نيويورك تايمز: الغرب لا يريد المزيد من المهاجرين
في الوقت الذي تتبنى فيه الدول الغربية مواقف متشددة بشكل متزايد ضد المهاجرين، فتحت دولة رواندا الصغيرة حدودها أمام اللاجئين، وأبرمت صفقات مع دول أوروبية مثل بريطانيا والدنمارك لإيواء طالبي اللجوء المرحلين

ترجمات - السياق
كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن الغرب بات لا يريد المزيد من المهاجرين، خصوصًا الأفارقة، وذلك بعد معاناة لقيها خلال السنوات الأخيرة بدءًا من اضطراره لاحتواء آلاف السوريين الفارين من الحرب في بلادهم، ثم اضطراره لقبول آلاف الأوكرانيين بعد نشوب الحرب هناك في فبراير الماضي.
وبيّنت الصحيفة أن مراسلها عبدي لطيف ظاهر، أمضى بعض الوقت في مركز آلية العبور في حالات الطوارئ في غاشورا، برواندا، لإجراء مقابلات مع اللاجئين.
وحول هذه التجربة، قال ظاهر: إن مئات الأفارقة وجدوا في هذا المجمع -مترامي الأطراف الذي يقع في هذه المدينة المحصورة بين بحيرتين صغيرتين- ما لم يتمكنوا أن يحصلوا عليه في أي مكان آخر، حيث وجدوا الملاذ الآمن بعد تحمل العبودية والتعذيب في ليبيا.
وأشارت إلى أن هذه المنشأة الواقعة على بُعد نحو 40 ميلًا جنوب العاصمة الرواندية، كيغالي، تُقدم غرفًا نظيفة مع أسرّة مزدوجة، لافتة إلى أنها تُعد محطة طريق للاجئين الذين ينتظرون اللجوء أو إعادة التوطين في مكان آخر، كما أنها تُعد رمزًا مهمًا لجهود الحكومة لتقديم رواندا كدولة لديها حل لأزمة الهجرة العالمية.
وأوضحت، أنه في الوقت الذي تتبنى فيه الدول الغربية مواقف متشددة بشكل متزايد ضد المهاجرين، فتحت دولة رواندا الصغيرة حدودها أمام اللاجئين، وأبرمت صفقات مع دول أوروبية مثل بريطانيا والدنمارك لإيواء طالبي اللجوء المرحلين.
وفي ذلك، يقول رئيس رواندا، بول كاغامي: إن حكومته مدفوعة بالإيثار والمسؤولية الأخلاقية لتوفير حل "لمشكلة مُعقدة للغاية في جميع أنحاء العالم".
استفادة وتلميع صورة
ورغم تصريحات كاغامي، إلا أن مراقبين أبلغوا نيويورك تايمز، أن الدولة الإفريقية، تسعى للاستفادة ماليًا وجيوسياسيًا من هذه الترتيبات، كما أنها تعرض نفسها كملاذ للاجئين لصرف الانتباه عن سجلها الإشكالي في مجال حقوق الإنسان.
ونقلت الصحيفة عن توني هاستروب، أستاذ السياسة الدولية في جامعة ستيرلنغ في بريطانيا، قوله: إن صفقات الهجرة مع الغرب هي جزء من "حملة رواندا لتلميع صورتها في الخارج".
وحسب الصحيفة الأمريكية، تُعد رواندا -وهي دولة غير ساحلية ذات تضاريس خصبة ومتموجة- واحدة من أصغر البلدان وأكثرها كثافة سكانية في إفريقيا.
فيما يُعد "كاغامي" الزعيم الفعلي لهذه البلاد -التي يبلغ تعداد سكانها 13 مليون نسمة- منذ نهاية الإبادة الجماعية عام 1994، والتي قُتل فيها ما يصل إلى مليون شخص في 100 يوم.
ومنذ ذلك الحين -تضيف الصحيفة- حوّل كاغامي، رواندا إلى دولة طموحة تتصرف أكبر من حجمها سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.
ووضع كاغامي رواندا كمضيف رئيس للاجئين الأفارقة، حيث تستضيف البلاد عشرات الآلاف من اللاجئين من دول مثل بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإريتريا والصومال والسودان.
