اتفاق الحدود بين لبنان وإسرائيل.. هذه تفاصيل المسودة والخطوات المقبلة
بحسب مسودة الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة لترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، فإنه يهدف إلى التوصل إلى حل دائم ومنصف للنزاع القائم منذ فترة طويلة.

السياق
بـ«اتفاق تاريخي» توصلت إسرائيل ولبنان إلى مسودة نهائية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، بهدف التوصل إلى حل دائم ومنصف للنزاع القائم منذ فترة طويلة.
ذلك الاتفاق، سيحدد فقط الحدود البحرية بين العدوين اللدودين، وليس الحدود البرية التي يبلغ طولها 50 ميلًا، والتي لا تزال محل نزاع بعد 74 عامًا من الحروب المتعددة، والتي لا تزال تخضع لدوريات مراقبة تابعة للأمم المتحدة بعد أكثر من أربعة عقود.
فماذا حدث في الساعات الماضية؟
بعد مفاوضات ماراثونية وعلى وقع توترات حدثت الأسبوع الماضي، خرجت إسرائيل مساء الثلاثاء بتصريحات على لسان عدة مسؤولين، أكدت فيها أنها توصلت مع لبنان إلى اتفاق تاريخي لترسيم حدودهما البحرية وإزالة العقبات الرئيسة أمام استغلال حقول الغاز في شرق البحر المتوسط.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد الثلاثاء، إن بلاده ولبنان توصلا إلى «اتفاق تاريخي، سيعزز أمن إسرائيل، ويضخ مليارات في الاقتصاد الإسرائيلي ويضمن استقرار حدودنا الشمالية».
ومن إسرائيل إلى لبنان كانت التصريحات الإيجابية حاضرة؛ فالرئاسة اللبنانية قالت في بيان صادر عنها إنها «تعتبر الصيغة النهائية... مرضية للبنان ولا سيما أنها تلبي المطالب اللبنانية، وحافظت على حقوق لبنان في ثروته الطبيعية».
بدورها، رحبت الولايات المتحدة الأمريكية التي توسّطت طيلة عامين بين البلدين بـ«الاختراق التاريخي»، وأشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن الثلاثاء في بيان بالاتفاق، وحض «كل الأطراف على التقيد به».
وأوضح بايدن، أن «حكومتي إسرائيل ولبنان اتفقتا على أن تنهيا رسميا نزاعهما حول الحدود البحرية»، مؤكدًا ضرورة بذل كل الأطراف جهودا لتطبيق الاتفاق.
ماذا بعد؟
أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي موافقة لبنان على النسخة الإنجليزية من العرض الأمريكي لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، على أن يعلن رئيس الجمهورية الأربعاء الموقف النهائي.
وبعد لقائه رئيس الجمهورية مساء الثلاثاء، قال ميقاتي: «هناك وفاق كامل عليها باللغة الإنجليزية»، مشيرًا إلى أن عون لا يزال يراجع الترجمة العربية.
إلا أنه يبدو أن الرئاسة اللبنانية قالت كلمتها؛ ففي تصريح للرئيس ميشال عون اليوم الأربعاء، خلال استقباله وفدًا من نقابة المهن البصرية، قال إن إنجاز اتفاقية الترسيم سينتشل لبنان من الهاوية التي أُسقِط فيها، مشيرًا إلى أنه سيتبعه ابتداءً من الأسبوع المقبل، إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم على دفعات.
يائير لابيد، أكد بدوره، أنه من المقرر عقد اجتماع لمجلس الوزراء الأمني المصغر في إسرائيل مساء اليوم الأربعاء، لمناقشة تفاصيل الاتفاق وبنوده.
إلا أن مجلس الوزراء لم ينتظر حتى المساء، فصوت اليوم الأربعاء على الانتقال إلى المرحلة الأخيرة من عملية الموافقة على اتفاق الحدود البحرية مع لبنان.
