لهذه الأسباب.. دفاع الولايات المتحدة عن السعودية ضروري لأمن واشنطن

المعركة المستمرة منذ فبراير الماضي، لم يتم خوضها فقط على الأراضي الأوكرانية، وإنما أيضًا في الموانئ وخطوط الأنابيب التي تربط النفط والغاز الروسي بالأسواق العالمية.

لهذه الأسباب.. دفاع الولايات المتحدة عن السعودية ضروري لأمن واشنطن

ترجمات - السياق

في ظل الخلاف الأخير بين المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية خفض الرياض لإنتاجية النفط، وهو القرار الذي أدى لارتفاع جديد في سوق الطاقة، رأى ديفيد فيكلينغ، كاتب عمود في شبكة بلومبرغ الأمريكية، أن دفاع واشنطن عن السعودية ضرورة أساسية ضمن سياستها للحفاظ على قوتها العالمية، وليست مجرد مسؤولية دولية.

 وقال في تحليل نشرته الشبكة الأمريكية: إن وجود يد ترتكز على "حنفية" تدفقات الطاقة في العالم -في إشارة إلى السعودية- إنما هو لَبِنَة أساسية في بناء القوة العالمية للولايات المتحدة، مشددًا على أن "كلا من واشنطن والرياض يعرف ذلك".

وحسب الشبكة، فقد قررت "أوبك بلس"، الأسبوع الماضي خفض إنتاج النفط، قبل شهر واحد من انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، ما أدى لاقتراب سعر خام برنت من 100 دولار للبرميل، في وقت تتعثر فيه أوروبا تحت تأثير الحرب الاقتصادية مع أكبر مورد للطاقة (روسيا).

 وأشارت إلى أن القرار، الذي جاء بعد فترة وجيزة من توجه الرئيس جو بايدن إلى الرياض طمعًا في إنتاج نفطي أعلى، أثار حنق البعض في واشنطن، لدرجة أنهم "شككوا في أهمية استمرار التحالف القائم منذ ثمانية عقود مع المملكة العربية السعودية".

 

مشكلة الثقة بين الطرفين

ووفق بلومبرغ، يتشاور البيت الأبيض والكونغرس بشأن أدوات وصلاحيات إضافية لتقليل سيطرة أوبك على أسعار الطاقة، في إشارة واضحة إلى مشروع قانون قدمه المشرعون من كلا الحزبين -الديمقراطي والجمهوري- عدة مرات في السنوات الأخيرة، تحت مسمى (نوبك) من شأنه إزالة الحماية القانونية من إجراءات تثبيت الأسعار ضد أعضاء أوبك.

كانت اللجنة القضائية التابعة للكونغرس الأمريكي قد مررت في مايو الماضي، مشروع قانون يعرف باسم "نوبك" ضد أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط أو ما يُعرف بـ"أوبك".

 واكتسب مشروع قانون "منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط" المعروف اختصارًا باسم نوبك أهمية بعد أن قررت أوبك+، التي تضم السعودية وروسيا، الأسبوع الماضي، خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا.

 وتعليقًا على هذه التطورات، دعا رئيس السلطة القضائية ديك دوربين (ديمقراطي عن ولاية إلينوي) -مرددًا نداءات من السيناتور الجمهوري في اللجنة العليا تشاك غراسلي من ولاية أيوا- الكونغرس لتمرير مشروع القانون قبل نهاية العام.

 وقال دوربين فى تغريدة له على تويتر: "حان الوقت لسياستنا الخارجية أن تتخيل عالمًا بدون هذا التحالف".

فيما قدم ثلاثة أعضاء في مجلس النواب الأمريكي، مشروع قانون يقضي بإزالة الأصول العسكرية الأمريكية المهمة المتمركزة في السعودية والإمارات.

 والنواب الثلاثة هم الديمقراطيون توم مالينوفسكي عن ولاية نيوجيرسي، وشون كاستن عن ولاية إلينوي، وسوزان وايلد عن ولاية بنسلفانيا.

 وقد وصف النواب خفض إنتاج أوبك+ بـ "نقطة تحول في علاقتنا" مع شركاء الخليج.

 وأوضح مالينوفسكي وكاستن ووايلد أن قرار الرياض وأبو ظبي بخفض إنتاج النفط "رغم مبادرات الرئيس بايدن لكلا البلدين في الأشهر الأخيرة، هو عمل عدائي ضد الولايات المتحدة وإشارة واضحة إلى اختيارهما الوقوف إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا"، وردًا على ذلك، دعا النواب الولايات المتحدة إلى "الاستمرار في التصرف كقوة عظمى في علاقتنا مع الدول الشريكة لنا في الخليج".

 وجاء في البيان "إذا كانت السعودية والإمارات تأملان في الحفاظ على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة التي طالما كانت مفيدة لهما، فيجب عليهما إبداء استعداد أكبر للعمل معنا، وليس ضدنا، في دفع ما هو الآن هدفنا الأمني القومي الأكثر إلحاحًا، ألا وهو هزيمة العدوان الروسي في أوكرانيا".