كما استقبلت المئات من اللاجئين الأفارقة الآخرين الذين طردوا من إسرائيل، ورحبت بطالبات المدارس الأفغانيات الهاربات من طالبان، والآن، تريد رواندا -حسب الصحيفة الأمريكية- أن تكون شريكًا وثيقًا للدول الغربية اليائسة في كبح الهجرة غير الشرعية.
لكن، يأتي ذلك رغم أن رواندا اتُّهمت سابقًا بسجن العديد من اللاجئين، بل والتهديد بطردهم، كما رفضت الدولة الإفريقية قبول طلبات اللجوء للمثليين.
وفي ذلك، يقول نشطاء للصحيفة الأمريكية: إن شراكات اللجوء تهدف ببساطة إلى تحسين سمعة كاغامي، الذي تعرض حكمه -الذي استمر لثلاثة عقود- لتدقيق متزايد لقمعه للمعارضة السياسية وحرية التعبير.
لندن على الخط
وبيّنت نيويورك تايمز، أن حكومة بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، كانت قد أعلنت في أبريل الماضي، عن صفقة لإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا، على أمل تقليل عدد الأشخاص الذين يعبرون القنال الإنجليزي.
في المقابل -حسب الصحيفة- ستحصل رواندا على 120 مليون جنيه في برامج التنمية الاقتصادية، كما وقعت الدنمارك العام الماضي اتفاقية مدتها ثلاث سنوات مع رواندا لتعزيز التعاون في مجال الهجرة، وفي أغسطس الماضي، وقعت اتفاقية تهدف إلى إنشاء مركز لجوء في كيغالي.
وحسب الصحيفة الأمريكية، سلط كلا الاتفاقين الضوء على التعامل مع طلبات المهاجرين في الخارج، وأثارا تساؤلات حول المسؤولية التي تتحملها الدول الغنية تجاه اللاجئين الفارين من الاضطهاد أو الجوع.
ففي الولايات المتحدة، قام حكام الولايات الجمهوريون المستاؤون من تعامل إدارة بايدن مع الهجرة غير الشرعية بنقل آلاف المهاجرين بالحافلات أو الطائرات إلى مناطق ذات ميول ليبرالية، فيما أعلن عمدة مدينة نيويورك مؤخرًا حالة الطوارئ وسط تدفق المهاجرين من أمريكا اللاتينية.
فقد أثارت خطة بريطانيا تحديات قانونية، حيث أشار النقاد إلى أدلة قضائية تظهر أنه حتى الدبلوماسيين البريطانيين في كيغالي أوصوا بعدم الاتفاق مع رواندا تحديدًا، بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، وجهودها في "تجنيد لاجئين للقيام بعمليات مُسلحة في البلدان المجاورة"، ووصلت المزاعم إلى أنها نفذت عمليات قتل خارج نطاق القضاء واختفاء قسري وتعذيب.
ونقلت الصحيفة عن كلير موزلي، مؤسسة منظمة "كير فور كاليه" -إحدى الجمعيات الخيرية البريطانية التي ذهبت للقضاء لوقف عمليات الترحيل-، قولها: "حكومتنا تكذب ببساطة عندما يقولون إن رواندا آمنة للاجئين"، معتبرة أن الأدلة تُظهر أنه "ما من شك على الإطلاق في أن هذه السياسة كانت وحشية وخاطئة جدًا من الناحية الأخلاقية".
كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أصدرت حُكمًا لإيقاف أول رحلة بريطانية لنقل طالبي اللجوء إلى رواندا في يونيو الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من أن بريطانيا لم تعد عضوًا في الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تقبل الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
إلا أنه في سبتمبر الماضي، تم الطعن على الحكم في المحكمة العليا في لندن من قِبل طالبي اللجوء، وجماعات حقوق المهاجرين، والنقابة العمالية التي تُمثل موظفي الحدود المطلوب منهم تنفيذ هذه السياسة.