وبحسب «تايمز أوف إسرائيل»، فإن الصفقة تنتقل الآن إلى الحكومة الإسرائيلية، والتي من المتوقع أن توافق على الصفقة.
ووافق الوزراء المجتمعون على ملخص الاجتماع الذي قدمه رئيس الوزراء يائير لبيد، والذي جاء فيه: «هناك أهمية وضرورة ملحة للتوصل إلى اتفاق بحري بين إسرائيل ولبنان في هذا الوقت. وأعرب أعضاء مجلس الوزراء عن دعمهم لدفع عملية الموافقة على موافقة مجلس الوزراء».
وأيد جميع أعضاء مجلس الوزراء المصغر نقل الاتفاقية إلى الحكومة الكامل، باستثناء وزيرة الداخلية أييليت شاكيد التي امتنعت عن التصويت.
ورغم أن شاكيد في ائتلاف لابيد الحاكم، فقد أعربت عن رغبتها في الانضمام إلى حكومة مستقبلية مع العديد من أحزاب المعارضة.
وفي وقت سابق اليوم، كشف المدعي العام غالي باهراف ميارا أن الحكومة المنتهية ولايتها يحق لها قانونًا توقيع الاتفاقية، على الرغم من قرب موعد الانتخابات وكونها حكومة تصريف أعمال.
وقال إنه على الرغم من أنه من الأفضل أن تسمح الحكومة للكنيست بالحق في الموافقة على الصفقة أو رفضها، إلا أنها ليست ملزمة قانونيًا بالقيام بذلك، ويمكن أن تكفي لمجرد تزويد الكنيست بتفاصيل الاتفاقية.
وأصر نواب المعارضة- إلى جانب شاكيد- على أن الصفقة البحرية لا ينبغي أن تتم أثناء وجود حكومة مؤقتة في السلطة ويجب إحضارها أمام الكنيست، وهو غير منعقد حاليًا.
وقال رئيس الكنيست ميكي ليفي، عضو حزب لابيد يش عتيد، إنه سيعقد الجلسة الكاملة حتى يمكن مراجعة الاتفاق بسرعة من قبل أعضاء الكنيست، مشيرًا إلى أهمية الأمر. وطلب من سكرتير الحكومة للكنيست الاجتماع في عطلة الأعياد اليهودية.
ووفقًا لقانون تم تمريره في عام 2014، فإنه يجب أن تتم الموافقة على أي خطة للتنازل عن الأراضي داخل حدود دولة إسرائيل من قبل الكنيست بأغلبية 61 صوتًا، ثم من قبل الجمهور في استفتاء، أو تمريرها من قبل الهيئة التشريعية، بأغلبية ساحقة من 80 صوتًا.
ورفضت محكمة العدل العليا، صباح الأربعاء، طلب منظمة لافي للضغط لإصدار أمر قضائي ضد الحكومة لمنعها من التوقيع على مثل هذا الاتفاق، نظرًا للمدة القصيرة التي سبقت الانتخابات المقرر إجراؤها في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ماذا يعني التوصل لاتفاق؟
الحدود البحرية أثبتت أنها مثيرة للجدل بنفس القدر في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد اكتشاف رواسب الغاز في قاع البحر داخل منطقة تبلغ مساحتها 330 ميلًا مربعًا.
وتقول «رويترز»، إن إسرائيل التي طورت بالفعل حقول غاز في المياه القريبة، ربطت خطًا من العوامات على بعد ثلاثة أميال من جرف صخري بالقرب من مقر الأمم المتحدة، في خطوة أدانتها بيروت ووصفتها بأنها استفزاز أحادي الجانب.
إلا أن اتفاقًا كهذا سيسمح لكلا البلدين باستغلال حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، مما قد ينهي النزاع المستمر منذ عقود حول حدودهما البحرية، ويخفف التوترات العسكرية المتزايدة ويوفر مصدر دخل للاقتصاد اللبناني المنهار.
