما أنَّه يفضح فشل دبلوماسيته المتعثرة خلال الصيف مع ولي عهد المملكة العربية السعودية.
تحديات
ورأت نيويورك تايمز، أنَّ الخطوة التي اتخذتها أوبك ومنتجو النفط المتحالفين، تسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في إدارة سياستها الخارجية والاقتصادية في الوقت الذي يتعرَّض فيه الاقتصاد العالمي لخطر الركود، وأصبحت سياسات الطاقة مكونًا أساسيًا في الصراع بأوكرانيا.
وحسب الصحيفة، جاء القرار خلال اجتماع في مقر أوبك في فيينا، والذي حضره نائب رئيس الوزراء الروسي، الخاضع للعقوبات الأمريكية، وجاء بعد جهود دبلوماسية مُركزة من قِبل واشنطن لكنها فشلت في النهاية، لوقف خفض إنتاج النفط، في إشارة إلى أن نفوذ بايدن على حلفائه في الخليج أقل بكثير عما كان يأمل.
ويثبت القرار من جديد -حسب الصحيفة- أنَّ النفط رغم محاولات التخلي عنه لا يزال أداة قوية في يد أعضاء أوبك.
فقد شهد اجتماع كارتل النفط بقيادة المملكة العربية السعودية وروسيا، مناقشة سلسلة من القضايا التي تؤثر على كل شيء من القضايا الأجنبية والاقتصادية التي تطال كلَّ شيء من السياسة المحلية في الولايات المتحدة إلى الحرب في أوكرانيا.
وأمام ذلك، حاول البيت الأبيض -على مدى عدة أيام- منع تخفيض معدلات الإنتاج بمليوني برميل في اليوم، ودعا بعض أقرب حلفائه العرب لمساعدته في ذلك، حيث زار بايدن المملكة في يوليو، والتقى ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان رغم اعتراضات منظمات حقوق الإنسان وحتى بعض مستشاريه، أملًا في الحصول على موافقة من الرياض لمنع خفض إنتاج النفط.
ويقول مسؤولون أمريكيون للصحيفة: إن بايدن قرر المخاطرة ومعالجة سلسلة من الاهتمامات المتعلقة بالأمن القومي الأمريكي، وأهمها زيادة معدلات إنتاج النفط، حتى لو كان ذلك يعني تحمل النقد بعد مقابلته ولي العهد السعودي، خصوصًا بعد أن سبق ووعد أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة بجعل السعودية "دولة منبوذة".
وأشارت الصحيفة إلى أن التفاهم الظاهر من زيارة بايدن للرياض، كان الاتفاق على زيادة السعودية الإنتاج بمعدل 750 ألف برميل في اليوم، فيما ستزيد الإمارات الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يوميًا، بشكل يؤدي لخفض أسعار الغاز والنفط، وتعقيد وضع بوتين لتمويل الحرب في أوكرانيا والتي سقط فيها ضحايا أكثر مما توقع بايدن.
إلا أن الزيادة في الإنتاج -حسب الصحيفة الأمريكية- كانت عابرة، ففي الوقت الذي زادت فيه السعودية معدلات الإنتاج في يوليو وأغسطس، إلا أنها تراجعت عن وعدها للحفاظ على معدلات الإنتاج لبقية عام 2022.
وأمام ذلك، خشي القادة السعوديون وبقية أعضاء أوبك من منظور الركود العالمي الذي سيخفض أسعار النفط من 120 دولارًا للبرميل في الصيف إلى 80 دولارًا، وأقلّ من المستوى الذي تحتاجه الرياض لتجنب العجز في ميزانيتها، ولهذا قرَّر السعوديون التحرك.
خفض وهمي
وحسب تقدير الخبراء -الذين تحدثوا لـ نيويورك تايمز- فإنّ قرار الأربعاء سيؤدي لتخفيض الإنتاج اليومي العالمي بنسبة 2%، إلا أنَّ الأثر على الأسعار سيكون عظيمًا، وبزيادة ما بين 15- 30 سنتًا للغالون في محطات الوقود.
أما بالنسبة لبايدن -حسب الصحيفة- حيث لا تبتعد الانتخابات النصفية عنه سوى شهر، فإنَّ الأوضاع لن تكون أسوأ من ذلك.
لكن بعيدًا عن التضخم والآثار السياسية، فإن تخفيض معدلات إنتاج النفط يحطم أي فكرة عن تبني الحلفاء العرب فكرة الغرب التي تدور حول ضرورة أن تدفع روسيا الثمن.