فقد انتقد الأكاديميون والجماعات الحقوقية، الخطة لإعطاء الأولوية للحوافز المالية قصيرة الأجل بدلا من استكشاف حلول طويلة الأجل ومستدامة لأزمة الهجرة، فيما استنكرت جماعات الدفاع مذكرة التفاهم بين بريطانيا ورواندا، قائلة إنها لم يوافق عليها البرلمان.
فيما قال منتقدون، بمن فيهم وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة: إن سياسة الترحيل البريطانية تنتهك القانون الدولي ولن تردع أولئك الذين يخاطرون برحلة خطيرة عبر القناة الإنجليزية.
ووفقًا لوزارة الداخلية البريطانية، كان قد عبر أكثر من 30 ألف شخص القناة حتى الآن هذا العام، مقارنةً بأكثر من 28 ألفًا في عام 2021 بالكامل، وما يزيد قليلًا على 8400 في عام 2020.
وحسب الصحيفة، فإنه رغم كل هذه الانتقادات، إلا أن الحكومة البريطانية -التي يقودها المحافظون- تعهدت بالمضي قدمًا، حيث تعهدت رئيسة الوزراء الجديدة، ليز تروس، بتوسيع الخطة.
وقالت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، الأسبوع الماضي: إنه سيكون "حلمها" أن تسافر رحلة مع طالبي اللجوء إلى رواندا قبل عيد الميلاد، وهي خطوة غير مرجحة، بسبب الطعون المتوقعة على حكم المحكمة العليا.
ممارسات استعمارية
من جانبها، وصفت بارفاتي ناير، أستاذة الدراسات الإسبانية والثقافية والهجرة بجامعة كوين ماري بلندن، نقل طالبي اللجوء بأنه يعكس الممارسة الاستعمارية المتمثلة في نقل الأشخاص ضد إرادتهم من أجل تعزيز الأهداف الاقتصادية والسياسية للدول الأكثر ثراءً.
وقالت لـ نيويورك تايمز: "لا أعتقد أننا يجب أن نأخذ البشر ونضعهم في قلب صفقة اقتصادية دون موافقة هؤلاء البشر.. القضية غير المعلنة هنا هي قضية عرقية وإمبريالية، ومن يملك المزيد من القوة".
وطالب خبراء بضرورة مراعاة الخسائر النفسية التي يتعرض لها اللاجئون، إذ قالت كلير موزلي، مؤسسة منظمة "كير فور كاليه": إنه قبل إيقاف أول رحلة ترحيل بريطانية، حاول بعض طالبي اللجوء الانتحار، مشيرة إلى أن أحد الرجال حاول قطع معصميه، وبمجرد وصولهم إلى الطائرة، صرخ الكثيرون وتوسلوا ألا يسافروا إلى رواندا.
ورغم كل ذلك، إلا أن المسؤولين الروانديين يصرون على أن اتفاقهم مع بريطانيا مثالي، وأن بلادهم -وإفريقيا عمومًا- يجب أن يُنظر إليها على أنها "مكان للحلول".
وقالت يولاندي ماكولو، المتحدثة باسم الحكومة، للصحفيين مؤخرًا: "نحن لا نعتبر العيش في رواندا عقوبة"، لكن بعض اللاجئين يقولون إنهم عانوا من تجارب مؤلمة في رواندا.
ونقلت الصحيفة الأمريكية، عن لاجئ كونغولي قوله: إن السلطات الرواندية اتهمته بالمشاركة في الاحتجاجات على تخفيض الحصص الغذائية للاجئين في عام 2018، (حيث قُتل ما لا يقل عن 12 لاجئًا)، لذا فر إلى كينيا، لكنه قال إنه تم اختطافه في عام 2019.
وفي مركز العبور في غاشورا، يتوق اللاجئون إلى الانتقال إلى بلد آخر، ومن بين هؤلاء نيالادا غاتلواك، وهي مواطنة من جنوب السودان تبلغ من العمر 26 عامًا، تمت الموافقة عليها للاستقرار في فنلندا، والتي قالت قبل مغادرتها بعد ظهر أحد أيام يوليو الماضي: "جئت إلى هنا لأتمكن من الذهاب حيث أريد.. أقصد أوروبا وليس رواندا".