ويأمل المسؤولون اللبنانيون والإسرائيليون –على حد سواء- أن يهدئ الاتفاق، حال إتمامه، التوترات المتصاعدة على طول الحدود.
وتقول «واشنطن بوست»، إن الصفقة تأتي في الوقت الذي تعيد فيه اكتشافات الغاز رسم خريطة الطاقة في البحر الأبيض المتوسط تمامًا كما تبحث أوروبا عن مصادر بديلة في أعقاب العملية العسكرية الروسية لأوكرانيا.
وأوضحت أن دبلوماسية الغاز قد تعمل أيضًا على إذابة العلاقات المتوترة بين إسرائيل وتركيا، فعلى سبيل المثال يسعى البلدان إلى إحياء الخطط التي تم التخلي عنها منذ فترة طويلة لخط أنابيب يمر عبر تركيا إلى أوروبا.
ما نصوص الاتفاق؟
قالت مسودة اطلعت عليها وكالة رويترز اليوم الأربعاء، إن الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة لترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان يهدف إلى التوصل إلى حل دائم ومنصف للنزاع القائم منذ فترة طويلة.
وبحسب المسودة، فإن الاتفاق يدخل حيز التنفيذ في التاريخ الذي تُرسل فيه حكومة الولايات المتحدة إشعارًا يتضمن تأكيدًا على موافقة كل من الطرفين على الأحكام المنصوص عليها في هذا الاتفاق.
وقالت «رويترز»، إنه في اليوم الذي ترسل فيه واشنطن هذا الإشعار، سيرسل لبنان وإسرائيل في نفس الوقت إحداثيات متطابقة إلى الأمم المتحدة تحدد موقع الحدود البحرية.
وبحسب المسودة، فإن الطرفين سيعترفان بخط إسرائيل الأمني قبالة مستوطنة روش هنيكراه، فيما أشارت إلى أن 17% من أرباح الغاز الذي سيتم استخراجه من مكمن صيدا ستعود إلى إسرائيل.
ومن المقرر –بحسب المسودة- إعادة التفاوض بين لبنان وإسرائيل على الحدود البحرية بينهما إذا جرت مفاوضات بشأن الحدود البرية الفاصلة بين البلدين والتي لم يتم التطرق لها.
وتوضح المسودة خطوط المناطق الاقتصادية الخالصة لكلا البلدين، فيما سيتمكن لبنان من الوصول إلى الحقول الواعدة في المياه المتنازع عليها سابقًا؛ وستكون لإسرائيل الحرية في بدء تشغيل بئر كاريش باتفاق لبنان.
وقال مسؤولون لبنانيون، إن الصفقة النهائية لن تجعلهم في شراكة مباشرة مع إسرائيل، ولم يتضح كيف سيتم تقسيم الإتاوات عن المنطقة الوحيدة، حقل قانا، التي تقع جزئيًا في المياه الإسرائيلية.
وأصدر لبنان في عام 2017 تراخيص للمضي قدمًا في تطوير النفط والغاز البحري لاثنين من الكتل العشر في البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك قانا، وكان المسؤولون يتحركون بسرعة لدفع العملية قدما.
وبحسب صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، فإن مسؤولين قالوا إن المسودة منحت إسرائيل اعترافًا دوليًا بحدودها التي تحمل علامات العوامات على بعد خمسة كيلومترات (3.1 ميل) من ساحل بلدة روش هانيكرا الشمالية، والتي أسستها إسرائيل في عام 2000 بعد الانسحاب من جنوب لبنان، وستتبع حدود إسرائيل الحد الجنوبي للمنطقة المتنازع عليها المعروفة باسم الخط 23.
وسيتمتع لبنان بالمزايا الاقتصادية للمنطقة الواقعة شمال الخط 23، بما في ذلك حقل قانا للغاز، على الرغم من أن مسؤولًا إسرائيليًا رفيعًا قال إن إسرائيل ستتلقى تعويضًا عن التنازل عن حقوق قانا، التي سيقع جزء منها في ما يعترف به الاتفاق على أنه مياه إسرائيلية.