 وتعليقًا على ذلك، قالت بلومبرغ: "إذا كان مصدرو النفط في العالم يبدون صامدين في علاقاتهم مع واشنطن، فذلك لأنهم يدركون مدى أهمية الوضع الراهن بالنسبة للولايات المتحدة"، مشيرة إلى أن الأحداث في أوكرانيا تزيد من تعقيد الموقف.

 ويرجع ذلك -حسب الشبكة الأمريكية- إلى أن المعركة المستمرة منذ فبراير الماضي، لم يتم خوضها فقط على الأراضي الأوكرانية، وإنما أيضًا في الموانئ وخطوط الأنابيب التي تربط النفط والغاز الروسي بالأسواق العالمية.

 وأشارت إلى أن التدمير الأخير لخطوط الغاز "نورد ستريم" التي تحمل الوقود الروسي إلى أوروبا، ولجسر كيرتش الذي ينقل الديزل من روسيا إلى الجبهة الجنوبية لحرب أوكرانيا يؤكد هذا التصور، مشددة على أن "أقوى سلاح في الحرب الحديثة هو الطاقة، والتحكم في خطوط الإمداد التي تنقلها من مصادرها إلى المستهلكين".

الصين والهند

 

ورأت بلومبرغ، أنه في حالة سحب الولايات المتحدة لوجودها العسكري في المنطقة، -وهو أمر غير مرجح- ستتدخل دولة أخرى لحماية تجارة النفط الخام التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، والتي تمر عبر مياه ينتشر فيها القراصنة في غرب المحيط الهندي.

وأشارت إلى أن أكثر المرشحين قابلية لملء الفراغ الأمني الذي ستتركه الولايات المتحدة، ستكون إما الصين أو الهند.

فمن ناحية -حسب الشبكة الأمريكية- فإن ترك بكين مسؤولة عن حماية إمدادات الطاقة الخاصة بها أمر معقول، مشيرة إلى أن النصف الغربي للكرة الأرضية مكتفٍ ذاتيًا إلى حد كبير من حيث النفط الخام، فيما تتجه نحو 82٪ من صادرات النفط الخليجية شرقًا، بينما تذهب 3.7٪ فقط إلى الولايات المتحدة.

واعتبرت أن خروج الولايات المتحدة من المنطقة، يحرر الصين لتوجيه إنفاقها العسكري نحو مشاريع أخرى، مثل حشد القوات لتهديد تايوان.

ومع ذلك -وفقًا لبلومبرغ- فإنه من خلال ضمان إمدادات الصين من النفط، تتمتع واشنطن بهدوء بنفوذ هائل، مشيرة إلى أنه في حالة غزو تايوان، فإن القوة البحرية الأمريكية في الخليج والمحيط الهندي تمنحها خيارًا إستراتيجيًا على الطراز الروسي، باستخدام الحظر حول مضيق هرمز وسنغافورة لقطع ما يقرب من ثلاثة أرباع النفط الذي يغذي آلة الحرب في بكين.

وأوضحت، أنه رغم أن إنتاج النفط المحلي في الصين سيكون قادرًا على تلبية السوق المحلي، إلا أن الألم الذي قد يلحقه مثل هذا السيناريو بالاقتصاد، فضلًا عن خطر الاضطرابات الشعبية، سيرفع لا شك تكلفة الحرب على بكين بشكل كبير.

وعلى نفس المنوال -تضيف الشبكة- فإن السيطرة الصينية على خطوط الاتصال البحرية هذه ستكون رصيدًا إستراتيجيًا هائلًا لبكين، لافتة إلى أنه في ظل الافتقار إلى الاحتياطيات المحلية التي تجعل الصين سادس أكبر منتج للنفط في العالم والمحمية تحت مظلة (باكس أمريكانا) -أي السلام الأمريكي- في أعالي البحار، فإنّ حلفاء واشنطن في آسيا يعتمدون بشكل أكبر على النفط المستورد.

وترى بلومبرغ، أن الولايات المتحدة لا تريد أن تستغل الصين سلاح الطاقة للحصول على الهيمنة في شرق آسيا، كما أنها لا تريد أن ترى حلفاءها الآسيويين الذين غالبًا ما ينقسمون، يتخذون إجراءات لحماية إمدادات الطاقة الخاصة بهم في غياب القوة البحرية الأمريكية.

وأمام كل هذه التحديات، تؤكد بلومبرغ: أن "نشر بضعة آلاف من القوات في الخليج هو ثمن زهيد تدفعه واشنطن، لتفادي كل تلك السيناريوهات".

وأضافت: "قد يرى البعض في الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية عدوًا أكثر منها حليفًا هذه الأيام، لكن الجغرافيا السياسية للطاقة تعمل وفقًا لمبادئ مماثلة لتلك التي استخدمها مايكل كورليوني -شخصية سينمائية خيالية في عالم الإجرام- لحكم إمبراطوريته الإجرامية: (أبقِ أصدقاءك قريبين، لكن أعداءك أقرب)".