الإرهاب يتوغل في إفريقيا.. وقوات الأمن تكافح لمواجهة تصاعد العنف
قال إبراهيم يحيى إبراهيم، محلل الساحل في مجموعة الأزمات الدولية: تمت تجربة كل شيء، لكن الإرهابيين ما زالوا يتزايدون ويحتلون مناطق أكبر.

ترجمات - السياق
بعد عقد من عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، مازالت تلك البلدان تواجه «آفة الإرهاب» التي فرضت نفسها على القارة السمراء، رافضة هجرها دون المزيد من إراقة الدماء وترويع الآمنين.
إلا أن العمليات الإرهابية للمنظمات التي تتخذ من تلك البلدان وكرًا لها، دفع السكان المحليون من أمنهم ومستقبل أبنائهم فاتورةً باهظةً لها، مما جعل الكثيرين منهم يتسامحون مع «الانقلابات» العسكرية، كأحد السبل لمواجهة العناصر الإرهابية.
ومن تلك الرؤية يأتي الانقلاب العسكري الأخير في بوركينا فاسو، في الوقت الذي تواجه فيه المنطقة أعلى عددٍ من القتلى منذ عقد، بحسب صحيفة «فايننشال تايمز»، التي قالت إنَّه في الأيام التي أعقبت استيلاءه على السلطة في انقلاب، سعى قائد الجيش إبراهيم تراوري إلى طمأنة شعب بوركينا فاسو بأنه سيحقق السلام في بلد دمره التمرد «الإرهابي».
وقدم الرجل البالغ من العمر 34 عامًا نفسه على أنه زعيم متردّد أجبره تفاقم انعدام الأمن على الإطاحة ببول هنري سانداوغو داميبا، الذي قال نفس الشيء عندما أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا روش كابوري في يناير/كانون الثاني 2022.
«أعلم أنني أصغر من معظمكم هنا»، يقول تراوري في اجتماع مع مسؤولين حكوميين هذا الأسبوع، مضيفًا: «لم نكن نريد ما حدث لكن لم يكن لدينا خيار».
عام دموي
لكن مع توقع أن يسجل هذا العام أعلى عدد من القتلى في أعمال عنف «الإرهابيين» في بوركينا فاسو ومالي منذ بدء الأزمة قبل عقد من الزمان، يتساءل المحللون عما يمكن فعله لمحاربة تلك العناصر المرتبطة بتنظيمي «داعش» و«القاعدة» الذين سيطروا على ما يقرب من نصف أراضي ذلك البلدين.
وقال إبراهيم يحيى إبراهيم، محلل الساحل في مجموعة الأزمات الدولية: «تمت تجربة كل شيء، لكن الإرهابيين ما زالوا يتزايدون ويحتلون مناطق أكبر».
وتشارك الجيوش الوطنية و15 ألفًا من قوات الأمم المتحدة والقوات الفرنسية والأوروبية في عملية برخان في القتال ضد «الإرهاب» في جميع أنحاء المنطقة.
وتقول «فايننشال تايمز»، إنه في هذا العام وحده، كان هناك تصعيد حاد حيث تمكن «الإرهابيون» من تحقيق مكاسب، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 5500 شخص في النصف الأول من 2022 على أيدي الجماعات المسلحة غير الحكومية وقوات أمن الدولة وجماعات الدفاع عن النفس في جميع أنحاء بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وفقًا لبيانات من موقع النزاع المسلح ومشروع بيانات الأحداث (ACLED)، وهي جماعة للإبلاغ عن بيانات التعارض.
هذا الرقم جاء أكبر بكثير بالمقارنة مع 5720 قتيلًا في العام 2021 بأكمله، فيما تقول ACLED إن عام 2022 يسير على الطريق ليكون الأكثر «دموية» في بوركينا فاسو ومالي.
مليونا نازح
وبحسب «فايننشال تايمز»، فإنَّه نزح ما يقرب من مليوني شخص أي حوالي 10% من سكان بوركينا فاسو، فيما أثرت أعمال العنف على 10 من 13 منطقة إدارية في البلاد.
ووفقًا لمركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية، فإن ما يقرب من ثلثي المناطق الإدارية البالغ عددها 135 في مالي وبوركينا فاسو وغرب النيجر شهدت هجمات «إرهابية» عنيفة هذا العام.