والخميس الماضي، ذكرت وسائل الإعلام العبرية أن مدير وزارة الطاقة الإسرائيلية أخبر الوزراء في اجتماع لمجلس الوزراء أن التقديرات المتعلقة بكمية الغاز الطبيعي التي يمكن استخراجها من قانا- الخزان الذي يقع وسط نزاع بحري- كانت أقل بكثير مما كان يعتقد في البداية.
ويبدو أن تلك التصريحات كانت محاولة لإقناع الوزراء القلقين بالانضمام إلى الاتفاقية البحرية التي توسطت فيها الولايات المتحدة من خلال التأكيد على أن إسرائيل لن تتنازل إلا عن خزان قد يقدم ربحًا محدودًا للغاية بينما تتلقى اعترافًا دوليًا بالسيطرة على الخزانات الأخرى في البحر الأبيض المتوسط التي تدر أرباحًا أكبر بكثير.
ونصت الصيغة التي عرضها الوسيط الأميركي وسربت للصحافة على خضوع حقل كاريش بالكامل للسيطرة الإسرائيلية في مقابل منح حقل قانا للبنان، علما أن قسمًا منه يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين مياه البلدين.
وستحصل شركة توتال الفرنسية على ترخيص للتنقيب عن الغاز في حقل قانا، على أن تحصل إسرائيل على حصة من الإيرادات المستقبلية.
فبما أن قسمًا من حقل قانا يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين مياه البلدين، ستحصل إسرائيل على حصة من الدخل الذي سيحققه لبنان مستقبلًا من استغلال شركة توتال إنيرجي للغاز في قانا، وفق تقارير صحافية إسرائيلية.
ما محاور الخلاف؟
عانت المفاوضات بين البلدين اللذين مازالا في حالة حرب رسميًا، من نكسات متكررة منذ انطلاقها في عام 2020 لكنها اكتسبت زخمًا في الأسابيع الأخيرة مع تطلع الجانبين إلى تحقيق عائدات من حقول الغاز التي يحتمل أن تحوي ثروة كبيرة في البحر الأبيض المتوسط.
وكان المبعوث الأمريكي هاموس هوكستين طرح صيغة نهائية في وقت سابق من هذا الشهر قبلتها إسرائيل، لكن لبنان طلب إدخال بعض التعديلات.
وقالت إسرائيل الأسبوع الماضي إنها تعتزم رفض التغييرات التي طلبها لبنان، حتى لو عنى ذلك استحالة التوصل لاتفاق، لكن المفاوضات استمرت، وبلغت ذروتها عندما تحدث الجانبان عن شروط نهائية مقبولة.
وتقول واشنطن بوست، إن محور الخلاف الرئيس في المحادثات كان حقل غاز كاريش الذي أصرت إسرائيل على أنه يقع بالكامل في مياهها ولم يكن موضوعًا للمفاوضات.
وفي مواجهة تهديدات حزب الله بالضرب إذا بدأت إسرائيل في ضخ الغاز الطبيعي من حقل كاريش، وضع وزير الدفاع بيني غانتس القوات في حالة تأهب قصوى بعد أن واجهت محادثات الحدود البحرية خلافات في اللحظة الأخيرة الأسبوع الماضي.
إلا أنه يبدو أن الاتفاق الذي توصلت إليه المفاوضات، أرضى حزب الله؛ فأمنيه العام حسن نصر الله قال إن حزبه سيؤيد اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل إذا وافق المسؤولون اللبنانيون على العرض الذي تقدم به الوسيط الأمريكي في المفاوضات.
وقال نصر الله خلال كلمة متلفزة: «عندما يقول المسؤولون اللبنانيون وعندما يعلن الرئيس الموقف الرسمي اللبناني الموافق والمؤيد للاتفاق، بالنسبة للمقاومة تكون الأمور قد أنجزت».