وأشارت الصحيفة إلى أنه مما ساعد روسيا في هذا الأمر، وجود إيران كعضوة في أوبك، والتي تعد إحدى الدول القريبة من موسكو، حيث باعت لها طائرات مُسيرة لدعم حربها في أوكرانيا.
وأوضحت أن من بين الحاضرين لاجتماعات أوبك، كان نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات لدعمه الحرب في أوكرانيا.
ويلعب نوفاك دورًا مهمًا في التعاون مع الدول الأخرى المنتجة للنفط، ويحاول البحث عن طرق لمنع محاولات الولايات المتحدة وأوروبا تحديد سعر للنفط الروسي.
وترى الصحيفة الأمريكية، أن خطوات الحد من معدلات تصدير النفط الروسي تواجه مخاطر، مشيرة إلى أن قرار "أوبك+" يمنح روسيا فرصة لحصد ثمار أسعار النفط العالية وتعويض التخفيضات التي أُجبرت على منحها للصين وغيرها، مقابل استعدادها لغضّ النظر عن جهود عزل هذا البلد.
ولكن في الجوهر -حسب الصحيفة- فإنّ عملية خفض الإنتاج تعدّ بمثابة زيادة لموارد روسيا النفطية وغيرها من الدول الأعضاء في أوبك بما فيها إيران.
وفي بيان لمستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، وبريان ديز، الذي يترأس المجلس القومي الاقتصادي في البيت الأبيض، قالا فيه إن بايدن يشعر "بخيبة الأمل من القرار ضيِّق النظر من أوبك+ لتخفيض إنتاج النفط، في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي الأثر السلبي لغزو بوتين أوكرانيا"، وأوضحا أن بايدن "سيشاور الكونغرس للبحث عن أدوات إضافية وسلطات لخفض سيطرة أوبك على أسعار الطاقة".
الموقف السعودي
وفيما يخص الموقف السعودي، بيَّنت نيويورك تايمز، أن السعوديين لم يعتذروا أو يتراجعوا عن قرارهم حتى الآن، وقال الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير النفط السعودي: "نفضل الاستباق بدلًا من الندم"، ولم يقل شيئًا عن الاتفاق مع واشنطن في يوليو.
في المقابل، كان مدى الغضب والدهشة في البيت الأبيض واضحًا، ففي يوم الثلاثاء، قالت المتحدثة الإعلامية كارين جين بيير للصحفيين: "لا نفكر بضخ المزيد من الاحتياطات الإستراتيجية للولايات المتحدة أكثر مما فعله بايدن سابقًا".
ولكن في صباح الأربعاء وبعد 24 ساعة فقط من هذه التصريحات، صدر بيان من البيت الأبيض جاء فيه أن بايدن سيواصل توجيهاته بالإفراج عن احتياطي النفط الإستراتيجي بطريقة مناسبة ولحماية الأمريكيين ودعم أمن الطاقة.
وقالت جين بيير: "من الواضح أنَّ أوبك + تصطف مع روسيا بإعلان تخفيض الإنتاج".
وأمام ذلك، نقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين، قولهم: إنه في وقت حققت الولايات المتحدة والسعودية تقدمًا في وقف الحرب باليمن، فإن قرار الوقوف مع روسيا في سياسة النفط، يمثل خطوة أخرى في التباعد الإستراتيجي بين البلدين.
ورأت الصحيفة، أنه "لو كان هناك درس من التجربة المُرة لبايدن، فهو أن الوقت الذي كان يطلب فيه رؤساء الولايات المتحدة امتيازات خاصة من السعوديين قد ولّى بلا رجعة".
وخلصت الصحيفة الأمريكية تقريرها بالتأكيد على أن قرار الأربعاء يكشف أن السعودية لا تعتقد بوجود منفعة لمواصلة تقديم امتيازات لإدارة بايدن.
فيما وصفت سيزينيا بيانكو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، القرار بأنه "ضربة مباشرة لبايدن، وأنه قرار سياسي بحت، ولا علاقة له بالمال".
وبينت الصحيفة، أن السعوديين شعروا بخيبة أمل مما تلقوه من الولايات المتحدة بعد زيارة بايدن للمملكة، ولهذا شعروا أن التراجع يعطي منطقًا سياسيًا كلما وجدوا لذلك سبيلًا.