وتصدرت بعض الهجمات عناوين الصحف الدولية؛ ففي يونيو/حزيران، قتل 89 شخصًا في قرية سيتنجا الشمالية، في واحدة من أسوأ الأعمال الوحشية في تاريخ بوركينا فاسو. وفي الشهر الماضي قتل 35 شخصًا عندما انفجرت قنبلة على جانب طريق في موكبهم في طريقه إلى العاصمة واغادوغو.
الانقلابات العسكرية
وقالت أورنيلا مودران المحللة السياسية والأمنية في منطقة الساحل، إنه مع تصاعد العنف، ازداد التسامح مع الانقلابات بين السكان المحليين والعسكريين، الذين شعروا أن لديهم موارد غير كافية لمواجهة «الإرهابيين»، مضيفة: «لم تكن قوات الأمن مستعدة لمواجهة مثل هذا الوضع الخطير».
ودعا البعض في بوركينا فاسو إلى «شركاء جدد» في الحرب ضد الإرهاب، في رسالة موجهة فيما يبدو إلى موسكو، تتناغم مع مهاجمة شباب، بعضهم يرتدي الأعلام الروسية، نهاية الأسبوع الماضي، السفارة الفرنسية في واغادوغو والمركز الثقافي في بوبو ديولاسو في جنوب البلاد.
الزعيم الجديد كان حذرًا بشأن روسيا، قائلا في مقابلة على الإذاعة الفرنسية إن «هناك العديد من الشركاء. فرنسا شريك. لا يوجد هدف محدد». قال إبراهيم من مجموعة الأزمات الدولية، إن المجموعات التي تدعم النظام الجديد تحدثت بصوت عالٍ على وسائل التواصل الاجتماعي حول دعوة مجموعة المرتزقة الروسية «فاغنر».
روسيا.. الحاضر الغائب
وبعض الأشخاص الذين يدعمون تراوري في منظمات المجتمع المدني يطالبون روسيا بالتدخل، فيما قد يختلف العديد من الممثلين، لكن أولئك الذين يدعون إلى روسيا هم أكثر صراحة.
وقال إبراهيم: «هناك شكوى عميقة مع فرنسا في هذه المنطقة»، مشيرًا إلى الاستياء المتبقي من الاستعمار والتدخل الفرنسي المتصور مؤخرًا في الشؤون الداخلية من خلال النخب المحلية التي لها صلات وثيقة بباريس.
وأدانت فرنسا بشدة أعمال العنف ضد مواقعها الدبلوماسية في بوركينا فاسو، وحثت مواطنيها على توخي الحذر هناك، فيما امتنعت وزارة الخارجية الفرنسية عن الإفصاح عما إذا كانت لديها أي اتصالات مع تراوري، قائلة إنها «ستواصل متابعة الوضع في بوركينا فاسو عن كثب».
وتريد بعض الجماعات الموالية لروسيا اتباع نهج أكثر عدوانية في التعامل مع «الإرهابيين»، إما بمحاولة التعرف عليهم والقضاء عليهم بشكل فردي كما يحاول الفرنسيون فعله، يقول إبراهيم، أو الذهاب ومهاجمة القرى وقتلهم إلى جانب المدنيين لـ«فرض نفسك على الأرض دون مراعاة انتهاكات حقوق الإنسان وهذه هي الطريقة التي يحاول الروس استخدامها. لكن هذا لم يؤد إلا إلى نتائج محدودة في مالي».
مالي.. نموذجًا
وتدهور الوضع في مالي منذ وصول فاغنر، المتهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، في وقت مبكر من هذا العام، إلا أنه بعد عقد من عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، يتساءل المحللون عما إذا كان الوقت قد حان للنظر في الحوار بين الحكومات والجماعات المسلحة.
وقال إبراهيم: «الجيش لا غنى عنه لكن علينا أن ندعمه بأشكال مختلفة، بما في ذلك الرد السياسي الذي يشمل الحوار مع هذه الجماعات لأنها اليوم لاعب رئيس».
وفي الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الجديدة لترسيخ مكانتها، التقى تراوري هذا الأسبوع بوفد أرسله التجمع الإقليمي لغرب إفريقيا إيكواس، أكد لهم فيه أن نظامه سيلتزم بخطة الانتقال المدنية في يوليو/تموز 2024 المتفق عليها مع الإدارة السابقة.
لكن كما أوضح في مقابلات لاحقة، «فإن كل ما يهم هو ما إذا كان مستوى الأمن جيدًا، لأن هذه هي المعركة».